بعد قرابة الشهر عن تفجيرات الحادي عشر أفريل بالجزائر العاصمة، عاد "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"(الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقا)، ليبث شريطا مصورا يتضمّن بعض مشاهد الاعتداءات التي خلفت 30 قتيلا وعشرات الجرحى حسب حصيلة رسمية. التسجيل المصور الذي بثته قناة "الجزيرة" القطرية، أمس، أظهر أساسا أمير "القاعدة في المغرب الاسلامي"، عبد المالك دوركدال، المدعو "أبو مصعب عبد الودود"، وهو يحث أتباعه على العمل المسلح وفق نهج التيار التكفيري، قائلا: "هذه حرب صليبية على الإسلام ومعركة مصيرية بين الكفر والإيمان، فمن فاتته هذه الحرب فاتته فرصة العمر وحرم الأجر"(..) !، وتظهر مشاهد أخرى، الانتحاريين الثلاثة، وهم يدلون "بوصاياهم"، فيما تظهر أيضا بعض المشاهد تحضيرات للاعتداءات وبعض التقنيات المستخدمة، وكذلك الإنفجارات التي نفذت بسيارات مفخخة. وتتساءل أوساط مراقبة، عن أسباب وأهداف نشر هذه المشاهد "الانتقائية" بعد قرابة الشهر؟، ولماذا اختارت "القاعدة" هذه القناة التلفزيونية هذه المرة، علما أنها متعودة على بث تسجيلات مصورة لاعتداءاتها وفق منهجها التفكيري، عبر موقعها على شبكة الإنترنيت، مثلما حدث مثلا مع اعتداء بوشاوي الذي استهدف حافلة تنقل عمالا أجانب؟، وقد نشرت "القاعدة" عبر موقعها، صور الانتحاريين الثلاثة لتفجيرات 11 أفريل. "تأجيل" تنظيم "القاعدة" لبث شريطها المصور حول تنفيذ "الإعتداء الانتحاري" الذي استهدف بسيارة مفخخة قصر الحكومة، يدفع مراقبين إلى تحليل هذا التصرّف "الإعلامي" (المتأخر) الموجه إلى الرأي العام الدولي، عن طريق "الاستنجاد" بقناة "الجزيرة" بغية توجيه "رسالة" إلى أكبر قدر ممكن من المشاهدين، ويمكن بهذا الصدد تسجيل الملاحظات التالية: أولا: بث الشريط المصور بعد شهر، وعبر "الجزيرة" وليس موقع "القاعدة" في الأنترنيت، يشير إلى "الأزمة" الداخلية التي تعصف بالتنظيم، خاصة بين "قيادييها"، وتحديدا بين "هيئة الأركان" و"الهيئة الشرعية" و"اللجنة الإعلامية"، وقد يكون تأخير بث الشريط، راجع إلى الإنشغال في الأيام الماضية بمهمة "تنقية وتصفية" الفيلم من لقطات الإعتداء الذي أثار الفتنة داخل التنظيم والردود المستنكرة خارجه. ثانيا: الصور "الإنتقائية" تبرز أن "القاعدة" أو "فريق فيها"، إختار بدقة وعن قصد مشاهدا تبين "عموميات" حول تنفيذ التفجير، وقد أظهرت لحظات الانفجار، دون أن تسلط عدسة كاميراتها على جثث المدنيين الأبرياء الذين سقطوا في الشارع. ثالثا: إبعاد الكاميرا عن مشاهد أشلاء النساء والأطفال والأبرياء، خلال عملية التصوير، أو "إخفاء" هذه الصور وعدم تقديمها لقناة "الجزيرة"، يعكس برأي متابعين، محاولة "القاعدة" إخفاء الحقيقة وتمييع الوقائع ومخادعة الرأي العام، والتهرب من تحمل تبعات الجريمة، خاصة بعد حملات التنديد والإستنكار الداخلي والخارجي حول المنهج التفكيري أو منهج "البغاة" و"الغلاة" الذي تعتمده قيادة هذا التنظيم في الجزائر. رابعا: أراد الشريط أن "يثبت" حسب استنتاجات مراقبين، أن اعتداءات الأربعاء الأسود، كانت بالفعل تفجيرات انتحارية، حيث ركّز على ما سماه "وصايا" المنفذين، وذلك بهدف بعث "الحماس والأمل" في صفوف عناصر التنظيم الذي يعتمد المنهج التفكيري، ومحاولة تبديد الرعب لديهم ورفضهم لمنطق الانتحار واستهداف الأبرياء. هذه الملاحظات، تؤكد برأي أوساط متابعة، اليأس والتخبّط والعزلة، التي تواجهها "الجماعة السلفية" بعد تغيير تسميتها إلى "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وقد تزامن توقيت بث الشريط عبر "الجزيرة"، مع المعلومات التي تتداولها وسائل الإعلام، إستنادا لإعترافات وشهادات التائبون والفارون بعد إعتداءات 11 أفريل، وهو ما يعطي الإنطباع برأي ملاحظين، بأن "قيادة" التنظيم تحاول "امتصاص الغضب" و"تطمين" عناصره بإظهار صور مزيفة وغير كاملة عن الجريمة. ويعتقد خبراء في المجال الأمني، أن تفجيرات الأربعاء الأسود، أو كما أسمتها "القاعدة" ب "غزوة بدر"، فضحت أكاذيب التنظيم لكسب "تضامن وتعاطف" الرأي العام، عندما إدعى في بيانات تبني تفجيري درقانة ورغاية، بأنه نفذ عملياته ليلا بهدف "تجنب إراقة دماء المسلمين والمدنيين والأبرياء"، وهي نفس الأكذوبة التي تكرّرت مع التفجيرات التي استهدفت 7 نقاط أمنية عبر ولايتي بومرداس وتيزي وزو، غير أن تنفيذ تفجيرات العاصمة، صباحا وفي وضح النهار، حيث تكثر حركة السكان، أسقط القناع، وهو ما يكون وراء مسارعة "القاعدة" بعد نحو الشهر، إلى إظهار شريط مصور خضع للمقص، يخفي مقتل عشرات المواطنين العزل. ولا يستبعد مراقبون، بأن بث الشريط بعد كل هذه المدة عن تاريخ تنفيذ التفجيرات الإرهابية، يقرأ نتائج "مفاوضات" أو "صفقة" أو "مقايضة" تمت بين "قيادات وقواعد" تنظيم "القاعدة"، عقب الزلزال العنيف الذي ضرب استقرارها وانسجامها، خاصة بعد فرار عدد من المسلحين ودخول بعضهم الآخر في اتصالات للاستسلام، والقضاء على "الرجل الثاني" في التنظيم، وإستنكار عائلات "الانتحاريين"، وكذا الحديث عن رغبة أمير المنطقة الصحراوية، مختار بلمختار(الأعور) في التخلي عن النشاط المسلح والاستفادة من ميثاق السلم، إلى جانب الدعوات التي وجهها الأمير السابق ل "الجماعة السلفية"، حسان حطاب، لعناصر التنظيم من أجل توقيف نشاطاتهم الإرهابية، وسط الحديث عن تغييب ما يسمى ب "الهيئة الشرعية". ولا تستبعد أوساط متابعة، في سياق متصل، أن يكون بث الشريط المصور، في هذا الوقت بالذات، يعني إنتصار فريق على فريق آخر داخل "الجماعة السلفية"، بعد صراعات وخلافات أفرزتها تفجيرات الأربعاء الأسود، وقد تكون "العصبة" المعارضة لمثل تلك الإعتداءات هي من إنتصرت في حربها، فسارعت إلى بث صور "نظيفة" حتى "تبرئ" التنظيم أو تبيّض صورته(..)، كما يمكن ل "العصبة" المتشددة، أن تكون وراء بثت الشريط عبر "الجزيرة"، بطريقة إنتقائية تزيح عنها شبهة قتل الأبرياء، وذلك بهدف البقاء على رأس القيادة مقابل "الإعتذار" أو "طلب الغفران" من "الغاضبين" بالتنظيم المسلح لتوقيف إتساع دائرة التمرد والعصيان !. مثل هذه الإحتمالات والتخمينات، تأتي موازاة مع تأكيد تائبين من "القاعدة"، بأن أمير التنظيم، "أبو مصعب عبد الودود"، يواجه معارضة شديدة لنهج التفجيرات في الأماكن العامة، وكشف أحدهم إستسلم بعد إعتداءات 11 أفريل، بأن "ضباط شرعيون تحفظوا على منهج القاعدة"، فيما ذكر إرهابي مازال ضمن التنظيم، في رسالة إلى أجهزة الأمن، بأن "أبي مصعب يخفي في بياناته قتل المدنيين لتجنب رد فعل بن لادن"، موازاة مع حديث عن تعيين "قيادات جديدة" في "القاعدة" التي تلجأ حسب بعض الإعترافات إلى "توريط شباب بعمليات كبرى قبل إكتشاف الحقيقة في الجبل". الرجل الأول في تنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، كان حسب بيان "الإلتحاق" الذي نشرته في وقت سابق "الجماعة السلفية"، وراء توقيع "الإذن والترخيص" بتغيير التسمية، لكن مراقبين، يرسمون علامات إستفهام وتعجب، أمام "موقف" بن لادن، من "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، خاصة في الشق المرتبط بالإعتداءات الإنتحارية وإستهداف الأماكن العمومية وإستباحة دماء المدنيين، وهنا لا يستبعد محللون، أن يكون الشريط الذي بثته "الجزيرة"، هدفه "تغليط وتظليل" بن لادن، حتى لا يسحب "ثقته" عن قيادة "الجماعة السلفية" سابقا، علما أن الإعتداءات المرتكبة من طرف "القاعدة" في السعودية مثلا، تتم تحديدا ضد ما يسمى "بالمصالح الصليبية" والأجنبية، وهو الشعار الذي تبنته "القاعدة" في الجزائر، لكن تفجيرات الأربعاء الأسود عرّت إستراتيجية وأهداف التنظيم الإرهابي. ج/ لعلامي:[email protected]