لا أدري لماذا أحسست بالألم وأنا أقرأ نبأ وفاة الجلاد بيجار عن عمر ناهز 94 سنة؟! هل لمشهد صورة العربي بن مهيدي وهو مكبل اليدين وفي ريعان الشباب؟ أم لتفاصيل جرائم هذا السفاح، التي ذكرت في العديد من المقالات التي نشرتها المواقع الفرنسية أمس؟ ربما للاثنين معا، فهذا اللعين أذاق الويلات للشاب بن مهيدي الذي بقي رغم التعذيب ومحاولة الإذلال التي تعرض لها على أيدي بيجار وجلاديه صامدا كالصخر، لم ينكسر ولم يتفوه بكلمة أراد بيجار أن يفتكها من هذا البطل، لعله يقضي بها على مصير ثورة أخلطت أوراق إحدى أكبر قوى الحلف الأطلسي، ولم يستطع، وبقي بن مهيدي رمزا للأمة، وقضى بيجار بقية حياته الطويلة يبحث له عن مبرر ليصنع من عاره بطولات. بيجار، حسب مصادر إعلامية، عرف باسم الرجل الجمبري، لأنه كان يقيّد الثوار الجزائريين ويثقل أرجلهم بالإسمنت ثم يلقي بهم من طائرات مروحية في البحر. لكن تبقى طريقة اغتيال بن مهيدي أكبر جريمة التصقت باسم بيجار، وكانت أمس أكبر شاهد على حياة هذا السفاح بعدما تداولتها كل المواقع كأهم "إنجاز" له، ومع ذلك يعتبره الكثير من الفرنسيين بأنه بطل قومي، رغم دماء الأبرياء العالقة بيديه. مات السفاح أمس، دون أن يعتذر للجزائريين، ولم يندم ولو للحظة واحدة على ما اقترفه في حق الشباب الجزائري إبان الثورة، ولم يعترف بجرائمه التي ألحقها بشعب دافع عن كرامته وحريته، كأبسط حق من حقوق الإنسانية التي أقرتها المنظمات الأممية. ولن تمحو النياشين التي علقها على صدره اعترافا له من فرنسا الاستعمارية على ما تعتبره أعمالا بطولية، العار الذي ألحقه بفرنسا قبل غيرها، عار هزّ صورة فرنسا أمام الأمم، وهي التي تحاول أن تنصّب نفسها حامية لحقوق الإنسان والديمقراطية في العالم! وهكذا تفوت فرنسا مرة أخرى على نفسها فرصة تصحيح بعض من تاريخها المشوه، وستبقى صفحة الخزي التي سطرها بيجار في تاريخ هذا البلد شاهدة على جرائم فرنسا في حق الجزائريين، اعترفت فرنسا أم لم تعترف.