جاء الملتقى الذي نظمه المجلس الأعلى للغة العربية أمس تحت عنوان ”اللغة العربية في الصحافة المكتوبة” في أوانه، وقد صدق المتدخلون وهم يدقون ناقوس الخطر، حول الكلام المبتذل الذي صارت تتناوله بعض العناوين الصحفية على أنه لغة عربية عصرية، بحجة مقاطعة اللغة التي كانت سائدة في الصحف سابقا والتي سميت اعتباطا ”بلغة الخشب”. فعوض أن تعمل بعض العناوين الصحفية على رفع مستوى القارئ والنهوض به بإعطائه لغة سليمة شفافة فكرا ومصطلحات، راحت بعضها تجري وراء الكسب، ونزلت إلى أدنى مستوياتها، بل إلى مستويات غير مسبوقة في الانحطاط والتفسخ، ملاحقة القارئ البسيط الذي بالكاد يفك الحرف، بهدف توسيع مقروئيتها، غير مهتمة بالنتائج التي قد تترتب على هذا النزول من أضرار باللغة وبالموروث الثقافي للمجتمع، وبقيمة اللغة كرافد حضاري وفكري، صمد فيما مضى أمام أعتى الخطط الاستعمارية لطمسها ووأدها. هل نكتب الآن في صحفنا بلغة عربية؟ وهل عندما نعنون بالبنط العريض في الصفحات الأولى للجرائد ”اليوم الدم للركايب” أو ”الجزائريون ما يكلوش مليح” أو غيرها من العناوين السوقية التي لا تحضرني هذه اللحظة، يعني أننا كتبنا ”لغة زجاجية” عصرية؟ وهل يعني أننا قدمنا إعلاما صادقا واحترفيا!؟ كنت أتمنى أن يهتم المتدخلون بالكوارث التي تحدث يوميا في الصحف الرياضية، واللغة التي نزلت تحت مستوى لغة الشارع درجات، بل هي لغة المدرجات في ملاعب كرة القدم، وكلنا يعرف ما معنى لغة الجماهير الكروية في المدرجات، والمصيبة أن هذه الصحف موجهة إلى غالبية من القراء حتى سن المراهقة والتنشئة النفسية والشخصية الحرجة، وكان على المثقفين والمهتمين بالإعلام واللغة أن يرفعوا بطاقة حمراء كبطاقة ”كوفي كوجيا” لوقف هذا الانتحار اللغوي، والمصيبة أن هذه الصحف هي الأوسع انتشارا والأكثر مقروئية! هذه اللغة التي صمدت واحتضنها الشعب الجزائري بكل فئاته ومناطقه طوال الفترة الاستعمارية، وتعرضت للبطش وملاحقة دارسيها ومدرسيها، وأخفيت في الكتاتيب والزوايا حماية من الطمس، ها هي اليوم تتعرض إلى التهجين، بل إلى عملية إفساد وتتفيه دقيقة، تساهم فيها بعض العناوين الصحفية، وشريحة واسعة من القراء والمستعملين. لغة علقت بها الكثير من الشوائب من فرنسية وانجليزية وأمازيغية، حى صارت ”لا لغة” و”لا فكر”، وصارت معها عقول الشباب مثل أجهزة الإعلام الآلي الممسوحة، بلا هوية، ومن غير فكر. لا أدري إن كانت رسالة الدكتور العربي ولد خليفة ستحرك الضمائر، أو أن كلام معالي الوزير ميهوبي، سيعيد مجد العربية في الصحافة. لكن النهوض باللغة العربية وتطهيرها من الشوائب صار ضرورة عاجلة!