يغلب لدى الكثير من الاباء والامهات حب المال والربح السريع على العواطف إلى درجة دفعت بالكثيرين منهم إلى وضع مستقبل أبنائهم وأحفادهم على حافة الفقر والتشرد. آباء يطردون أبناءهم من منزل العائلة الكبيرة مقابل كرائه للغرباء بأسعار مغرية، أبناء يتشردون ويطلقون، ظاهرة ولدها حب المال والنفس لدى الجزائريين. قصص كثيرة لا تعد ولا تحصى تتناقلها الألسنة ليس لنشرها وحسب وإنما لأخذ العبرة مما آلت إليه وضعية المجتمع الجزائري. ''الحوار'' التقت بعض من راحوا ضحية جشع وطمع أوليائهم ونقلت معاناتهم. يؤذي أبناءه ويطردهم لكراء طوابق منزلية يبلغ السيد عثمان 96 سنة من العمر ويملك فيلا بثلاثة طوابق حيث أمضى أغلب سنين حياته في بناء المسكن الواسع الذي يسكنه حاليا، ولكي لا يفني عمره سدى ويعوض ما فاته من حرمان جراء تكاليف تشييد ذلك البيت ارتأى رفقة زوجته التي تتبع كل خطواته ظالما أو مظلوما أن يقوم بكراء الطابق الثاني والثالث لعائلتين قدمتا من مناطق بعيدة مقابل دخل مادي معتبر نهاية كل شهر، وهذا مقابل فك أعظم رابطة وهي رابطة العائلة حيث أجبر كل أولاده المتزوجين على تدبر أمرههم وإخلاء المنزل لصالح المستأجرين، حيث بنى ابنه بيتا قصديريا بأحد أحياء قورصو تصعب الحياة فيه بسبب الرطوبة وهذا ما أدى إلى إصابة ابنته بالربو. أما الابن الاخر فقد استأجر شاليه ب 6 آلاف دينار شهريا، مقابل دخله المحدود الذي يجعله يعيش أزمة مالية خانقة مما يدفعه إلى الاستدانة باستمرار وتحمل الذل. بريق المال مكان عاطفة الأمومة السيدة - زينب- المطلقة، أم لولد وبنيتن استحسنت كثيرا فكرة كراء جزء من منزلها المتواضع لزوجين حديثي العهد بالزواج فإغراؤها بالمال وبريقه جعلاها تقوم بكراء ثلاث غرف لهما أما هي فهي تعيش مع بناتها في غرفة صغيرة واحدة، فقد حرمت نفسها وأبناءها خاصة وأن ابنتها الكبرى المتزوجة كانت تتوسل إليها بالسماح لها بالعيش في منزلها إلا أنها رفضت خاصة وأنها تعاني مشاكل ضخمة مع أهل زوجها. دموع ابنتها وتوسلاتها لم تحرك من عاطفة الامومة شيئا إذ رفضت ذلك بشدة كيف لا وحالها تغير حيث تحسن وضعها المادي بعد أن صار مال الكراء يتيح لها قضاء جل وقتها عند الحلاقات وفي الاسواق والحمامات. الجشع وحب المال تسببا في قطع الرحم المؤسف في الأمر أن هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا صارت سببا في قطيعة الرحم وعقوق الابناء لابائهم ردا على حرمانهم مما لهم حق كبير فيه. فهذا السيد'' محمد'' الذي استغل أولاده ومالهم أشد استغلال لتشييد فيلا فخمة في إحدى مناطق ''عين طاية''، قام عند قرب انتهاء الأشغال بكراء غرفها في حين كان أولاده على يقين أنهم سيتزوجون ويقطنون فيها، الامر الذي جعلهم يقاطعون أباهم ووجدوا أنفسهم يعانون كباقي الشبان الجزائريين من أزمة السكن التي تخنقهم، فصاروا يطاردون شبحا أو سرابا قد يتحقق أو لا يتحقق أبدا وأصبحوا يبخلون عليه حتى بالتحية جزاء له على جشعه وطمعه. وهذا ما يجعلنا نتأسف وننبذ بشدة هذه الظاهرة الغريبة التي أصبح الآباء يستخدمونها لفلذات أكبادهم من أجل بريق المال، وهذا ما لمسناه عند السيدة'' فوزية'' التي كانت سببا في طرد أبننائها الثلاثة من فيلتها، حيث تقول كنتها (زوجة ابنها الأكبر) عن السيدة فوزية: ''لقد كانت حماتي المتسبب الأول في طرد أبنائها الثلاثة. فلسؤء الحظ كنا نعيش في بيتها المتكون من طابقين وهو ملكيتها الخاصة وبعد تزويج أبنائها الثلاثة اشترطت بقاءهم في بيتها مقابل إعطائهم الراتب الشهري لها، وهي بدورها تنفق عليهم وعلى وأولادهم وخاصة أنها كانت بخيلة جدا هذا الشرط أذهلنا جميعا لأنه تعجيزي وأيضا تريد تحقيق غايتها وهو طردنا من منزلها، وهذا ما أرادته بالفعل مما جعلنا نخرج من بيتها مطرودين أمام جيرانها، خاصة وأن دخل أبنائها محدود لا يسمح بإعطاء كل الراتب لها فتصبح الامر الناهي لنا جميعا، لذلك فقد انتقلت مع زوجي إلى منزل قديم كان لابي حيث نسكن فيه ريثما نجد حلا لذلك. أما ابنها الثاني فقد سافر مع زوجته وأبنائه إلى الصحراء حيث وجد منزلا استلفه من صديقه أما الثالث فقد بنى بيتا قصديريا ببلدية المدنية. أما أمهم فقد قامت بكراء الطابق الاول من بيتها للأجانب وتقبض المال بالعملة الصعبة، فهي تعيش في رخاء وأبناؤها يعانون ويتخبطون في مشاكل مادية لا تعد ولا تحصى''. حرم أبناءه من السكن في فيلته ليقوم بكرائها للغرباء من المؤسف حقا أن نشاهد ظاهرة لم نألفها داخل عائلاتنا الجزائرية، حيث يحرم الاب أبناءه حق السكن معه من أجل أن يعيش الغرباء فيه مقابل إغراء مادي. وفي هذا الصدد تكلمنا مع توفيق الذي اشتكى لنا من قسوة أبيه ،حيث يقول ''لقد كنت أعيش مع والدي في سلام ولكن شاء القدر أن توفيت والدتي وتركت الفيلا مغمورة بالحزن والأسى. وبعد شهور فجاءني والدي أنا وزوجتي وأولادي الأربعة بقراره وهو ضرورة إفراغ الفيلا لانه سوف يقوم بكرائها لينتفع بمدخول الكراء ثم ينتقل إلى بجاية مسقط رأسه حتى يعيش هناك ويتزوج امرأة أخرى يكون له دخل شهري يقتات منه، فلم يفكر في أخواتي الثلاث المتزوجات إذا حصل لهن مكروه لا يوجد مكان ليلجأن إليه ولا حتى عن مصيري ومصير أبنائي خاصة وأن دخلي محدود جدا فتوسلت إليه أن يترك لي ولو غرفة لأعيش فيها غير أن توسلاتي ذهبت سدى مما اضطرني إلى كراء بيت بغرفة واحدة بمبلغ عشرة آلاف دينار شهريا مما جعلني تحت رحمة الديون وذل الرجال زد على ذلك اضطرت زوجتي لبيع جل مصوغاتها لتساعدني في تحمل أعباء المعيشة، في حين أبي يعيش مع زوجته الجديدة في رفاهية تامة ولا يسأل عن أوضاعي وأحوالي''. وعليه فإن الذي يحز في نفوسنا أن هذه المظاهر الغريبة لم يألفها آباؤنا قديما ولا أجدادنا، بل بالعكس تماما حيث كانت العائلات وبتعدد أفرادها وبالرغم من الظروف الصعبة والحالة المادية البسيطة جدا، فقد كان هناك تآلف أسري ومودة ورحمة، بينما هذه الحالات التي نشاهدها اليوم كانت شاذة آنذاك، فلا يمكن للآباء أن يتركوا أبناءهم يتخبطون في مشاكلهم لوحدهم بل يتآلفون ويتحدون من أجل المساعدة، حيث تبقى أواصر المحبة والاخوة داخل العائلة الواحدة، بينما اليوم أصبحت وتحت التغيرات الكبيرة المادة العامل الوحيد الذي يحرك نفوس الأشخاص خاصة الضعفاء منهم، فكيف لا والاب يترك ابنه يتخبط مع عائلته في مشاكل مادية وهو يعيش في ترف مادي، هذا ما ساهم في التشتت الاسري وقطع صلة الرحم والحقد والكراهية. هذه الصفات لم يعرفها يوما أجدادنا فليتنا نتعلم ونتعظ ولا نترك بريق المال يسيطر على مبادئنا وأخلاقنا.