أصبحت محنة ضيق السكن في العاصمة أزمة يتقاسمها أبناؤها والوافدون عليها من موظفين أجراء محليين وأجانب، بحثا عن مأوى ليلي يقيهم شرّ المنحرفين “العرايا”. تزايد عدد شاغلي السكنات، وضيقها في معظم الأحياء الشعبية بالعاصمة، وغيرها من كبريات المدن الجزائرية سرير للنوم بين ألفين و7500 دج شهريا للأجراء المحليين والأجانب أمر تطلب لجوء أبناء هذه الأحياء إلى الكراء بالمراقد التي تأوي الزوفرية، البطالين، الأجراء وغير الأجراء، يتقاسمون غرفا كثيرا ما تزيد المعاناة فيها في حال عدم التفاهم بين أفراد الغرفة الواحدة. ونحن نجوب مراقد أكبر الأحياء الشعبية بالعاصمة، على غرار بلوزداد، القصبة، ساحة الشهداء، باب الواد وسوسطارة، استوقفتنا عدة تساؤلات عن سرّ إقدام عدد من أبناء العاصمة ومن هذه الأحياء بالذات على استئجار غرف في المراقد القريبة لهم، بصيغة الدفع الشهري. وحين تحدثنا إلى أحدهم أجابنا من غير تردد: “أنا مخير بين المبيت خارج البيت في العراء، أم في مرقد بالشهر، فنحن نعاني ضيقا خانقا في السكن”، ملمحا إلى ضرورة ذلك تجنبا لرفقاء السوء ومافيا الليل التي لا ترحم. حتى المرحاض قابل للسكن..! استد محدثنا غيظا حين كشف لنا سرا لم نكن لنتوقعه، حيث قال: “لتعلم أن أبي ينام داخل المرحاض، مستخدما لوحة تغطي فوهته، وهو الذي يعمل طول النهار، ومن شدة التعب لا يحس بموقع نومه”.. واستقطعه آخر، وهو ابن ذات الحي بالقصبة، بقوله “أبي وأخي ينامان في الشرفة، وأختي تنام بالمطبخ وبالتحديد على “البوطاجي”، لأن الأرض محجوزة للكبار من طاعني السن، ولا نملك إلا غرفة ومطبخا، وعائلتنا كبيرة، أما أنا فأتواجد هنا بالمرقد منذ سنة، ولا أدري أي مستقبل ينتظرني؟!”. إلتقينا في هذه المراقد، إلى جانب أبناء العاصمة، أجراء من مستخدمي قطاعات الاقتصاد، والتجارة الحرة، الإعلام، البريد والمواصلات، الشركات الكبرى الخاصة والعمومية، وإطارات وزارية، كلهم يتقاسمون غرفا، يتجاذبون فيها أطراف الحديث عن معاناة الجزائري داخل بلده، وإن حالفهم الحظ وامتلكوا تلفازا فإن اليتيمة هي وجهتهم، كون بعض المراقد تمنع استخدام البرابول، ومنهم من يختار “الدفيدي” للإستمتاع بالأفلام السينمائية بعيدا عن الواقع المر. مفارقة العالم الخارجي بعد العاشرة ليلا يجتمع أصحاب المراقد على اختلافها على توقيت العاشرة ليلا، لغلق الباب الخارجي، ومنع أي حركة للخروج أو الدخول، إلا للضرورة القصوى.. وبالتالي من يتأخر عن الموعد ينام ليلته خارجا، وقد يتعرض للسرقة والإبتزاز.. كما أكد ذلك عدد من مستأجري المراقد الذين سجلوا تأخرا في عديد المرات، لاسيما بمناسبة لقاءات الفريق الوطني. وبعد العاشرة ليلا، يجتمع في بعض المراقد شباب بلهجات وولايات مختلفة، في جلسات حديث عن أعمالهم اليومية، وآخرون ينعزلون في زاويا للتحدث بالنقال، مادامت خدمة “ميلنيوم” موجودة. أما أبناء العاصمة فيتواصلون مع عائلاتهم بالنقال.. وكما قال أحدهم “نعيش في غربة، ونحن في أحيائنا”. العجزة والمتقاعدون لهم مكانهم كذلك في المراقد ما أدهشنا في جولتنا عبر هذه المراقد، هو حضور كل الفئات العمرية، شبان وعجزة، هؤلاء الذين يبدو أنهم سيستنفدون بقية حياتهم بهذه المراقد، التي أصبحت ملجأ للمتقاعدين أيضا، منهم من قال أنه هارب من مشاكل عائلته، ومنهم من هو عازب حتى بعد شيخوخته، ومنهم من تعذر بضيق السكن بالعاصمة، وآخرون مطلقون من زوجاتهم.. ويتراوح سعر الكراء شهريا بهذه المراقد بين 2000 إلى 7500 دج، حسب موقعه، جاهزيته ومدى جدّته. ويكون الدفع مسبقا مع بداية كل شهر، فيما يتجاوز سعر الغرف في شكل “استوديو” ال 10 آلاف دج، تجمع أيضا عددا من الشباب والموظفين للعيش تحت سقف واحد، لأسباب مهنية أو لغلاء خدمات الفنادق بالعاصمة.