الشيخ عوض القرني يصدر فتوى مثيرة للجدل أثارت الفتوى التي أصدرها الدكتور عوض القرني بتجويزه لاستهداف الإسرائيليين ومصالحهم أينما وجدت في العالم، من السخط في وسائل الإعلام الغربية واليهودية الشيء الكثير.. فقد علقت صحيفة أورشليم بوست على فتواه مبدية امتعاضها واستهجانها من عدم رد فعل المؤسسة الدينية الرسمية السعودية "هيئة كبار العلماء" على فتوى القرني، وأكد القرني في حواره مع "الشروق" أنه ينطلق في فتواه من منطلق وواجب شرعي، نافيا أن تكون فتواه قد سببت إحراجاً سياسياً للنظام الرسمي أو حتى للمؤسسة الدينية، كما وضح القرني دلالات الاستهداف التي ذكرها في فتواه في هذا الحوار. * * ثقافة الهزيمة والذل والخنوع لا تدفع عدوا ولا تحرر وطنا * * مبررات الفتوى * * دعني أبدأ معك من الفتوى التي أفتيت بها مؤخرا باستهداف الإسرائيليين في جميع أنحاء العالم عقب المجازر التي ارتكبها العدوان الصهيوني في غزة .. لماذا هذه الفتوى وما مبرراتها؟ * * انطلقت في هذه الفتوى من أحكام الشريعة الإسلامية التي أباحت للمسلم وأوجبت عليه في بعض الحالات أن يدفع الصائل الباغي الذي يصول على الدين أو على النفس أو على المال أو على العرض، والعدو الصهيوني عدو باغٍ طاغٍ ظالم قد انتهك جميع القيم الأخلاقية، والأعراف الإنسانية، والقوانين الدولية، ولا يوجد كيان ارتكب من الجرائم كما ارتكب هذا الكيان الغاصب المجرم، فقد رحل شعبا كاملا، وانتهك المقدسات ابتداء من المسجد الأقصى وانتهاءً بما دونه من مقدسات المسلمين ومساجدهم، وقتل مئات الآلاف وهجّر الملايين وقتل النساء والأطفال، حتى الشعب الفلسطيني الذي هُجّر من أرضه لوحق وسُحق وقتل في الملاجئ فقتل في لبنان وسوريا والأردن، ومصر وتونس، كما قتل ممثلوه في أوروبا وفي عديد من الدول عبر سنين مختلفة حتى المعارضين للاحتلال سياسيا أو فكريا فقط استهدفوا وقُتلوا، حتى العجزة والمشلولين مثل الشيخ أحمد ياسين رحمه الله سجنوا عشرات السنين وقتلوا وأبيدوا واغتيلوا فلم يبق مسوغ واحد من المسوغات لمقاومة الظالم الطاغي الباغي بكل قوة متاحة إلا وقد توفرت في العدو الصهيوني، هو المعتدي وهو الذي لم يبال بحرمة ولا بعهد ولا بوفاء، هو الذي لاحق الناس وجعل الكرة الأرضية كلها مسرحا لعربدته وقتاله وقتله للمسلمين وبخاصة الفلسطينيين. * فالواجب حينئذ على المسلمين أن يقوموا بدورهم المنوط بهم شرعا لتخليص البشرية من هذا الورم السرطاني الخبيث الذي يشكل خطرا ماحقا على السلم والأمن العالمي وعلى البشرية كلها، ويكدس من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل والأسلحة المحرمة دوليا ما لا يوجد في أي موقع آخر في المنطقة ويستخدم كل الأسلحة بصورة إجرامية باستهدافه المدنيين والعُزل ولا يراعي حرمة لأحد. وكل هذه المسوغات توجب على المسلمين أن يواجهوه، ولم يكن ما حصل في القصف الأخير من هذه الإباحة والطغيان الذي يدعمه عهر سياسي عالمي وإقليمي رغبا في رضا اليهود ودعمهم أو خشية من دولة إسرائيل والصهيونية إلا حلقة في سلسلة طويلة من جرائمه. يجب على المسلمين حينئذ أن ينبروا للذب عن إخوانهم والتضامن معهم، والمسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فالواجب على المسلمين من أجل كبح وكسر طغيان هذا العدو المجرم أن يستهدفوه بكل الوسائل المتاحة لهم أن يستهدفوا الحكومة الإسرائيلية والجيش والموظفين والمستوطنين وأجهزة أمنهم ومليشياتهم واقتصادهم مع العلم أن الشعب الإسرائيلي في أغلبه الحقيقة شعب عسكري وشعب محتل جاء من آفاق العالم واقتلع شعبا واحتل أرضه. قال الله تعالى: قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين. * * -عفوا دكتور عوض.. نحن متفقون على أن المعركة مع اليهود داخل أراضي فلسطين مشروعة، لكن قضية الاستهداف الخارجي ألا يعد نوعا من الخروج على نص المقاومة الفلسطينية التي لم * تدع إلى ذلك وهو نوع من المغامرات غير المبررة كما يقول بعض الأشخاص؟ * * لقد اختار الكيان الغاصب المجرم الإسرائيلي الكرة الأرضية ميدانا للمعركة كما ذكرت قبل قليل، فلاحق الشعب الفلسطيني في كل مكان حتى في الدول العربية، أين اغتيل أبو جهاد وأين اغتيل فتحي الشقاقي وأين اغتيل القادة الفلسطينيون في شارع الفردان في فلسطين، وأين كانت محاولة اغتيال خالد مشعل، وأين اغتيل القائد الحمساوي الذي اغتيل قبل سنة في دمشق، بل أين كانت إبادة تل الزعتر وصبرا وشاتيلا وغير ذلك كثير، فالعدو الصهيوني هو الذي اختار وحدد ميدان المعركة، ولسنا نحن. * * تحديد ظروف المواجهة * * - يفهم مما تقول أنك تحدد ظروف المعركة والمواجهة وهذا تدخل واضح دكتور عوض في تسيير المعركة تجاه الكيان الصهيوني. * * أخي .. أنا لا أحدد ظروف المواجهة، أنا أبين الحكم الشرعي في حق من استهدف وأنه من حقه أن يدافع عن نفسه، وعلى المسلمين في كل مكان أن يقدروا ظروف المواجهة ونوعها وما يمكن أن يسهموا به فيها، وأن يختاروا الوقت والمكان المناسب للنيل من عدوهم، مراعين في ذلك مصالح شعوبهم وأوطانهم. وقد سرني مظاهرات في إندونيسيا تحمل لافتات تطالب بشطب إسرائيل من الكرة الأرضية، اليهود في أرض فلسطين فئتان فئة من أهل فلسطين فيجب أن يبقوا في فلسطين لهم ما لأهل فلسطين وعليهم ما عليهم إلا من ظاهر الغزاة منهم، وفئة غازية باغية طالت الأيام أو قصرت لا بد أن تعاد إلى الأرض التي جاءت منها، لسنا مزبلة لأوروبا لكي تحل مشكلاتها التاريخية مع اليهود بوضعهم في أرض فلسطين ودعمهم بالمال والسلاح لقتل شعبنا وانتهاك مقدساتنا. * * إحراج النظام والمؤسسة الدينية * * - في 28 من الشهر الجاري علقت صحيفة أورشليم بوست الأمريكية اليهودية على فتواك الصادرة أن هيئة كبار العلماء "المؤسسة الدينية" لم يصدر عنها تعليق إزاء فتواك، ألست بهذه الفتوى أحرجت المؤسسة الدينية والنظام السياسي السعودي خاصة أن النظام أطلق مبادرة سلام مع إسرائيل في عام 2002م في قمة بيروت العربية؟ * * أولا أنا أعبر عن نفسي وعن قناعاتي وعن موقفي الشرعي ولا أحمّل غيري مسؤولية حديثي، وأفترض أن كل مسلم في العالم سيتبنى هذه المقولة بالجملة لأنها قضية دين وواجب شرعي، وواجب إنساني، وظني أنني أسهم في أداء واجب العلماء والأنظمة الإسلامية حين أتضامن مع إخواننا في فلسطين ببيان حقهم الشرعي في الدفاع عنهم. والسعودية والحمد لله حكومة وعلماء وشعباً كانوا وما زالوا بإذن الله بالنسبة للقضية الفلسطينية من أكثر شعوب المنطقة بذلاً وتضحية، وجهاداً وعطاء، والشعب الفلسطيني الشقيق يعلم حقيقة ما أقول، وكذلك يعلمها أيضاً العدو الصهيوني، إن قضية فلسطين بالنسبة لنا في السعودية قضية دينية، قومية، حضارية، سياسية، إنسانية، إنها قضية تاريخ وحاضر ومستقبل، ولعلي في هذا المقام أذكّر بشهداء الجيش والشعب السعودي في أعوام 1948م، و1967م، و1973م، وبشهيد القدس الملك فيصل رحمه الله، وبقطع النفط عام 1973م. وبالدعم والاحتضان الدائم للشعب الفلسطيني وقضيته ونحن ننتظر من الملك عبد الله بن عبد العزيز في هذه الظروف أكثر من ذلك. * وللبيان أقول إن الحرب من منظور إسلامي هي للدفاع عن الحق ولكسر شوكة الظلم، وإزالة الاحتلال، وليست حرباً عدوانية، إنها مثلاً حرب تعامل الأسرى بكل احترام ورفق وعطف، إنها حرب تفي بالعهود، إنها حرب تتجنب الدمار الشامل والعشوائي، وتتجنب قتل غير المحاربين من النساء أو الصبيان أو المدنيين، هذه الحرب في عرفنا وشرعنا، لكن العدو اختار أسلوبا آخر فكان جزاء السيئة سيئة مثلها، وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به والعاقبة للمتقين. * لكنني أسائل الصحف الغربية ما الذي تفعله إسرائيل من عربدة في منطقتنا منذ 70 عاما وما هو موقف أمريكا والغرب من هذا، أنا أسمع بعض وسائل الإعلام الأمريكية مثلاً تتباكى على الأسير الإسرائيلي - في إشارة إلى شاليط الذي تتحفظ عليه حركة حماس - الذي جاء من فرنسا ليقاتل أهل غزة وأُسر وهو يحمل السلاح على أهل غزة، بينما 11 ألف أسير فلسطيني من النساء والصبيان والمرضى والكهول قد لا يكون من بينهم أي عسكري لا تتباكى لهم وسائل الإعلام الأمريكيةوالغربية، إن الكيل بمكيالين الذي اعتادته بعض وسائل الإعلام الغربية أو بعض الساسة الغربيين المتأثرين باللوبي الصهيوني أو الخاضعين لضغوطاته ليس في مصلحة مستقبل العلاقات الغربية الإسلامية. وأقول للغرب إن مصلحتكم الحقيقية هي مع مليار ونصف المليار مسلم وليست مع هذه الشرذمة المحدودة التي هي عبء على قيمكم وعلى أخلاقكم وتاريخكم، وعبء على خزينتكم وعلى دافعي الضرائب لديكم وعلى سمعتكم ومصالحكم. * * - هناك من يطالب السعودية بسحب مبادرتها من الطاولة نهائيا للسلام مع إسرائيل.. فهل تؤيد ذلك؟ * * التجارب أثبتت لنا أن العدو الصهيوني غير معني بالسلام لا من قريب ولا من بعيد، والوثائق التي تنشر بعد كل فترة من الزمن تؤكد لنا هذا وأنه عندما يطرح لنا بعض طروحات السلام إعلاميا فهي للاستهلاك من أجل أن يلتقط أنفاسه ويرتب أوضاعه ويعيد الكرة مرة أخرى، المنطقة ستواجه من العدو المتغطرس المجرم أياما سوداء، ولو نجح العدو في كسر المقاومة في فلسطين فسينتقل إلى غيرها. وأقول للحكام العرب كافة إن دعمكم للمقاومة في فلسطين هو دفع لميدان المعركة عن حدود أوطانكم وشعوبكم، إذا فرغت إسرائيل لا قدّر الله من الشعب الفلسطيني فستنقل المعركة إلى مكان آخر. * * رسائل تضامن مع الفتوى * * - هل تلقيت رسائل تضامنية مع فتواك الأخيرة؟ * * نعم ... وصلتني ولله الحمد رسائل التأييد والشكر والثناء من جميع أنحاء العالم الإسلامي، من العلماء ومن المثقفين ومن السياسيين ومن الإعلاميين ومن النساء حتى بعض الأطفال، وقد اتصل بي ليلة أمس شاب لا أعرفه يقول أن أمه بلغت 80 عاما من إحدى دول الخليج وتقول له: أخبر الدكتور عوض أنني أدعو له في صلاتي على هذه الفتوى التي أفتى بها. وأمر طبيعي أن يختلف مع هذه الفتوى أيضاً آخرون وأنا أحترم رأيهم وأقدر وجهة نظرهم وإن اختلفوا معي. * وما يجري في المنتديات هو نموذج لما يصل إليّ، فقد بلغني أن في المنتديات نسبة قليلة تنتقد الفتوى وأما البقية فهم يؤيدونها، وكما قلت أنني أنطلق من منطلقات شرعية فالمسلم عندما ينطلق من هذا المنطلق الشرعي لا يقف كثيراً عند من وافقه أو خالفه، فهذه المنطلقات الشرعية افترض أن كل مسلم عالم متجرد يتفق معها وهي في النهاية رؤية اجتهادية في ضوء القواعد الشرعية لا ألزم بها أحداً ولا أدعي لها العصمة. * * الحركات الجهادية والفتوى * * - احتفلت مواقع الحركات المسلحة بفتواك، خاصة "تنظيم القاعدة" .. ألا تخشى من استخدام الفتوى بشكل غير محسوب شرعياً، خاصة وأن هذه التنظيمات لديها هذا التوجه أساساً. * * القرآن الكريم وهو منزل من رب العالمين استخدم استخداما سيئا من بعض الناس وهذه ليست جريمة القرآن، ولا جريمة الأنبياء والمرسلين، إنما هي جريمة من يحرف الكلم عن مواضعه، لو كانت القاعدة تركت سفك دماء المسلمين والتفجير والقتل في ديارهم، وتوجهت إلى داخل فلسطين وكان عملها ضد إسرائيل لأيدها كثير من الناس كما يفعلون مع حماس، لكن الأسس التكفيرية الغالية والرؤية الضيقة للقاعدة جعلتها تضل الطريق الذي كان ينبغي أن تسلكه، وربما وقعت في حبائل العدو ومؤامراته فجندها في كثير من الأحيان ضد شعوبها وأوطانها وبالتالي فحديثي في واد وما تفعله القاعدة في واد آخر. ونحن موقفنا واضح لأن الدول الإسلامية لا يجوز على الإطلاق أن يستخدم فيها العنف تحت أي مبرر، وأن الحراب يجب أن توجه إلى العدو المحتل الغاصب. * * دلالات الاستهداف * * أنت ذكرت استهداف المصالح الإسرائيلية في كل مكان في العالم، فكيف يكون شكل الاستهداف؟ * * كل أمر في سياقه، فالجانب الإعلامي في سياقه، والجانب الاقتصادي في سياقه، والمقاطعة العربية والإسلامية في سياقها، لماذا لا تُحيا المقاطعة مرة أخرى، أليس هذا استهداف للمصالح الإسرائيلية، الإعلام العربي والإسلامي لماذا لا يقف مع إخواننا في كشف الحقائق، وعلى المستوى السياسي لماذا لا تقطع العلاقات وجميع الصلات القنصلية أو التجارية مع العدو الصهيوني، وعلى المستوى العسكري لماذا لا يُدعم إخواننا الفلسطينيون بالسلاح وبالمال وبالتدريب وبالطاقات البشرية التي يحتاجونها. * * - حتى لا تبقى كلمة (الاستهداف) فضفاضة هل ما ذكرت هو فقط ما تقصده من فتواك؟ * * الاستهداف كلمة تشتمل على جميع أصعدة المقاومة بمعنى أن جميع صور المقاومة يستهدف بها العدو كل صورة في سياقها ومكانها المناسب، وبالتقدير المناسب ممن يباشرها. فمنع دخول السلاح إلى الفلسطينيين ومنع دخول المجاهدين إلى داخل أرض فلسطين هي جريمة آثم من يفعلها وأن كل من استطاع أن يصل بماله أو سلاحه أو جهده أو نفسه إلى أرض فلسطين للدفاع عن الشعب الفلسطيني ثم قصر في ذلك فهو مخطئ. ومن يفتح سفارات العدو الصهيوني أو يستقبله في دياره أو يقيم أي صلة من العلاقات معه فهو مخطئ، ارتكب جرماً في حق أمته، ومن لا يقاطع الشركات التي تتعاون مع العدو الصهيوني فضلا عمن يتعامل مع العدو الصهيوني اقتصاديا فهو مخطئ وهكذا. * * تأويل الفتوى * * هناك من يؤوّل الفتوى في سياقها العسكري مثلاً بضرب المصالح الإسرائيلية كسفاراتها في بلدان أوربا. * * جميع صور التصدي والاستهداف والمقاومة يجب أن تستخدم في سياقاتها وأمكنتها وبالكيفية المناسبة لها، ويقدر تنزيلها أو ممارستها المعني بها حسب الظروف المحيطة بها. أقول إن إسرائيل هي التي حولت العالم إلى ميدان تغتال فيه الفلسطينيين ومن يناصرهم. قال الله تعالى: (لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة وأولئك هم المعتدون). إن ثقافة الهزيمة والذل والخنوع لا يمكن أن تدفع عدواً أو تحرر أوطاناً، وإنني أشد على أيدي بعض الأحرار في أوربا، الذين يطالبون باعتقال عديد من قادة إسرائيل باعتبارهم مجرمي حرب، ونحن أولى أن ندفع بغي وظلم مجرمي الحرب هؤلاء بكل ما نستطيع من الوسائل الشرعية. *