لطالما تساءلت، ما الفرق بين قسيمات طلب التعارف والزواج على صفحات الجرائد وبين أيقونات طلب الصداقة والتواصل في الفايس بوك؟ بصراحة، لست من مريدي القسّ فايس بوك، ولا يعني لي برنوسه الأبيض الناصع وعمامته الزرقاء شيئا، رغم ادّعاء الكثيرين من روّاده بأن بيته عامرٌ بالحرية والصداقات.. تغيظني الرسالة التي يبعثها لي تباعا على الإيمايل "فُلان يعرض عليك صداقته.. هل (تقبل) أم (ترفض) ؟" هكذا، بكل بجاحة، كأنما يعرض عليك القهوة بسكر أو من غير سكر.. يعرض عليك لجوء افتراضيا إلى أحد ما.. مجموعة ما، بضغطة واحدة على أيقونة أجب ب "نعم" أو "لا"، يمنحك صكا ضوئيا، لتعميد صداقتك مجددا مع أصدقاء سابقين أو أصدقاء محتملين.. يعرض عليك "كتالوغ صداقات".. ما عليك إلا أن تختار ما يناسب ذوقك الثقافي منها. الفايس بوك، مخلوق ديمقراطي، ربما، لكنّ أيقوناته ديكتاتورية النزعة، لا تغرس فيك ثقافة الاختلاف، تدفعك بلمسة واحدة إلى قبول الآخر وبلمسة أخرى تشجّعك على إلغائه.. الفايس بوك، يدعو إلى تكتّل الرأي الواحد ويشجّع العصابات الثقافية ويعزّز العروشية الفكرية.. بنقرة زرّ أنت "مع" وبنقرة زر آخر أنت "ضدّ". قد يقول قائل إن الفايس بوك يمنح مريديه حرّية الاختيار، على طريقة "يا أبيض يا أسود" وأنه لا وجود للّون الرمادي في الفايس بوك. هنا، ما علينا إذن إلا أن نقبل بواقعنا غير الافتراضي، الذي تتعامل فيه السلطة معنا بمنطق الفايس بوك، بمعنى أنك إذا دخلت الصفّ فأنت المرحب به، وإذا لم تدخل، تلغى بلمسة زرّ واحدة. السلطة أيضا كما الفايس بوك، تدعوك إلى الدخول في برنوس التكتل، إذا أراد "بوك" طبعا، وإذا لم يرد فما عليك إلا الصراخ "ياهوو"..