يبدو أن المترشح للرئاسيات سي محمد السعيد كان يبحث عن أي قشة يتمسك بها لتحميه من الغرق، فلم يجد أسهل من اللجوء إلى قاموس رديئ ومستهلك وممجوج، كتوزيع الاتهامات المجانية، ولو على حساب الأخلاق والحقيقة. لقد استغل محمد السعيد التجمع الذي نشطه مؤخرا بغرداية، ليس لشرح برنامجه الانتخابي أو تعريف الجزائريين بما يود القيام به إذا ما انتخب رئيسا للبلاد، لكن لتوجيه السهام ضد أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني وضد الحزب نفسه. لقد وقع سي محمد السعيد في العديد من المحظورات، وسقط إلى قعر سحيق لما راح يغرف من ثقافة سياسية بالية، عفا عنها الزمن ولم تعد تجد لها أنصارا ولا متتبعين، اللهم إلا إذا كان سي محمد السعيد ما يزال قابعا في تلك المياه الآسنة الراكدة. ويبدو أن الرجل، حسب ما نشرته إحدى الصحف، يخوض حربا على طريقة "دونكيشوت" دون أن يعطي لنفسه مهلة لقراءة تصريحات عبد العزيز بلخادم قراءة سياسية جيدة، بعيدا عن التحريف والتزييف المشوه للمعنى والمبنى، فما نسب لأمين عام الأفلان في تجمع أم البواقي من قول إن "المترشحين الخمسة هم تجار البلوط"، لا يحمل لا شتيمة ولا تهجما ولا إساءة، وإنما كان القصد أن هؤلاء يغرفون أفكارا سهلة ويسوقون لوعود خيالية، وما إلى ذلك من المعاني التي لا تحتاج إلى مفسر الأحلام لفك مدلولاتها، ومن الخطأ الجسيم تحويل الكلم عن مواضعه واللجوء، في لحظة ضعف أو غضب، إلى استعمال عبارات لا تليق بمقام مترشح للرئاسيات. إن من حق أي منافس أن يقلل من شأن برنامج خصمه، وقد سمعنا من باقي المتنافسين عبارات أثقل ضد بوتفليقة واتهامات جزافية وتسويد للوضع، وما إلى ذلك من الكلام الذي نسمعه يوميا دون أن يتعرض أصحابها للرد، لا بالصاع ولا بالصاعين. وما من شك أن سي محمد السعيد يدرك جيدا أنه لا وجود لأي علاقة بين ما قاله بلخادم وتهكم المستعمرين على سكان بعض جهات الوطن، بوصفهم بتجار البلوط، ومحاولة الربط تعد مغالطة كبرى وتجنيا سافرا في حق الأفلان وأمينه العام، فهل يجهل سي محمد السعيد، وهو الذي يعرف جيدا، أن الأفلان أكبر من أن تلصق به تهمة الجهوية والتفرقة والتجزئة، وأمام المترشح للرئاسيات شواهد كثيرة ليست غائبة عنه، إذ يدرك جيدا من الذي ناضل ويناضل من أجل وحدة الجزائر. لقد اتهم محمد السعيد غيره ب "الوضاعة السياسية" وبالتخوين والتآمر، وربط مآسي الوطن ببعض المسؤولين، وقد كنا نتمنى لو أن هذا المترشح للرئاسيات نأى بنفسه عن خطاب لا يليق به وعن الخوض في قضايا لا يعلم عنها إلا ما نشرته صحف معروفة الاتجاه والهوية. أما اتهامات سي محمد السعيد لغيره ب " الجهل" و"الفشل" و" التآمر" وما إلى ذلك من العبارات التي لا تليق بأي سياسي، فهي ليست أكثر من دليل على عطالة فكرية، لأن المنافسة هي في الميدان وعلى البرامج وليس على اختيار العبارات الجارحة التي لن تفيد الشعب الجزائري في شيء، فهذا الشعب لا يطلب من المتسابقين على حكمه البراعة في الشتم والتخوين وإطلاق الاتهامات بالباطل وإنما القدرة والكفاءة على إدارة شؤونه، أم أن سي محمد السعيد أراد أن يصنع لنفسه مصداقية على حساب الآخرين. لن نقول لسي محمد السعيد "أصمت"، لأن الكلام مباح إن كان فيما ينفع ويفيد، ولن نكرر العبارات التي استعملها والتي نربأ بأنفسنا حتى عن الرد عنها، لكن نقول للمحترم سي محمد السعيد إن إقناع الجزائريين وتجنيدهم ليوم الامتحان، الذي يكرم فيه المرء أو يهان، لا يمر عبر التهجم على الأفلان ولا على أمينه العام ولا عبر تصفية الحسابات الضيقة والبحث في " خزانات" الأحقاد الشخصية واجترار الخطب الجاهزة التي لم تعد تثير أحدا. إن مثل هذه التهجمات على الأفلان والدعوة إلى حله ليست بالجديدة، فهناك السباقون فيها، ابتداء من الاستعمار ووكلاؤه بيننا وأعداء الوطنية في بلادنا ، فهل يضع سي محمد السعيد نفسه في نفس الخندق مع هؤلاء وهو الذي يدرك جيدا أن المتحف أو " ....." كان من نصيب المتحاملين على الأفلان. إننا لا ندعوك يا سي محمد السعيد إلى التزام الصمت، بل على العكس ندعوك إلى أن تمارس حقك في الكلام بكل حرية، لكن نرجو، وأنت المترشح لمنصب القاضي الأول في البلاد، أن تحذر من الوقوع في لغو الكلام.