شهد يوم 20 أبريل من عام 2010 اختراقاً غير مسبوق في العلاقات الثنائية بين أكبر دولتين في الاتحاد السوفييتي السابق، وتحقق هذا الاختراق من خلال توقيع الرئيسين الروسي ديمتري ميدفيديف والأوكراني فيكتور يانكوفيتش على اتفاقيتين هما اتفاقية تخفيض أسعار بيع الغاز الطبيعي الروسي إلى أوكرانيا، واتفاقية بقاء قاعدة الأسطول البحري العسكري الروسي في مدينة سيفاستوبول الأوكرانية حتى عام 2042. هذه القاعدة التي كان الرئيس السابق، فيكتور يوشينكو، يستعد لطرد الأسطول الروسي منها قبل نهاية عقد إيجارها الحالي في عام 2017. جاء اتفاق ميدفيديف ويانكوفيتش ليضيف ربع قرن لمدة العقد الحالي وخمس سنوات أخرى تجديد تلقائي في حال عدم اعتراض أحد الطرفين. وهذا يعني ضربة كبيرة لمخططات الغرب وواشنطن التي كانت تسعى لطرد الأسطول الروسي من أهم قاعدة له لتحل محله أساطيل حلف الناتو والولاياتالمتحدةالأمريكية. علماً أن المقابل الذي حصلت عليه أوكرانيا من الغاز الروسي ليس قليلاً، خاصة في الظروف الاقتصادية والمالية السيئة للغاية التي تمر بها أوكرانيا، حيث لا يوجد لديها ما يكفي لسداد ثمن الغاز الروسي لهذا العام الجاري، الأمر الذي يهدد بانقطاع الغاز عنها في نهاية العام. وأوضح ألكسي ميلر، رئيس شركة ”غازبروم” التي تدير الصادرات الروسية من الغاز أن أسعار بيع الغاز إلى أوكرانيا ستنخفض بنسبة 30٪ وأن التخفيض ينطبق على كميات محددة من الغاز: 30 مليار متر مكعب في عام 2010 و40 مليار متر مكعب في كل من الأعوام التسعة التالية.وستشتري أوكرانيا كميات إضافية من الغاز إذا شاءت ذلك بأسعار السوق. وأشار رئيس الشركة الروسية إلى أن أوكرانيا تريد شراء ما يصل إلى 5،36 مليار متر مكعب من الغاز في عام 2010. وحسب تقديرات الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش، فإن الاتفاق يتيح توفير مبلغ 40 مليار دولار للخزينة الأوكرانية خلال 10 أعوام. ويعتزم الرئيس الأوكراني إنفاق هذا المبلغ على القضايا الاجتماعية والمشاريع الاستثمارية والقوات المسلحة الأوكرانية. وقال يانوكوفيتش إن ما حتم خفض أسعار الغاز المستورد من روسيا هو أن الأسعار التي كانت حكومة رئيسة الوزراء تيموشينكو تشتري بها الغاز، دمرت اقتصاد أوكرانيا. وقال الرئيس الروسي ميدفيديف إن الاتفاقيتين اللتين وقّعهما هو والرئيس يانوكوفيتش اليوم تجسدان شراكة حقيقية بين روسيا وأوكرانيا. ويُنتظر أن تنسحب هذه الشراكة على المزيد من المجالات، وعلى الأخص صناعة الطائرات. وأثار هذا الاتفاق رد فعل المعارضة الأوكرانية المتشنج، فاتهم أنصار الثورة ”البرتقالية” الرئيس يانوكوفيتش ب”بيع الوطن”، ووصف الرئيس الأوكراني وجود الأسطول الروسي في القرم بأنه احتلال عسكري، كما وصفت رئيسة الحكومة السابقة تيموشينكو الاتفاق ب”الخيانة العظمى”. وعلّل يانوكوفيتش سبب قراره قائلاً للصحافيين: ”مهمتي الأساسية إخراج البلد من الأزمة الاقتصادية من خلال تخفيض أسعار الغاز المستورد، فمع انخفاض أسعار الغاز تتزايد القدرة التنافسية لمنتجاتنا وتبدأ المؤسسات الصناعية بدفع الضرائب ونستطيع زيادة قيمة المرتبات والمعاشات التقاعدية. إنها مسألة بقاء أوكرانيا على قيد الحياة”. هذا الاتفاق بين روسيا وأوكرانيا يعني من الجانب الاستراتيجي الأهم أن مشروع انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي قد تأجل تماماً، إذ لا يجوز ضم دولة للحلف تقع على أراضيها جيوش أو قواعد لدولة من خارج الحلف، ورغم هذا فقد جاء رد فعل حلف الناتو هادئاً، حيث أعلن أمين عام الحلف، أندرس فوغ راسموسين، في كلمة ألقاها في اجتماع وزراء خارجية دول الحلف أن الاتفاقية الروسية الأوكرانية بشأن تمديد فترة مرابطة أسطول البحر الأسود الروسي إلى ما بعد عام 2017 لن يترك أي تأثير على علاقات الحلف مع هذين البلدين وآفاق انضمام أوكرانيا إلى الناتو. أما واشنطن فلم تستطع إخفاء غضبها، حيث قالت وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، إن روسيا لا تملك حق الاعتراض على انضمام الدول المجاورة لها إلى حلف الناتو، وشدّدت كلينتون على أن تلك الدول يتوجّب عليها أن تبقى بعيدة عن أية ضغوط خارجية عليها في مسألة انضمامها في المستقبل إلى الحلف، ثم هدّأت كلينتون من حدة تصريحاتها مراعاة لمصالح بلادها مع روسيا قائلة: ”إن الولاياتالمتحدة ترغب في العيش في عالم مستقر وهادئ مع روسيا الصديقة”. بقلم : فلاديمير سادافوي