من يستطيع اليوم أن يشير لنا بأصبعه إلى شاعر جدلي وإشكالي جزائري واحد أسس لمشروع شعري ذي منحى خاص، كل الذي لدينا شعر ولا شعر في الآن نفسه، أو شعراء بلا شعر يكتبون بمزاجية بحسب الأحوال النفسية واهتزازات زئبق الروح. شعراؤنا لا يكتبون وإذا كتبوا لا يستمرون أو يحفرون عميقا في تضاريس الكتابة الصعبة، وكل الذي يفعلون كتابة حوليات مناسباتية فيها من الشعر نظمه وعروضه، وليس فيها من الشعر روحه وجوهره.. شعراؤنا لا يقرؤون، فأنى لهم التجاوز والإضافة؟ والوعي النقدي والمعرفي بما يكتبون؟ وهم لأبجدية الكتابة جاهلون، وفي غيهم وظنهم بأنهم الشعراء الفحول يعمهون ... نعم لدينا حالات فردية وملكات استثنائية أو مشاريع شعراء بدؤوا كبارا وانتهوا إلى ما انتهوا إليه من صمت وصغار وعزلة وانتحار. بعضهم "حرق" واحترق، وبعضهم اغتيل ذات عشرية من الزمن، وبعضهم أخرسه الغبن وشظف الحياة، وبعضهم سرقته السياسة وألجمت فمه المسؤولية، فلم تعد صلة بالشعر، وبعضهم مات قهرا أو أتلف عقله بفعل الواقع المر والمعيش الضاغط على أعصابه وحباله الصوتية. ليست لدينا حركة شعرية جزائرية لها هويتها وعلاماتها ومؤسساتها التي تحسن تسويق الشعر أو الترويج للإبداع. إنما لدينا شعر هجين مزيج من الشرق والغرب، لا يعرف تمثلا للمكان ولا التصاقا بالإنية والإنسان، يغرف من منابع بعيدة ن ويعبر عن تيمات ومضامين ليست له .من يستطيع أن يدلنا على دار نشر واحدة تستطيع أن تغامر بنشر مجموعة شعرية. هل أفلس الشعر الجزائري إلى هذا الحد ولم يعد مريدوه وقراؤه، ودخل في حالة يتم لا نظير لها. في الوقت الذي يتجلى الشعر فيه تجليه المفلق عندنا جيراننا في المغرب وتونس كي لا نذهب بعيدا. من يستطيع أن يدلنا على مجموعة شعرية واحدة صدرت لشاعر جزائري نستطيع أن نباهي بها ، غير ما صدر خلال عاصمة الثقافة العربية من غثاء مكرور ،وكلام نمطي مجرور لا يرقى إلى الشعر أو يمت إليه بصلة أو نسب. لأنه لا يغامر في إمكانات التعبير وآفاق التجربة اللانهائية . لست هنا بصدد رسم مشهد قاتم، فقط أريد أن أقول أيها الشعر الجزائري تجلَّ قبل أن ينقرض الشعراء..