هل يتجاوز المجتمعون في الكويت- من عرب هذا الزمان- خلافاتهم الشخصية، ويتخلوا ولو عن بعض ولاءاتهم غير الشعبية لغرب لا زال يناصر- ضدهم-عدوهم وعدو الإنسانية جمعاء؟ وهل يصلون إلى بعض مستوى وعي شعوبهم التي أسست لعهد جديد من المقاومة للتحرر والانبعاث الحضاري ابتدأ من غزة؟!؟ لم تستطع آلاف الأطنان من المتفجرات الصهيونية أن ُتسكت صوت الحق في غرة، بل كل ما فعلته أنها زادت في توسيع الهوّة بين معسكر عربي يدعو لإزالة الاحتلال بنفس القوة التي جاء بها، وبين آخر يجري –ربما لنفس السبب- وراء سراب المفاوضات التي أضاعت كثرة من الأرض وكثيرا من العزة والكرامة، وإذا كانت الشعوب العربية قد أكدت توحّدها إزاء العدوان الصهيوني الغربي على غزة فإن النظام الرسمي العربي كرّس العدوانُ انقسامَه المخزي، حاولت بعض الأنظمة التي مازالت النخوة العربية والأخوّة الإسلامية والأخلاق الإنسانية تسري في بعض عروقها، أن تحمله لتجاوز دائرة الخزي والعار، فكانت قمة غزة التي دعا إليها القطريون بشجاعة كبيرة وقاطعها بوقاحة المصرّون عبثا على إعطاب المقاومة. مع ارتفاع حرارة الشارع العربي وتحرُّك مختلف شوارع مدن العالم الكبرى تنديدا بما تقوم به الإدارة الصهيونية من جرائم ضد الإنسانية، وخوفا من لحظة سقوط الأنظمة العربية الخائرة، اضطرب النظام الرسمي العربي فأعلن عن كثير من اللقاءات العاجلة، لعل أبرزها لقاء شرم الشيخ الذي استضاف فيه النظام المصري "زعماء"الاتحاد الأوروبي الذين قيل إنهم جاءوا ليشهدوا على وقف العدوان الصهيوني المتوحّش بعد أكثر من ثلاثة أسابيع من التدمير الهمجي الذي استأسد فيه الجبناء على الأطفال والنساء والمدنيين من الجو والبحر وخلف المدافع" العملاقة"ولم ينزلوا إلى الميدان إلا كما تخرج الجرذان من جحورها، غير أن حكام الاتحاد الأوروبي الذين انتقلوا بسرعة إلى القدسالمحتلة اصطفوا على مصطبة كأطفال المدارس الابتدائية في قاعة ضيقة هيّأها لهم ثالث الثلاثة في إدارة الإجرام أولمرت، لم ينهوا عن المنكر الأكبر الذي حدث للشعب الفلسطيني، بل راحوا يجددون فروض الولاء والطاعة للصهيونية العالمية التي زرعها أسلافهم في فلسطينالمحتلة قبل ستين عما مضت، وهل يمكن لهؤلاء- الذين تحمل كل دولهم سجلات كبيرة من القذارات والجرائم التي اقترفتها جيوشهم وسياسيوهم في حق الشعوب العربية، ولا زالت مختف بقاع العالم تشهد لهم على ما قاموا به عبر كل تاريخ احتلالهم للعالم- أن يقفوا في وجه وريثهم" الشرعي"في الجريمة؟ إن وراء كل شعار لحقوق الإنسان يتباهى به هؤلاء يتحرك حنين جارف إلى الماضي الكولونيالي الذي وجدوا متنفسا لهم فيما تقوم به الإدارة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني المقاوم. لم يكن اجتماع شرم الشيخ الذي جاء على عجل، ويعرف وحده النظام المصري أهدافَه، إلا حاجزا مزيفا أمام قمة الكويت التي هيأت لها قمة الدوحة أرضية انبثقت عن الهبّة الشعبية العارمة، وصحوة الضمير المتأخرة التي أخطأت حساب الربح والخسارة في معركة الكرامة، ويكون الرئيس المصري حسني مبارك- الغاضب على ما جرى في غيابه بين وزيرة خارجية الإدارة الأمريكية الراحلة وعاملتها على الأرض المحتلة- قد جاء بهؤلاء إما ليتأكد من عدائهم لهذه الجغرافيا وحقدهم على تاريخها فيعيد توظيف الصف العربي في إستراتيجية جديدة تسترد فيها مصر دورها القومي المغيّب، وإما أنه أتى بهم ليخيف قوى الممانعة ومعها الشعوب العربية ويقول للجميع: هذه إسرائيل تطاردكم وتلك أمريكا أمامكم وهؤلاء الأوربيون وراءكم ولا مفر لكم من الانبطاح، خاصة بعد تصريحات زعماء أوروبا الذين أظهروا تحيّزا مفضوحا منهم للجريمة، فقد أعلنوا عن تجييش تكنولوجيتهم المتطورة واستنفار قوتهم العسكرية البحرية في مراقبة البحار المؤدية إلى غزة لمنع تسلح المقاومة، وكان المشكل يكمن في الشعب الفلسطيني الذي يقاوم الاحتلال وليس في الكيان اللقيط الذي ُيوسّع احتلاله بالقوة وبالمفاوضات، ولم يأبه هؤلاء القادة بالانتفاضات الشعبية التي تهز كبريات مدنهم تنديدا بالكيان الصهيوني واعترافا بحق المقاومة، ولم يسمعوا بالتصريحات الجريئة والخطيرة التي أطلقتها جمعياتهم غير الحكومية والمنظمات الأممية العاملة تحت القصف في غزة والتي تتهم إدارة الاحتلال بتنفيذ جرائم الحرب واقتراف جريمة الإبادة ضد الإنسانية، ولم يصل إلى مسامعهم أن هذه الجمعيات والمنظمات أعدّت ملفات إدانة وجمعت لها كل أدلة الإثبات . قمة الكويت تنتظر منها الشعوب العربية أن تجعل –على الأقل- نتائج قمة غزة حدها الأدنى، ولكن يبدو أن أنها لن تشذ عن قمم العرب السابق، فالمصالحات "الشخصية"بين المتنافرين ليست مؤشرا صحيحا على صحوة الضمير القومي السياسي فيمن نام فيه الضمير العربي، إذ يبدو أن تلك "المفاهمات"الشكلية قد جاءت كي لا يظهر النظام الرسمي العربي أنه ما زال على شذوذه القديم، أو لينبه الحضن الأمريكي أنه يمكن الخروج منه لو استمر تتفيه كل الخدمات التي قدّمها له على حساب تطلعات الأمة، أو للمزايدة على التضامن المعنوي والمادي الذي أظهرته الشعوب تجاه الشعب الفلسطيني برفع أسهم المعونات المالية- التي قد لا تكون إلا كلاما عابرا أو حبرا على ورق- وكأن غزة قد دخلت في مزايدة تجارية وليست في محنة سياسية وإنسانية وقومية، وإن المنتظر من قمة الكويت أن يرفع العرب وصايتهم على الفلسطينيين كي يعود الضالون منهم إلى رشدهم فيتوحدوا، وأن يدخل هؤلاء العرب فعلا إلى مرحلة الجهاد الأكبر بكل معانيه الدينية والاقتصادية والحضارية بعدما خرجوا من جهادهم الأصغر في غزة، فالطريق إلى الانبعاث الحقيقي في هذه الألفية يمر حتما بغزة أيها المجتمعون في الكويت...