يقضي الإنسان حياته يبحث عن صديق يمكن أن ينطبق عليه المثل القائل “رب صديق لم تلده أمك”. وإن اقتصرت دائرة البحث سابقا على أصدقاء الطفولة والعمل، فإن تكنولوجيا الاتصال أتاحت اليوم لهؤلاء، ولغيرهم، فرصة أكبر بمد أذرعهم بالصداقة إلى مختلف دول العالم عبر البوابة الأكثر رواجا “الفايس بوك” الذي تقوم فلسفته على الصداقة مع أشخاص افتراضيين نظهر أمامهم بالصورة التي نريد أن نكون عليها، وهو ما يفتح المجال للتساؤل عن ماهية الصداقة الحقيقية عبر الأنترنت، خاصة أن العالم يسير على خطى الصداقة الإفتراضية، وهو ما يمكن أن يهدد صديق الواقع.
القصة وما فيها.. أن العالم كله أصبح على صفحة “الفايس بوك” نظرا لسهولة الإنخراط فيه وإتاحته إمكانية الاشتراك المجاني والتواصل التكنولوجي بتكوين شبكة من العلاقات الاجتماعية، خاصة أن الموقع يتميز عن غيره من المواقع بإمكانية استرجاع صداقة أفراد افترقت عنهم بعد سنوات من الدراسة أو العمل، إلى جانب توفير قائمة بعدد لامحدود من الأصدقاء “تضيفهم أو يضيفونك”، حسب المنطق المعمول به في الموقع، والذين يمكن أن تركن إليهم في محادثات مسهبة على زاوية “الشات“ ومشاركتهم في مختلف المواضيع والإقتراحات برأيك وتعليقاتك. كما قدم فرصة لإنشاء مجموعات والانضمام إليها حسب الاهتمامات، وحتى إمكانية تسجيل ملاحظات واقتراح مواضيع وطرحها للنقاش دون إهمال فرص الترفيه والألعاب، وهي العملية التي لن تنجح إلا في حال وجود أصدقاء يعملون على إثراء الصفحة الخاصة بك، وهو ما يفرض على المشترك إغناء قائمته لضمان ذلك. هل أنت على الخط.. صديق الأنترنت يدخل على الخط عنوة عالم “الفايس بوك” صاحب المرتبة الثالثة من حيث الإستخدام في الجزائر بعد غوغل واليوتوب، ومع فرص الصداقة الكثيرة التي يقدمها، يدفعنا إلى التمعن أكثر في ماهية هذه الكلمة حسب إطارها الجديد، أين بات بعض المشتركين، إن لم نقل أغلبهم، يهتمون بالكم في مضاعفة عدد أصدقائهم، خاصة أن الأمر لا يكلفهم إلا الضغط على خانة “أضف كصديق”، حتى أن هناك من يختار أصدقاء ممن تعجبهم وجوههم وبلدانهم وحتى مناصب عملهم، فيما يحرص الباقي على الإختيار الأمثل أملا في إيجاد صداقة حقيقية وإن كانت بمواصفات افتراضية يمكن أن تتدعم مصداقيتها مستقبلا. ويوفر الموقع، حسب تجربة الكثير ممن تحدثت إليهم “الفجر”، صداقات بالجملة حتى أن الكثير من المشتركين يتفاخرون فيما بينهم بالرقم الذي وصلت إليه قائمتهم التي تضم في بعض الأحيان مئات “الأصدقاء”. ومن هذا المنطلق يصعب الحديث عن صداقة حقيقية إذ كيف يمكن أن تكون صديقًا لهذا العدد الهائل في الوقت نفسه. عبد الله، وإن كان من مشتركي “الفايس بوك”، إلا أنه يرفض أن يكون من سكانه الأصليين ويعتبره مجرد نقطة في حياته. أما عن رأيه في الصداقة عبر الفايس بوك فهو يرى أن صديق الأنترنت مرشح كغيره لأن يكون أقرب من صديق الواقع بما يقدمه “طبعا” لمشروع الصداقة المطروح بينهما. ويؤكد عبد الله أن “العشرة” وحدها من تحدد مستقبل الصداقة بين الأفراد بغض النظر عن وسيلة التعارف، وفي هذه الحالة فإنه من الصعب، حسب وجهة نظر عبد الله، التكهن بالأفضل لأن الصداقة الحقيقة مبنية على أساس المواقف التي تتحدد قوتها مع الأيام، ومنه يمكننا الحديث عن نوعها.. إما صداقة حقيقة صافية ونقية، أو صداقة عادية وعابرة. وإذا كان هذا رأي عبد الله، فإن محمد يعتبر أن “الفايس بوك” منحه أولا فرصة ضم عدد من أصدقائه الشخصيين، وأضاف أنه لا يمانع في أن يضيف إلى قائمته أصدقاء جدد ممن يعرضون عليه إضافتهم بهدف التعرف على أفكار ومفاهيم وتجارب جديدة يدرك منذ البداية أنها معرفة سطحية لا يمكن بأي حال أن تتحول إلى صداقة يمكن أن تنافس من يعرفهم، إلا أنه يستفيد منها بالتعرف على ثقافات جديدة دون الخوض في صداقة محتملة. صداقة “الفايس بوك”.. أقنعة إلكترونية حسب الطلب أكثر ما يميزنا كعرب أننا نحرص منذ صغرنا على بناء جسر من الخصوصية حول كل ما يتعلق بحياتنا ولا نسمح لأحد بتعديه إلا بإذن منا، والمتصفح للموقع يجد أن العديد من المشتركين يفضلون الأسماء المستعارة والظهور بهويات جديدة، لأن الانضمام إلى الموقع يعني كتابة معلومات عن المنتسب، تبدأ باسمه واسم عائلته وطريقة الاتصال به ورقم هاتفه وعنوان بريده الإلكتروني. كما يطلب منه أن يصرّح عن دينه وعن وضعه الإجتماعي وعن تاريخ ميلاده ونشاطاته واهتماماته وهواياته.. وإن تبقى معظمها شاغرة، في الوقت الذي يظهر آخرون بأسمائهم الحقيقية فيعرضون حياتهم بتفاصيلها على الفايس بوك، مستجيبين في ذلك لإغراءات الموقع الذي يوفر مساحة لنشر الصور والفيديوهات لعرضها على بقية الأصدقاء، وهو ما يضع خصوصيتك على المحك وإن كان يحق لك تحديد من يمكنهم ذلك من أصدقائك. ويقول زكريا حول هذه النقطة، إنه فضل الاشتراك باسم مستعار، مع تجنب وضع متعلقاته الشخصية، خاصة الصور، لتفادي المفاجآت التي يمكن أن تحدث في أن يستغلها أحدهم لأغراض أخرى، يمكن أن تجره إلى مشاكل هو في غنى عنها.
“الفايس بوك” يفتح أبوابه لأشياء أخرى كذلك.. استطاع الموقع، في مدة قصيرة، أن يلف حوله عددا هائلا من المشتركين وصل عددهم إلى 400 مليون مشترك. فالصداقة التي ينشدها المشتركون إذن على الفايس بوك، وإن لم تتضح ملامحها بعد في الجزائر مقارنة بالدول الأجنبية، إلا أن تجربة هذه الدول تفرض علينا الحديث على ضوء خبرائهم عن ضرورة توخي الحذر في استخدام هذا الموقع، خاصة إذا تعلق الأمر بتهديد العلاقات الزوجية بسبب اكتشاف أحدهما أن الطرف الآخر يشارك يومياته بإسهاب مع زملائه وأصدقائه أو حتى أشخاص لا يعرفهم خاصة إذا تعلق الأمر بالجنس اللطيف، إضافة إلى احتمال أن ينشغل المشترك الذي يقضي معظم الوقت أمام صفحة الفايس بوك عن أداء واجباته المهنية والاجتماعية. ويجدر بنا التذكير بضرورة توخي الحذر في استخدام مثل هذه المواقع، خاصة أن مطلب الصداقة الذي ينشده المشترك من الموقع لا ينفي حقيقة التعامل بحذر مع الأصدقاء الافتراضيين، خاصة وأن الموقع تحول إلى فرصة عند البعض لتصفية حساباتهم، لذا فإن هناك من يرى أن الأحسن من هذا وذاك هو الضغط على خانة “احذف” ليتجنب المشترك مشاكل هو في غنى عنها.