"الجزائر بين ركود ونهوض" هو آخر إصدارات مؤسسة "لوسوار دالجيزي" لصاحبه العقيد السابق محمد شفيق مصباح الذي يعرفه القراء من خلال كتاباته وحواراته الفكرية السياسية في عدد من الصحف الوطنية، الكتاب يضم 575 صفحة من الحجم المتوسط ضمن جملة من الدراسات والمقالات وما أسماه بالرسائل، تتناول في مجملها الشأن الجزائري والإشكالات المطروحة سياسيا واجتماعيا وتنمويا وأمنيا بشكل خاص• أغلب الدراسات أو كلها دراسات تناولت الأوضاع الجزائرية في العشرية السابقة وهي استشرافية وصفية وتحليلية في مجملها لم يتم تحيينها، ولربما تعمد صاحبها تركها على حالها من باب الأمانة ولتكون شاهدا على المسار الفكري للرجل، حتى وإن جاءت على غير ما توقعه وقرأه في مستقبل الجزائر أو بالأحرى نظام الحكم في الجزائر• أكثر ما يلفت الانتباه في الكتاب أن المؤلف تعمد أن تكون المقدمة للمناضل الأستاذ عبد الحميد مهري الذي حرض أن يؤكد على جملة من النقاط التي يختلف فيها مع المؤلف، كما حرص أيضا على أن يبدي إعجابه بالجهد التنظيري القيم للفعل السياسي ومدلولات الانعطافات والمتغيرات الحاصلة في الجزائر•• وإذا كان القارىء لا يملك إلا أن يسجل مدى الجرأة والشجاعة الأدبية لدى المؤلف من خلال لجوئه إلى أحد أقطاب الحركة الوطنية من السياسية ليقول رأيه في المسار الفكري لأحد العسكريين، فإنه لم يفوت عليه أن يسجل أيضا ذلك التلاقح السياسي والفكري بين الأجيال مع اختلاف الرؤى وتنوع المشارب والمنطلقات• الكتاب في أساسه محاولة جادة من رجل عسكري، لفرض رؤى فكرية واستراتيجية على المؤسسة العسكرية وصراع من داخل المؤسسة لجعل الفكر واستشراف المستقبل في صلب المعركة التي تخوضها المؤسسة العسكرية للمساعدة في تغيير النظام القائم والرقي به إلى مستويات تتلاءم وعصر العولمة• ويتبدى من خلال الدراسات خاصة، أن المؤلف كان منذ البداية وبحسب الشق اليسير من سيرته الذاتية، ذا نزعة ثقافية فكرية، تتعاطى على الدوام الهم الوطني وتتعايش على هوس مصير الجزائر الوطن ومؤسسة الجيش باعتبارها العمود الفقري للدولة الجزائرية• وأنا أقرأ الكتاب القيم للأستاذ العقيد محمد شفيق مصباح، قلت في نفسي أن القارئ الجزائري ليس من حقه أن لا يبتاع هذا الكتاب، لأنه من الكتب النادرة التي تتناول موضوعا من المواضيع التي تؤرق الإنسان الجزائري وتشغله على الدوام وتغوص في عمق الجرح، بصرف النظر عن الإتفاق أو الاختلاف مع الكاتب• ولو أن الكاتب من المؤسسة العسكرية ومن نواتها الصلبة، فإنه، والحقيقة تقال، استطاع وبقدر من الموضوعية التطرق إلى جوانب ومواقف يتجنب كثير من الباحثين وحتى المعارضين تناولها بمثل الشجاعة والجرأة والمسؤولية التي تحلى بها الكاتب• لقد تمكن الأستاذ العقيد محمد شفيق مصباح أن يكتب ويعبر عن هواجسه الأمنية ومستقبل الجزائر وما يعترضه من المخاطر، دون أن يجامل ودون أن تدخل في حسابه الاعتبارات الذاتية، أو أن يعيش عيشة الخفافيش الذين يهمهم مسارهم المهني أكثر مما يهمهم مسيرة الجزائر• والمسجل أنه وإن عمد العقيد السابق الدكتور إلى تخطيط جملة من السناريوهات المحتملة في عدة دراسات، فإنه في المجمل الغالب كانت سيناريوهات سياسية بحتة، لم تعتمد الاقتصاد كأساس للتطورات المحتملة، مما يجعل من الخيارات التي يطرحها مجرد افتراضات لا تستند سوى للمؤامرات والمؤامرات المضادة، وصراع السرايا العليا ومراكز النفوذ• كما أن غياب الأبعاد التاريخية والإفتقاد إلى دراسات سابقة في المجالات الإقتصادية والإستراتيجية أو عدم الإعتماد على ما قد يوجد، جعل الأحكام والخلاصات التي يصل إليها من غير سند، وبالتالي أحكام ذاتية إرادية لا تتوفر على القدر اللازم من الصدقية• الكتاب الدراسات على الرغم من الجهد والجدية والموضوعية، غابت عنه الأرقام كلية ولم يحتو سوى على جدول واحد عن صادرات الجزائر ووارداتها لتبيان مدى استفادة فرنسا من السوق الجزائرية، وهو شيء بديهي وواضح، بينما المعالجات الأخرى غابت عنها تماما الأرقام والإحصاءات لتأكيد الإتجاهات المستقبلية التي أراد المؤلف الإعلان عنها• وكأي كتاب ترجم ولربما تداولت الأيدي على الترجمة، ترقى لغته أحيانا إلى اللغة السياسية الدقيقة والواضحة، وتنزل مرات أخرى من حيث التراكيب اللغوية والأسلوبية إلى الحد الذي يجد القارئ بعض الصعوبة في العبارات الملتوية والتأكيدات اللغوية البلاغية غير الضرورية• كتاب الدكتور مصباح، كتاب جدير بالقراءة، وبأن تحتويه مكتبة كل قارئ جزائري مهموم بالشأن الوطني وبالمآلات التي قد تتطور إليها الأوضاع في الجزائر، لأنه ولحد علمي فإنه الكتاب الوحيد الذي تطرق إلى أمور تمس النواة الصلبة في مؤسسة الجيش الوطني الشعبي من دون أن يستهدف قلب الطاولة على الجالسين• وتحية تقدير إلى العقيد على شجاعته الأدبية والعلمية من خلال منحه رأسه إلى الغولة كي تمشطه له• عبد الله بن بلعيد