أما الحال عندنا فغير ذلك تماما، فنحن لا نعرف غير الدخول الاجتماعي والمدرسي، بهرجهما ومرجهما ومتطلباتهما وما يكابده المواطن من جرائهما· ذلك أن الدخول الأدبي تقليد لا مكان له في حياتنا الثقافية، ولا معنى له في ظل تردي الواقع الثقافي عندنا، رغم أنه أمر ممكن التحقق وليس ذلك بعزيز على مؤسساتنا الثقافية ودور نشرنا التي انتشرت في كل مكان، والتي لا تعوزها الوسائل والإمكانات بقدر ما تعوزها النيات الصادقة والإرادات الخيرة·· يصعب تشخيص الحالة بدقة هل يعود ذلك إلى قارئ لم يعد يقرأ، أم إلى ناشر لم يعد ينشر، أم إلى كاتب لم يعد يكتب، وكل يتهم الآخر بالتقصير، فالكاتب يلقي باللائمة على الناشر الذي لا يرغب في بضاعته، والناشر يلقي بها على القارئ، متهما إياه بالعزوف عن القراءة، والقارئ يعيد الكرة إلى الكاتب والناشر كليهما لأنهما لا يلبيان حاجاته القرائية·· وفي خضم هذا التبادل للتهم والتراشق بها تضيع الحقيقة، وتضيع فرصة القيام بفعل حقيقي من أجل تحديد الخلل·· لكن نظرة بسيطة لواقعنا الثقافي تؤكد أن كل الأطراف تتحمل جزء من المسؤولية بدءا بالناشر الذي تخلى عن وظيفته كوسيط بين الكاتب والقارئ، فهو ينتظر فقط برامج وزارة الثقافة وتمويلها لكتب ينشرها، وقد لا كون مقتنعا بها، وهو ما حدث بمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية وما بعدها، فقد ظهرت الكثير من دور النشر على الورق دون أن يكون لها نشاط حقيقي، أو وجود فعلي·· وحتى وإن قام بنشر كتاب فإنه لا يقوم بتقديمه وتسويقه كما يجب، بل يتركه لمنطق السوق المتوحش الذي لا يعترف بقيمة الفكر والإبداع·· أما الكاتب فإن وضعه في الجزائر استثنائي، فلا السلطة أنصفته، ولا هو نفض الغبار عن نفسه، كي يجابه قدره ويعتمد على إمكاناته الذاتية، وطريقة تعاطي الكتاب في الجزائر لم تصل بعد إلى الاحترافية التي نجدها عند نظرائهم في دول العالم، وتبقى محكومة بالمزاج والرغبة فقط· وبالنتيجة فإن الكاتب لا يفكر في إنتاج كتاب لأن لا يتخذ من الكتابة رأسمالا حقيقيا·· غير أن الأمر يبدو أقل سوء مع الكتاب الفرنكفونيين، الذين تحكمهم معايير المشهد الأدبي في فرنسا، ولذلك يستعيرون الكثير من قيمه وتقاليده·· في حين يظل القارئ ، ذلك الغائب الحاضر، فهو نتاج منظومة كاملة تتكون من مؤسسات المجتمع التربوية والثقافية والإعلامية، ولا يمكن أن نتحدث عن القراءة والمقروئية إلا بتضافر جهود هذه المؤسسات جميعا·· مدراء دور النشر قضوا صيفهم ينتظرون صرة الوزارة، أما كتابنا المعربون فقد قضوا صيفهم في التناحر الافتراضي على تركة إتحاد الكتاب المسمومة· وقراؤنا في عطلة حتى إشعار آخر، ولذلك سيكون دخولنا الأدبي لهذا الموسم، ومن بعده معرض الكتاب الدولي، دخولا ب ··taille la ، خاليا من أي جديد على الرفوف·· يكتبها أحمد عبدالكريم