* السلطة والصحافة كلاهما مسؤول على تكريس ممارسة حرية التعبير * الديمقراطية لا تعني التخلي عن خصوصية مجتمعنا * قطاع الصحافة هو الوحيد الذي لم يستفد من مشروع إسكان في هذا الحوار الشيق تتطرق غنية عكازي الصحفية بيومية "كوتيديان دوران" إلى حرية التعبير في الجزائر مؤكدة أنها قطعت أشواطا كبيرة في هذا المجال لكنها في حاجة إلى خطوات أخرى ملموسة لتكريسها، محملة مسؤولية ذلك إلى كل من السلطة والصحفيين على حد سواء، وانتقدت غنية من جهة أخرى في حوار ل "صوت الأحرار" غلق مؤسسات الدولة الباب أمام الصحفيين أمام الوصول إلى المعلومة. حاورتها : سهام مسيعد *كيف تقيمين حرية التعبير في الجزائر؟ **حرية التعبير في الجزائر إذا ما قمنا بمقارنتها مع بلدان أخرى عربية وجدنا أن الجزائر قد قطعت أشواطا كبيرة، لكننا في الحقيقة لم نفهم فهما دقيقا معنى وأصل حرية التعبير، كما أننا خلطنا من جهة أخرى بين حرية التعبير وعدم احترام الأشخاص والمؤسسات، اللوم هنا يقع على الصحفي وعلى السلطة السياسية على حد سواء، ذلك أن السلطة تنظر في كل مرة إلى الصحفي على أنه يقف ضدها، دون أن تعلم أن الصحفي إذا تكلم فإنه قد لاحظ فعلا وجود شيء ما يستدعي ذلك، أما نحن فقد ضيعنا مهنتنا كصحفيين يتبعون الخبر ويحترمون مصدره، كما ضيعنا احترامنا للمصلحة العمومية، وتكلمنا حتى وإن كان ذلك يضر بمصلحة الدولة وهذا خطأ. في سنوات الإرهاب وجدنا أنفسنا – الصحفيون- أمام ظاهرة الإرهاب، حيث كنا نناضل ضده مثلنا مثل السلطة، كنا نناضل ضد مشروع يسمى الجمهورية الإسلامية، نحن كنا ضدهم لأنهم كانوا معارضين للديمقراطية. علينا أن ندرس مهنتنا بطريقة معمقة وصحيحة، وعلى السلطة السياسية أن تتركنا نتطور وأن لا تفرض علينا أية عراقيل، حتى الآن عندما أتحدث مع أي مسؤول في الدولة يرفض ذكر اسمه رغم أن الخبر الذي يقدمه لي ليس فيه أي ضرر، الصحفيون يعانون من أجل الحصول على المعلومة، فهم يطرقون عدة أبواب دون الحصول على أي خبر، ومنه فإنهم لا يجدون أمامهم سوى التخبط في الإشاعات بين الصح والخطأ. وحتى رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في آخر خطاب له طلب من الصحافة الجزائرية المشاركة في مكافحة الرشوة والفساد، فكيف للرئيس كمؤسسة للدولة أن يحث على إشراك الصحفيين في هذه العملية، دون أن توفر السلطة السياسية إجراءات ملموسة تعزز هذه المشاركة، فنحن الصحفيون لا يمكن لنا أن نرى الرشوة والفساد إلا من خلال الخبر اليقين الذي يقدمه لنا المسؤولون للأسف هناك ملفات كبيرة ترفض مؤسسات الدولة تحريرها وعرضها أمام الصحفيين، فكيف يمكن لنا إذ أن نتحدث عن صحافة محترمة ومكرسة بطريقة أخلاقية. * اعتادت بعض المنظمات الحكومية وغير الحكومية الغربية أن تقدم تقارير عن حرية التعبير في الجزائر، لكنها للأسف ترسم صورة قاتمة لهذه الحرية، فما مدى مصداقية هذه التقارير؟ ** هذه التقارير تضخم الأمور، وتشوه الواقع، فحرية الصحافة في فرنسا مثلا في تذبذب كبير بعد تسلم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الحكم، صحفيون نعرفهم تم إقالتهم من قنوات مشهورة بأمر من ساركوزي نفسه، أنا أومن بان الصحافة الجزائرية وصلت إلى درجة محترمة من الحرية حتى وإن لم تكن هذه الحرية مجسدة بطريقة واضحة وملموسة، أعتقد أن هذه الجهات التي تصدر مثل هذه التقارير لها مقاييسها الخاصة، الغرب له نظرياته، ونحن نطبق الديمقراطية صحيح، لكن أيضا يجب أن لا ننسى أن لنا خصوصيتنا المتمثلة في الدين والعروبة، وكل هذا لا يمكن تجاهله، فنحن لسنا أوروبيين لكننا نريد أن نطبق مبدأ الديمقراطية العالمي على مجتمعنا. أنا مع العصرنة، لكن دون تجاهل الخصوصية، كما أنني في هذا المقام اطرح سؤالا على أولئك الذين يدعون حرية التعبير، هل الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حرية تعبير، ثم هل يمكن لصحفي عربي مسلم أن يقدم على الإساءة إلى أحد أنبياء الله، طبعا لن يفعل ذلك و المانع هو تعاليم ديننا وحضارتنا وثقافتنا. * هل من ضغوط أخرى يعاني منها الصحفيون الجزائريون اليوم؟ ** هناك عدة ضغوطات وعراقيل يواجهها الصحفي في الجزائر، بدءا من قاعات التحرير ووصولا إلى النظام السياسي ومؤسسات الدولة التي تغلق أبوابها أمام الصحفيين الباحثين عن المعلومة، وتصوروا حتى إذا تعلق الأمر بسعر البطاطا فإن الصحفي لا يمكنه الحصول على المعلومات. كما أن التلفزيون والإذاعة من جهتهما يغلقان أبوابهما أما الرأي الآخر، والدليل أنه خلال الانتخابات الرئاسية الفارطة لم نشاهد ولو مرة واحدة مناقشة بين مترشح أو آخر، أو حتى مع أولئك المقاطعين. ربما الإذاعة تفتح مرة على مرة الباب أمام الرأي الآخر، لكن هذا الفتح يبقى محدودا ومرتبطا بعدة قيود. أنا أنصح كافة هذه المؤسسات بأن تفتح المجال أمام حرية التعبير والرأي الآخر، ولنترك الجميع يتكلم لأنهم سيضبطون في آخر المطاف كلامهم حسب ما تتطلبه أخلاقيات مهنة الصحافة التي يجب أن يسعى الجانبان الصحفيون ومؤسسات الدولة إلى تكريسها. * ماذا عن الضغوطات التي تمارس داخل قاعات التحرير ؟ ** أما فيما يخص القيود داخل قاعات التحرير فإننا يحب أن نحارب حتى لا تتعرض مقالاتنا للقص أو التحوير أو التغيير بما يخدم مصلحة الجريدة، فبعض مدراء الجرائد لا يتكلمون على أية مؤسسة خاصة لأنها تقدم له الإشهار، نحن اليوم نطالب بان يفتح مدراء المؤسسات الإعلامية باب النقاش مع الصحفيين في هذا الشأن وأن يبلغ قبل أن يفاجأ بعدم نشر مقاله أو قص بعض أجزائه. ولعل من أكثر المشاكل التي تعاني منها الصحافة هو تعيين عدد من الصحفيين الذين لا يعرفون أي شيء من مهنة الصحافة ثم يتم استغلالهم أسوأ استغلال. ثم هناك عراقيل تتعقل بالصحفي في حد ذاته، حيث أن له علاقة بمستواه المعيشي، وقد رأينا صحفيين كبار يتهافتون على تغطية هذا الحدث أو ذاك حتى وإن كان تافها فقط ليحصل في الخير على هاتف نقال، طبعا تفسير هذا هو أن الصحفي اليوم يعيش حالة اجتماعية سيئة، أغلب الصحفيين ليس لديهم شقق، وقطاع الصحافة هو الوحيد الذي لم يستفد من مشروع إسكان على عكس بقية القطاعات، ولهذا على الدولة أن تضمن توفير ظروف عيش ملائمة للصحفي حتى لا يجد نفسه الأمارة بالسوء وهي تقوده نحو الرشوة . * في رأيك ما الذي ينقص الصحفيين اليوم، ويجب أن يتحركوا للنضال من أجله؟ ** الصحفيون اليوم ليسوا في حالة إلى وزارة إعلام واتصال ولا إلى وزير إعلام واتصال، لكننا في حاجة إلى قانون أخلاقيات المهنة الذي سينظم مهنة الصحافة في الجزائر، نحن أيضا في حاجة إلى بطاقة وطنية للصحفي التي تحميه من مدراء الجرائد لأن بطاقة الجريدة غير كافية ، ولست أدري لحد اليوم كيف أن هذه البطاقة لم تر النور بعد. يبقى أمر آخر لابد أن نشير إليه هو أننا لم نستطع إلى حد الآن أن نكون نقابة للصحفيين على الرغم من أننا نتحدث عن نقابات بقية القطاعات وهذا على الرغم من أهمية هذه النقابة التي تحمينا من مختلف الضغوطات الداخلية والخارجية. * هل ترين فرقا بين المرأة والرجل العاملين في الصحافة؟ ** لست أرى أي فرق بين المرأة والرجل في مهنة الصحافة هي مهنة لكلا الجنسين، فإذا لم تبين الصحفية أنها قوية فلن تصل إلى المناصب التي تريدها، وأعتقد أن ما يروج من منع الصحفيات من اعتلاء بعض مناصب المسؤولية في المؤسسات الإعلامية لا أساس له من الصحة، ذلك أن الصحفيات أنفسهن لم يطالبن بالحصول على هذه المناصب على الرغم من أنني واحدة ممن لا ترن هذه المسؤولية لأن الصحفي أولا وأخيرا لا يكون صحفيا إلا إذا خرج إلى الميدان. هناك أمر آخر وهو أن الصحفية عندما تتزوج ينقص إنتاجها، لكنني اعتبر أن هناك عددا من الصحفيات قد حققن حلمهن في الوصول. * ما هي الأعمال الصحفية التي قمت بها وبقيت راسخة في ذاكرتك؟ ** الروبورتاج الذي أثر في فعلا هو الذي قمت به في القدس، كما أنني أيضا تأثرت كثيرا عندما قمت بروبروتاجات عن ضحايا مجازر الإرهاب في كل من الرمكة، وبن طلحة والرايس. *هل تعرضت للمقاضاة من قبل؟ **قد يبدو ذلك غريبا لكنني لم ترفع علي أية دعوة قضائية. ** لابد لنا أن نبدأ في النضال من أجل تكريس حرية التعبير من جهة ومن أجل توضيح الأمور في قاعات التحرير من جهة أخرى، كما يجب على السلطة أيضا أن تحترم كل ما تسميه حرية تعبير بإعادة النظر في القوانين، ويبقى أن نقول أن الصحفي هو الذي يترجم حرية التعبير في الميدان.