ها هو التاريخ يعيد نفسه .. في عام 2006 ، ظهر بعض العرب حكاما وسياسيين ومحللين وإعلاميين ومن المجتمع المدني، يتهمون حزب الله بالتسبب في العدوان على لبنان من قبل العدوان الصهيوني في أطول حرب تشنها إسرائيل على العرب في التاريخ، 33 يوما كاملة، يومها موصول بنهارها. وبدل إدانة إسرائيل راحوا يدينون بشكل مفضوح حزب الله أي المقاومة اللبنانية. وقال كثير من المحللين أن حزب الله قد قضى على نفسه. وانتهت الحرب بفوز المقاومة اللبنانية فوزا باهرا .. وخرج حزب الله أقوى مما كان سياسيا وعسكريا، وتم تبادل الأسرى ، وأقيم للأسرى اللبنانيين احتفالا رسميا كبيرا ، واسترجعت إسرائيل رفاة جندييها المختطفين من قبل حزب الله. وشكلت لجنة تحقيق في إسرائيل ، اعترفت في تقريرها بانهزام إسرائيل وفوز حزب الله. ومع ذلك ظهر تيار في لبنان أولا وفي بعض الدول العربية ثانيا، حاول بكل ما أوتي من قوة أن يقنع العالم بأن إسرائيل انتصرت ، ولما فشل ، عمل المستحيل في تحويل النصر العسكري إلى هزيمة سياسية ، بعدما عرض للنقاش " سلاح المقاومة " ، وتم تحريك الآلة الإعلامية لتشويه صورة حزب الله، لكنها فشلت أمام آلة المنار وبعض المنابر الإعلامية الحرة. وهاهي حماس ، المقاومة الفلسطينية الباسلة، خرجت منتصرة من العدوان الذي شنها الصهاينة، في ثاني أطول " حرب " يخوضها العرب مع إسرائيل، حيث استغرق 22 يوما ليلها موصول بنهارها. انتصرت حماس من حيث أفشلت إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة : وهي منع إطلاق صواريخ المقاومة، وإعادة قطاع غزة لسلطة محمود عباس ودحلان وعريقات وآخرين، كسر شوكة حماس عسكريا وسياسيا. والأهداف الثلاثة لم يتحقق منها شيئ، فعندما كان أولمرت يعلن وقف العدوان من جانب واحد، كانت صواريخ القسام تسقط على المستوطنات الصهيونية. وقطاع غزة ما زال تحت سلطة المقاومة، وخرجت حماس منتصرة عسكريا وتقوت سياسيا، رغم حجم الدمار والخراب والضحايا، وذلك لا يعد خسارة، إنه الثمن الذي يجب دفعه من أجل الحرية والتحرر. ورغم الإنتصار الباهر للمقاومة، فإن تجربة 2006 تكرر نفسها اليوم، إنهم يريدون بكل الوسائل تحويل النصر العسكري إلى هزيمة لحماس، وذلك من خلال ما يلي : 1 – العمل على تقديم أموال إعمار غزة للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس، الذي المتهم بأنه لم يقم بالواجب تجاه شعبه خلال العدوان، ومن جهة أخرى فإن ولايته قد انتهت، ومن جهة ثالثة فإن هناك تخوفات من أن يستغل عباس تلك الأموال لتقوية سلطته البوليسية على حساب حماس، وهذا ما يشار إليه بشكل صريح أو ضمني من قبل قادة حماس. 2 – العمل على تشويه صورة حماس إعلاميا، من خلال إطلاق تصريحات لا نعتقد أنها صحيحة، مثل القول أن بعض عناصر حماس يبيعون المساعدات التي تصل غزة، ويحولون الأموال لحسابهم الخاص. والحقيقة أن جماعة حماس لو كانوا يرغبون في المال لانضموا لسلطة رام الله ، ولما قدموا أرواحهم في سبيل الله وسبيل الوطن ، فالذي يبيع نفسه من أجل الحرية، لا يمكن التصديق بسهولة أنه حول " علبة أسبرين " من خلال بيعها في أسواق غزة المدمرة. 3 – الإبقاء على حالة الحصار وعدم فتح المعابر، مما يعني أن كل تلك الخسائر البشرية والمادية ذهبت سدى، وكأن العدوان لم يكن استكمالا للحصار، وبالتالي فإن الإبقاء على الحصار وعدم فتح المعابر وربطه بالحوار الفلسطيني - الفلسطيني أو بانتخابات رئاسية وتشريعية مسبقة أو غيرها من المبررات ليس سوى العمل على تحويل نصر حماس إلى هزيمة. فالشعب في غزة لا يقوى على الإنتظار. هذه هي الحرب القذرة التي تشن على " المقاومة " اليوم، رغم أن الخيار البديل للمقاومة، لم يحقق شيئا إيجابيا منذ عام 1993 تاريخ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، بل إن عدد المستوطنات تضاعفت، وتهويد القدس بلغ مداه، والجدار العازل أصبح يفصل بين الفلسطينيين ولم يكن موجودا قبل أوسلو، والفلسطينيون أصبحوا في سجون الفلسطينيين بعدما كانوا في سجون إسرائيل، واشتد الإنقسام الفلسطيني لفشل أوسلو في تحقيق الحلم الفلسطيني، وانقسم تبعا لذلك الصف العربي .. ورغم أن المقاومة، حققت أهم شيء، وهو كسر الحاجز النفسي ، الذي ظلت إسرائيل تسوقه، بأنها تملك جيشا لا يقهر.. لقد بينت المقاومة أن إسرائيل تملك جيشا سهل قهره .. إذا كان خيار المقاومة قائما ومدعوما .. والفلسطينيون ليسوا وحدهم في العالم الذين احتلوا، وليسوا الوحيدين في العالم الذين قاوموا، وليسوا الوحيدين في العالم الذين تفاوضوا .. لكن فقط أن التفاوض والمقاومة يجب أن يكونا في آن واحد، كل يدعم الآخر. فالتفاوض يجب أن يتم وكأن المقاومة غير موجودة، والمقاومة يجب أن تكون شرسة وكأن التفاوض غير موجود. هذا هو بيت القصيد .. لا التفاوض وحده ينفع، ولا المقاومة وحدها تنفع في مثل هذه الظروف الدولية والإقليمية الصعبة، لكن الخطر كل الخطر ، والمضرة كل المضرة ، بوجود التوجه نحو القضاء على المقاومة لصالح تفاوض أثبت فشله، ثم شن حرب قذرة كتلكم التي أشرنا إليها أعلاه. ولحد الآن لم يحققوا هدفهم بسبب المنابر الإعلامية الحرة من جهة، وبسبب الهبة الدولية ضد إسرائيل من جهة ثانية، التي تهدد قادة إسرائيل بالمحاكمة في محاكم دولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب.