حين تغيب أواصر المحبة والعطف داخل البيت العائلي وبين أفراد الأسرة الواحدة، فإن الأمر ينتهي لا محالة بالقطيعة والعداء ونسيان شيء اسمه صلة الرحم أمرا مألوفا لدى البعض، إلا أنها غالبا ما تنتهي في حدود عتبة المنزل، لكن أن يتطور الأمر إلى استعمال الأسلحة البيضاء وإزهاق الأخ لروح أخيه فهذا يستدعي الوقوف عنده من الأبوين والتدخل الحازم عند أول صراع ينشب بين الأبناء، وهو الحال الذي كان عليه المتهم (م.عدلان) صاحب 27 سنة والذي واجه أمام محكمة جنايات مجلس قضاء البليدة بتهمة إزهاق روح شقيقه رابح. تعود تفاصيل القضية حين تلقت مصالح أمن دائرة بوفاريك بالبليدة مكالمة هاتفية من المستشفى المحلي للمدينة بتاريخ 6 جوان 2009، مفادها استقبال ضحية تلقى طعنات بسكين حاد على مستوى البطن تسببت له في نزيف حاد، ليفارق الحياة بمجرد وصوله إلى المستشفى لتبيّن أن الفاعل لم يكن سوى الأخ الأصغر للضحية. الفاجعة التي ألمّت بالعائلة لم تمنع الأب من الإدلاء بشهادته والتي قال فيها إن المتهم عدلان تقرب منه بتاريخ ارتكابه للجريمة ليشتكي له تصرفات أخيه العدوانية ضده، والذي بات يستهدفه في كل مكان ليعتدي عليه ويذله بالفعل والقول، ما جعل الأب ينصح ابنه بالتوجه إلى مصالح الدرك لوطني من أجل تقديم شكوى ضد هذا الأخير. الأم المفجوعة بفلذات أكبادها ذهبت في نفس الاتجاه قائلة إنها سمعت ابنها وهو يحاور أباه بشأن تصرّفات الضحية التي باتت لا تحتمل، مؤكدة أن زوجها طلب منه تقديم شكوى ضده من أجل حماية نفسه، ليغادر هذا الأخير المنزل العائلي، قبل أن يعود في وقت لاحق وبعد حوالي الساعتين، ليخبرهم أنه قام بطعن أخيه في الشارع بعد أن قام هذا الأخير بضربه على مرأى المارة وأنه كان يدافع عن نفسه. الأم التي لم تتملك نفسها أثناء إدلائها بشهادتها وراحت تتوسل القاضي تخفيف عقوبة ابنها، قائلة إنها سامحته وسامحت أخاه على ما فعلاه ببعض والدموع تنهمر من عينيها، لتواصل “أبنائي رضعوا من صدر واحد وشربوا حليبا واحدا.. فقدت واحدا والآخر سيضيع مني”. المتهم وأثناء شهادته والاستماع إليه أجهش بالبكاء في العديد من المرات خاصة لما عاد به القاضي إلى عدد الطعنات التي وجهها لأخيه، كما أجهش بالبكاء وهو يستمع إلى شهادة والدته التي كانت بين نارين على حد تعبير رئيس الجلسة، حالها من حال زوجها الذي بدا وكأنه يحمل هموم الدنيا فوق أكتافه وخطواته المتثاقلة نحو منصة الشهادة. والتمس النائب العام 20 سنة سجنا نافذا في حق المتهم فيما قال الدفاع إن هذا الأخير لم يقصد أبدا قتل أخيه وإنما كان يحاول الدفاع عن نفسه، كما أن المرحوم كان إنسانا عنيدا وأكبر دليل على ذالك شهادة والديه أقرب الناس إليه. وبعد المداولات، فصلت في القضية وعادت لتنطق بحكم يقضي بسجن المتهم 5 سنوات سجنا نافذا، وسط دموع أم لم يرحمها القدر بمقتل ابن وسجن آخر.