"هناك الكثير من التناقضات، الرجل الأكثر شهرة في الجزائر، يبقى لغزا، حياته مليئة بالتفاصيل الغامضة، شخصيته، أذواقه، طريقته في التسيير، علاقاته، آراءه التي يلفها الكثير من الضبابية، النادرين هم من يثق بهم"، هكذا تقدم مجلة "جان أفريك" الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في ملف خاص من منطلق أن مصيره ارتبط حسبها بمصير الجزائر، بل إن تاريخه من تاريخ الجزائر. تقديم: مسعودة بوطلعة تستعرض الأسبوعية الدولية أهم التحولات التي عرفتها الجزائر وكان بوتفليقة مؤثرا فيها، سواء بالحضور أو الغياب، لأن الغياب أيضا يصنع التاريخ، ابتداء من انضمامه لجيش التحرير 1956 ثم تعيينه على رأس وزارة الشباب والرياضة والسياحة بداية الاستقلال، ليعين بعد التصحيح الثوري الدبلوماسي الأول، كما وصفته المجلة "مدلل الدبلوماسية الجزائرية"، ويسطع نجمه كأحد أحسن المفاوضين في العالم والمدافعين عن حقوق الشعوب، كما عرف عنه بداهته وذكاؤه وحسن استغلاله للعلاقات، لكن المجلة تنظر إلى بوتفليقة من جانب آخر، فهو الرجل الأنيق الذي يعتني بثيابه وطواقمه، بل انه يتتبع آخر الموضات في ذلك، مقدما الصورة الأجمل والتي كثيرا ما أحسها الزعماء في حضرته، الكثير من الأريحية والتلقائية، بوتفليقة ذو العيون الزرقاء التي غزت العالم كالبحر، تجده أينما ذهبت في كل المؤتمرات والندوات واللقاءات، يفاوض، يشرح مواقف الجزائر وقراراتها، كان دائما يعمل على قدم وساق من أجل احتواء أكثر القضايا تعقيدا والملفات حساسية في العالم وهذا ما يشهد له به الكثيرين وما حفظه له التاريخ. تاريخ الجزائر أم تاريخ الرجل يرى صاحب ملف "بوتفليقة الحقيقي" أن تتبع المسار المميز للرجل، كتتبع مسار تاريخ الجزائر قبل وبعد الاستقلال، تاريخ عرف حركية كبيرة، في بعض الأحيان كان مأساويا، تغذى من لحظات الاعتزاز وأخرى من الأزمات، ابتداء من معقل للثوار والمكانة المميزة على المستوى الدولي سنوات 60 و70، إلى الانحطاط التام سنوات 90. خلال هذا المسار تستعرض المجلة دور بوتفليقة في تاريخ الجزائر، حيث ساهم في بناءه في نصف القرن المنصرم وهي المقارنة الغريبة وإن كانت تعتمد على الرؤية الصحفية التي تميل إلى العاطفة، إلا أنها تتضمن الكثير من المنطقية والحقيقة، فتاريخ بوتفليقة لا يختلف عن تاريخ الجزائر، حيث عرف ظهورا وشهرة متصاعدة منذ الثورة التحريرية، من وجدة إلى العاصمة، فالسنوات الأولى للاستقلال إلى سنة 1979، حيث غيب عن الساحة وعانى من نكران القريب والبعيد بل ونفي وتعرضت سمعته للطعن، لكنه كما ترى المجلة عاد من الباب الواسع بعد سنوات، لينصفه التاريخ بعد أن ظلمه الأصدقاء والغرباء ويصبح رئيس الجزائر مدة 10 سنوات وينتظر أن يستمر إلى 15 سنة إذا أعيد انتخابه في الرئاسيات القادمة. في سن 18 بدأ يكتب اسمه كانت طفولة عبد العزيز بوتفليقة دون أحداث مميزة، تحصل على البكالوريا بالفرنسية والإكمالية بالعربية، في سن 18 عشر بدأت بوادر ذكاءه، هذا ما يشهد له به صديق الطفولة عبد الحميد طمار وزير الصناعة وترقية الاستثمار حاليا: "كان بيننا دائما الأكثر نضجا"، يتميز بوتفليقة بعينان زرقاوين ورثهما عن أبيه أحمد الذي كان يملك نفس النظرة الثاقبة. يقول طمار أن "عبد العزيز كان رجلا مثقفا، الوحيد الذي اختار من بيننا الفلسفة ولم تكن لديه ميولات للرياضة ما عدا كرة القدم فقد كان ظهيرا أيسرا بامتياز". سنة 1956 وقع بوتفليقة في مفترق الطرق والاختيار الصعب، الجامعة أو الحياة العملية أو الانضمام للثورة التي انطلقت منذ عامين، لكن ما إن وجهت جبهة التحرير الوطني النداء للطلبة والثانويين بالانضمام إليها، حتى لبى عبد العزيز النداء والتحق بالثورة. في سن 19 سنة انضم إلى أول وحدات جيش التحرير الوطني في الولاية 5 في وهران، أين تعرف على محمد بوخروبة الرئيس هواري بومدين بعد الاستقلال، رغم صغر سنه رقي بوتفليقة بسرعة في قيادة الجيش وبعد عدة عمليات قادته حتى إلى المالي، أين أطلق عليه اسم عبد القادر المالي، هناك التقى بما سمي بمجموعة وجدة، أحمد مدغري، قايد أحمد، شريف بلقاسم وبومدين هذا الأخير الذي كلف بوتفليقة بالعديد من المهام الأكثر تعقيدا أهمها سنة 1961 عندما واجهت الجبهة أزمة قيادية بعد أن دخل بومدين رئيس أركان الجيش في صراع مع الحكومة المؤقتة وكان يبحث عن شرعية ثورية وتاريخية فأرسل بوتفليقة لإقناع القادة التاريخيين للثورة منهم بن بلة، محمد خيضر، محمد بوضياف وحسين آيت احمد، بعد الاستقلال سنة بدأت مسيرة الرجل في الدولة وعين وزير الشباب والرياضة والسياحة، في سن 26 سنة كلفه بن بلة بالجهاز الدبلوماسي في الجزائر وهنا ظهرت بوادر نبوغه في هذا المجال، حيث كان لزاما عليه أن يغطي صغر السن بالذكاء والدهاء وكان بشهادة الكثيرين من لهم باع في الدبلوماسية وزير خارجية بامتياز والأكيد أنه من أحسن وأكفئ الوزراء الذين عرفتهم الجزائر في المجال الدبلوماسي. استطاع بوتفليقة بدبلوماسية كبيرة أن يصدر صورة رائدة للجزائر، فقد احتل في سنوات قليلة أيام بومدين المكانة المقربة وكان الرجل الثاني في النظام بعد الرئيس، خاصة بعد الظهور الإعلامي المميز له في قضية التمييز العنصري "الابارتيد" في جنوب إفريقيا والقضية الفلسطينية، بالإضافة إلى علاقته مع الرئيس بومدين مع اختلاف الشخصيتين، بومدين الصارم والجاد وبوتفليقة الحيوي واللين في التعامل، خلق نوع من التكامل بين الاثنين تأكد في قوة الدبلوماسية الجزائرية ومواقفها المميزة. عبور الصحراء: عندما يسقط الأسد "عبور الصحراء" هكذا عنونت الأسبوعية الفترة التي تلت وفاة الراحل هواري بومدين، عندما كان الجميع متأكدا أن الرئيس الذي يخلفه سيكون لا محالة بوتفليقة، لكن كما يقول صاحب المقال وكما سجله التاريخ، كل الحسابات أخطأت، لقد رفض الجيش هذا الاقتراح وكان أول الرافضين كذلك قاصدي مرباح رئيس المخابرات الجزائرية، وتم اقتراح الشاذلي بن جديد الضابط في الجيش والذي لم يكن يعرفه أحدا من قبل. إبعاد بوتفليقة عن الحكم بعد وفاة بومدين فتح المجال للكثيرين للانتقام منه وبدأت المطاردة كما أسمتها المجلة بفتح ملف عن سوء التسيير للإيداعات السرية لوزارة الشؤون الخارجية، المحاكمة التي لم تتم أبدا، لكن بوتفليقة نفي في ديسمبر 1981 من طرف اللجنة المركزية للأفلان، كما غادرت العائلة إقامة الدولة التي كانت بها وبدأ المنفى الذي دام 6 سنوات من باريس إلى جنيف ثم أبو ظبي، القليل من الأصدقاء من حافظوا على الاتصال مع هذا الرجل، لقد أدار له الجميع ظهره ويعترف بوتفليقة أن هذه المرحلة كانت طويلة ومؤلمة. التاريخ ينصفه بعد 20 سنة ظلمه القريب والبعيد وتنكر له الصديق قبل العدو لكن التاريخ نصفه، أخرجوه من الباب الضيق، لكنه عاد من أوسعه سنة 1999 وبعد أزمة خانقة للنظام الجزائري قادته إلى العنف والانهيار، عاد بوتفليقة ليترشح رئيسا للجمهورية بعد 20 سنة من التاريخ الذي كان من المفروض أن يكون فيه رئيسا، لقد استطاع بوتفليقة حسب "جان افريك" أن يحقق هدفين: يزيل خوف من في النظام من انتقامه ويقدم صورة عن الرجل الذي جاء ليجمع الجزائريين ويكون اليد التي تمتد للمصالحة للجميع وأولهم من أبعدوه عن الحكم. بوتفليقة ورث جزائر محطمة، منقسمة، مهزوزة دوليا، بخسائر بشرية قدرت ب150 ألف قتيل وأخرى مادية بحوالي 20 مليون دولار، هروب للأدمغة والإطارات وكل طبقات المجتمع مستها الأزمة، الهدف كان المصالحة ونجح فيها بامتياز. سنة 2006 جاء ميثاق السلم والمصالحة الذي نجح في إدماج حوالي 2000 إرهابي، واجه بوتفليقة القضية الأمنية بحزم والميثاق كان بالنسبة له ولمؤيديه الحل الوحيد، لكن البعض كان يقف ضد الاستمرار في ذلك وبدأ انتقاد الرافضين، لكن المصالحة نجحت في تضميد الجراح والجزائر اليوم تواجه إرهابا من نوع آخر، إنها القاعدة في المغرب الإسلامي وكان الرئيس أحد أهدافها، حيث استهدف في 06 سبتمبر 2007 عندما كان في زيارة إلى باتنة، لكن بعد ساعات من العملية يصرح بوتفليقة وكأنه يرد على هؤلاء " سنستمر في سياسة المصالحة الوطنية لا توجد خيارات أخرى". 10 سنوات والوفاء بكثير من الوعود عشر سنوات من وصوله السلطة ترى المجلة أن بوتفليقة وفى بالكثير من وعوده الانتخابية، فقد وفرت المصالحة الوطنية الأمن للوطن، مع عودة الجزائر القوية للساحة الدولية، لكن يبقى إصلاح الدولة على النطاق الواسع الذي وعد به الرئيس قد يضيف الكثير، فالإصلاح الاقتصادي لم يبعد الجزائر عن تبعيتها للبترول، الورشات المفتوحة في إعادة بناء الهياكل القاعدية، بناء الآلاف من السكنات، خفض نسبة البطالة هذه تشكل الأهداف الحقيقية للدولة التي استثمرت 150 مليار دولار في بلد ما زال يعاني الكثير من الأزمات الاجتماعية. الدبلوماسي الأنيق والمثير يشهد لبوتفليقة أناقته وعلمه بأمور الموضه والألبسة والألوان والأناقة، كان يختار أطقمه من أكبر مصممي الأزياء والخياطين في العالم، كانت ابتسامته العريضة لا تفارقه ومظهره "بلاي بوي"، يتميز بطريقة إثارة إعجاب محدثيه، سواء الرؤساء أو الملوك أو الوزراء وحتى الإعلاميين، لا يخرج واحد من لقاءه إلا وهو مبهورا بطريقة حديثه، بمنطقه، بخفة دمه وبحضور بديهته، كما وصفه الرئيس السينغالي بأنه "متعة الذكاء". ما يميز بوتفليقة دبلوماسيا قدرته على المحافظة على العلاقات الطيبة مع المنافس، مهما كان وهذا كان شأنه مع ملك المغرب الحسن الثاني أين كان يواظب على حضور عيد ميلاده كل سنة، حتى في عز الأزمة مع الجزائر حول الصحراء الغربية. ولد عبد العزيز بوتفليقة في 02 مارس 1937 بوجدة المغربية التي كانت ذات أغلبية جزائرية، أبوه "أحمد" غادر الجزائر لأسباب اقتصادية وتوفي 1958، لتقوم أمه "منصورية" برعايته وهو الابن البكر هو إخوته الأربعة وأخواته، كانت تسير حماما و كرست حياتها لتربيتهم، "منصورية" إمراة ذات شخصية وطبع حاد وقوي، هذه الشخصية فرضت احترام بوتفليقة وإخوته، بالإضافة إلى حنان وحب كبير لا حدود له وإلى اليوم تبقى العائلة مترابطة ومتحدة، مصطفى طبيب، السعيد مستشار خاص للرئيس وعبد الرحمان سكرتير عام لدى وزارة التكوين المهني والأخير عبد الرحمان محامي في باريس. لبوتفليقة اختين الكبرى تسهر دائما على رعايته وتسكن بشقة العائلة بالأبيار بالعاصمة وتحضر باستمرار أهم الأطباق التي يحبها بوتفليقة خاصة الدجاج. بوتفليقة وبرج الحوت ولد عبد العزيز بوتفليقة في 02 مارس 1937 من برج الحوت ومولود الحوت حساس جدا، شخصيته صعبة الفهم، غامضة روحانية، تعيش بحسب قوانين الطبيعة، ينسجم مع اللاعقلاني، الغامض، المبهم وفى بعض الأحيان مع الأمور الماورئية والسحرية من أبرز خصائص هذا البرج الإحساس العاطفي الشفاف، لطيف يتجنب المشاكل وينفر منها، لا يحب العراك ولا الكلام غير المهذب، لا يطيق الكذب والاحتيال والشجار، شخصيته مسالمة محبة للحياة والسلام، الحوت برج متحول، قابل للتغيير بسرعة، أكثر الأبراج غموضا وحيرة ففيه خليط مدهش من مزايا الأبراج، يمكنه أن يظهر الوجه الذي يريد ومتى أراد، ويتحكم بالصورة والانطباع الذي يرغب أن يخلفه، يملك الكثير من الحكمة، متمسك بالفضيلة، يمتاز بعزة النفس والكرم، العدل، الإدارة وحب التقدم، خفة الروح، لا تخدعه المظاهر فهو يعرف ما ينفعه وما يضره. من اشهر مواليده، ميخائيل غورباتشوف، أينشتاين ، فيكتور هوغو ، جيمس ماديسون، جورج واشنطن، مايكل أنجلو سلفادور دالي