يحكى أن فقيها من الأيام الخوالي، سئل ذات مرة عن موقفه من البيع بالإجارة - ولا تسألوني عن ذلك لأنني لا أفهمه - فما كان من الرجل إلا أن قال: هو بيع ما لا يجوز بيعه من غير تبضيع ولا تعيين!! فما كان من القوم بالتالي، إلا أن سألوه أن يشرح لهم ما جادت به قريحته في هذا الشأن، فصمت الفطحل وحار جوابا ثم بقي ثلاثة أيام بلياليها يتضرع إلى الله عز وجل، أن يلهمه تفسير ذلك وشرحه، بلا فائدة طبعا لأنه ببساطة طلب شرح غير المشروح· هذه قصة وقعت أيام كانت الأمة تموج في ظلمات من التخلف على كل المستويات، وإن كنت لا أعرف صحتها، بمعنى إن كانت قد حدثت فعلا أم لا، إلا أنني متأكد أنه في حال كونها متخيلة، فإنها ليست بالإبداع الكامل أي أنها محتملة الحدوث ولو بصيغة أخرى أكثر طرافة· تذكرت هذه الحكاية هذا اليوم وأنا أقرأ كلمات خطها أحدهم يتحدث فيها عن شكل النساء في الجنة، وجمع عددا لا بأس به من الأسانيد والأحاديث التي تصف حال المؤمنات في النعيم· الأمر لحد الساعة في غاية الاعتيادية لأننا أصلا أمة اعتادت أن تخوض في المسائل الغيبية أكثر من اللازم، على الرغم من أننا نقف عاجزين أمام ما لا يحصى من أمور عالم الشهادة، ولكننا وعوضا أن نعمل ونواجه هذه الأخيرة، نقفز مباشرة صوب الغيب معتقدين أن في ذلك ثوابا ومغنمة وأجرا، وما إلى ذلك من شتى صنوف الأجر على الرغم من أننا ننسى أونتناسى بالأحرى، أن الهروب من الإجابة عن متطلبات الواقع والحياة الدنيا وضوابطها التي هي أكثر أولوية من ذلك كله، ذنب ومعصية بلا شك، حتى قيل أن: ''أعظم الذنب، الجبن''· على أي حال، كانت تلك المادة التي قرأتها تخص موضوع النساء في الجنة، والغريب فيها أن صاحبها تطرق لمشكلة الوجه على الشكل التالي: ''المرأة المؤمنة تثاب يوم القيامة بأن تمنح حق كشف وجهها في الجنة''· طيب ألا يقود هذا الكلام تلقائيا، إلى الجزم بأن التي تفعل ذلك في الدنيا آثمة بمعنى أن الذين عرجوا على رواية هذه القضية في كتبهم الفقهية إنما أرادوا أن يثبتوا - بطريقة البرهان بالتراجع كما يعرفها أهل الرياضيات والحساب - فيقولون لنا إن كشف المرأة لوجهها هو ذنب ما بعده ذنب؟ عظيم وبما أن الأمر كذلك، لماذا يحرم الشارع على المرأة أن تغطي وجهها في الإحرام؟ هل أن الوجه عورة ومع ذلك يفرض الإحرام كشفها؟ لست أرغب في الانتقاص من أي كان في هذا المجال، ولكنني فقط أحاول أن أتناول الموضوع بشكل عقلي لأنني صراحة لا أؤمن بكثير من روايات التهويل والتفزيع لأنني أعتقد أن الحق جل وعلا، أعظم من أن يسلط عذابه ويمنع رحمته التي وسعت كل شيء على المرأة لمجرد أنها تقدم على قلم حواجبها مثلا· ثم وبعيدا عن الجنة: تخيلوا معي حال النسوة في جهنم -أعاذني الله وإياكم منها - هل سوف تجبر النساء هناك على ستر الوجه؟ هل يتم هذا نكاية في المرأة أم الرجل؟ ثم: هل يعني هذا أن ستر الوجه في الدنيا هو أيضا عقوبة وتشديد وانتقاص؟ ألا ترون معي أننا بعيدون كثيرا عن فهم الآخرة لأننا أصلا فاشلون في فهم الدنيا؟ صحيح أن هذه مشكلات عقدية، ولكن العقيدة الإسلامية سهلة ميسرة بسطها الخالق تبارك وتعالى ليقيم على الخلق حجته البالغة، وإلا فما معنى أن يعذب أناس ويثاب آخرون ما دام الأمر بالغ التعقيد والصعوبة والاستعصاء على الفهم؟ ديننا سهل ميسر والقرآن كذلك، واقرؤوا إن شئتم: ''ولقد يسرنا القرآن للذكر''· ولكن الغوص في حيثياته ليس بالضرورة مبحثا تسطيحيا تسخيفيا إلى هذا الحد الذي يجعلنا نطرح تساؤلات غير ذات معنى حتى يتخيل السامع بعدها أننا تمكنا من فهم كل ما يحيط بنا· ومثلما بدأت القضية أختمها، إذ أن هنالك طرفة أخرى أيضا تحكى في هذا الصدد وهي صالحة لتشرح الوضع بشكل دقيق·· ملخص هذه الطرفة أن بعض الفقهاء - سامحهم الله - تخيلوا ما لا يمكن وقوعه وحاولوا إيجاد الإجابة له، وبما أن الأمر كذلك فإن أحدهم قال ذات مرة: ماذا لو أن الخنثى وطأ نفسه فولد ثم مات ولده، فهل يرث ابنه بالأبوة أم بالأمومة أم بهما معا؟ ما رأيكم··؟ أرجو ألا تكونوا بصدد التفكير في الجواب على الأقل!!