المعروف أن الورود تُقتنى لأجل روائحها العطرة ولأشكالها الجميلة وألوانها الزاهية، وتصبح بدون قيمة تُذكر إذا فقدت عبيرها.. لكن الغريب وغير المفهوم هو إقبال بعض الناس على شراء واقتناء زهور بلاستيكية ليس لها أي معنى باستثناء تخصيصها للزينة والديكور لا أكثر ولا أقل. أوَ ليس عجيبًا أن تجد هؤلاء الناس يقتنون وردة بلاستيكية ويهدونها لمن يحبون دون خجل أو وجل.. ما قيمة الورود دون رائحة شذية؟! كيف تبدو سوق تجارة الورد - على قلتها وندرتها - في ولاية أم البواقي في ظل الإقبال الكبير و غير المفهوم للمواطنين على اقتناء الزهور الإصطناعية؟ مع العلم أن عادة استعمال الزهور للتعبير والتبادل في المناسبات الإجتماعية في ولاية أم البواقي المحافظة على سبيل المثال، ليست سوى عادة جديدة بدأت منذ سنوات قليلة، تلبية لحاجات قلة قليلة من المواطنين. داخل محل صغير لبيع الزهور في وسط مدينة أم البواقي، كان وائل سعدوني ينتظر إطلالة زبون نادر، فيما هو يحدثنا عن الكساد الذي أصاب سوق بيع الزهور في أم البواقي.. لم يكن بحاجة لبذل جهد يذكر في حشد البراهين وعد الحجج، فنظرته لم تكن منفصلة عن واقع محله، بل هو يستمدها من برَّاد صغير يعرض فيه على استحياء نحو 50 وردة تتوزع بين القرنفل والبنفسج. وخارج البراد الذي لا يتعدى ارتفاعه مترين وعرضه أقل من متر، كان محل “لواحق ومستلزمات الأعراس و الحفلات” يعرض بطاقات دعوات الزفاف وتحفاً سياحية تقليدية بسيطة يعتبرها وائل العمود الفقري لمحله الذي يرى أنه ما كان له أن يستمر معتمداً على مبيعات الزهور فقط. وفي سياق ذات صلة، فإن تجارة الزهور في أم البواقي تراجعت كثيراً في الآونة الأخيرة. بالنسبة إلى بائع الزهور الذي بدأ العمل في تجارة الورد عام 1990، فإن مرحلة رواج الورد بدأت في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي واستمرت حتى بداية الأحداث الإرهابية في الجزائر، ثم بدأت سوق الورد في التدهور. ويقول إنه اضطر إلى بيع المحل الذي كان افتتحه لتوه، في أحد شوارع أم البواقي بالشراكة مع أحد أصدقائه، وإنه لم يكن الوحيد الذي أغلق أبوابه عقب تلك الأحداث. ووفقاً للبائع وائل، فقد تأثرت سوق الورد في الجزائر برمتها بشكل عام ومباشر خلال مرحلة الإرهاب الأعمى طيلة العشرية المنصرمة، ما أدى إلى إقفال عدد من المحلات و المتاجر القليلة أصلاً، فضلاً عن إغلاق عدد كبير من مزارع الورد بكل من عين مليلة، عين البيضاءوأم البواقي. بين مرحلة الإرهاب وإغلاق محلات الورد في أم البواقي علاقة منطقية.. غياب الفرح أو بمعنى أصح وأوضح سرقته، بالإضافة إلى رحيل الأجانب من الجزائر وإحجام المغتربين والمهاجرين عن زيارة الجزائر خلال تلك الفترة العصيبة.. حيث يقدر وائل أن الأجانب والمغتربين كانوا يمثلون أكثر من 50% من الزبائن، وبالتالي يرى أن رحيلهم قد ألحق ضربة قاصمة بسوق الزهور بولاية أم البواقي وباقي ولايات الوطن. عيد “الفالونتان” ينعش سوق الورد في أم البواقي! على بعد شارعين من محل “لواحق ومستلزمات الأعراس و الحفلات” الخاص بوائل، يوجد محل آخر على النقيض تماماً، وقد بدا محل ورد حقيقياً، خلاف الأول الواقع في أحد الشوارع الخلفية المتفرعة من شارع حيحي المكي الذي يعتبر أكثر شوارع أم البواقي حيوية. يحتل محل “الوردة الجزائرية” موقعًا مميزاً على ناصية إحدى الشوارع الرئيسية بالمدينة، وعلاوة على هذا، تستقبلك ابتسامة بائع شاب مرح، مدعومة بمشهد مرتب لكميات الورد المعروضة ينم عن احتراف وعافية. يقدم (رامي.ج) نظرة مناقضة تماماً لنظرة زميله في المهنة وائل تفيد بأن السنوات الأخيرة شهدت انتعاشاً حقيقيًا في سوق الورد بأم البواقي. ورغم اتفاقه معه حول دور الأجانب والمغتربين سابقاً في إنعاشها، إلا أنه يرى بأن الزبون المحلي سدّ الفجوة الشرائية التي خلفها الزبون الأجنبي وراءه. وفيما اعتبر أن سوق الورد باتت الآن سوقاً محلية بامتياز، قال إن مواطني أم البواقي بدأوا إدخال باقات الورد إلى حياتهم اليومية على نحو واسع، وإن عدد الزبائن منهم يزداد عاماً بعد آخر. وقد أعاد الفضل في ذلك إلى مناسبة عيد العشاق المصادفة ل14 فيفري من كل سنة، وضرب مثالاً وصفه بالبسيط: “تعرفون أن الجزائريين اعتادوا زيارة المستشفيات حاملين الفواكه ومعلبات العصائر.. الآن أصبح الكثيرون يأتون إلينا قبل زيارة مرضاهم”. وأضاف ضاحكاً أنه يتمنى لو كانت كل الأفلام سواء الأجنبية أو العربية تدور في غرف المستشفيات.. بعض المتشددين يحرمون ربط الورود بفالونتان يقول (عصام.ل) - و هو بائع للورود بعين البيضاء - إن أغلب زبائنه حالياً من الأجانب. ويرى عصام أن سوق الورد شهدت انتعاشاً كبيراً منذ سنة 2005 بسبب التواجد الكبير للعمالة الأجنبية في الجزائر والإقبال اللافت للسياح الأجانب بعد عودة العافية الأمنية إلى الوطن، وأن هذا الانتعاش ازداد خلال السنوات التالية. ولا يزال عصام يحمل ذكرى سيئة عن مناسبة “الفالنتاين” هذا العام، إذ تعرض أقل من نصف كمية الورد التي استعد بها لذلك اليوم للكساد.. فمن 500 وردة، لم يتمكن من بيع الكثير فيما ماتت الورود الباقية وذبلت داخل المحل. ويعود هذا إلى الحملة الهجومية الإستباقية التي شنها بعض الإسلاميين المتشددين ضد هذه المناسبة، فهم “أفتوا أن الورد الأحمر بدعة“، يقول. ويتذكر أنه تلقى عدة تهديدات بحرق المحل في حال إقدامه على بيع الورود الطبيعية خلال مناسبة عيد العشاق، إلى جانب تلقيه فتاوي مكتوبة مجهولة المصدر تحرم الإحتفال بعيد الحب باعتبار أنه “عيد اليهود والنصارى”، وأنه في باب “التشبه بالكفار”، و”من تشبه بالكفار فهو منهم”. ورغم كل ذلك يتمنى عصام لو كان “الفالونتان” مناسبة شهرية، ويقول إن الحملة المضادة أدت إلى نتائج عكسية وفقًا للقاعدة الدينية “كل محظور مرغوب”، إذ رفعت من مبيعات محله نكاية بتلك الفتاوى. لكن النتائج لم تكن عكسية دوماً بالنسبة لجميع المحلات. فقد أكد عدد من البائعين أنها أثرت سلباً على مبيعاتهم. محلات الزهور الإصطناعية أكثر من نظيراتها الطبيعية ليس صعباً إجراء إحصائية ميدانية لمحلات بيع الورود بولاية أم البواقي. هناك 5 محلات فقط لا غير موزعة على مدينتي أم البواقي وعين البيضاء. ومن هذه المجموعة القليلة، هناك محلان متخصصان في هذا المجال، فيما تقوم المحلات الثلاثة المتبقية بعرض أشياء أخرى إلى جانب الورود، وهو ما يعتبره وائل ضرورياً لتعويض حالة الكساد التي يرى أنها ضربت سوق الزهور في الولاية. وعدا دعوات الزفاف والتحف السياحية التقليدية البسيطة التي يعرضها محل “لواحق ومستلزمات الأعراس والحفلات” الخاص بوائل، تتنوع معروضات هذه المحلات بين التحف وأشرطة الزينة، دمى وهدايا أطفال، دعوات زفاف، فضلاً عن ورود وأشجار زينة بلاستيكية. ولعل أكثر أنواع الورود طلبًا في أم البواقي هي القرنفل، البنفسج، النرجس والأقحوان. وتقتصر المزارع القليلة في الولاية على إنتاج النوعين الأولين، فيما تعتمد السوق المحلية، بشكل أساسي، على اقتناء الورود من ولاية البليدة بشكل خاص. فيما تم إحصاء أزيد من 200 محل تجاري مختص في بيع الزهور البلاستيكية وشتلات أشجار الزينة بولاية أم البواقي. ويعزو أصحاب هذه المحلات الإنتشار الكبير لبائعي الزهور الإصطناعية والإقبال الواسع على اقتنائها من طرف المواطنون إلى رخص ثمنها، وتوفرها بشكل دائم، وعدم تلفها أو ذبولها مثل الورود الطبيعية ذات الصلاحية الزمنية القصيرة جدًا. الإنسان عرف الورد واستخدمه في علاج الأمراض منذ 2000 سنة يشير اختصاصي العلاج بالأعشاب، يوهانس غوتفريد، من جامعة فورسبورغ في ألمانيا، إلى أن الإنسان قد عرف الفوائد الصحية للورود واستخدمها في علاج الأمراض منذ أكثر من 2000 سنة. ومن أشهر الورود التي ما زالت تستخدم في العلاج الوردة الفرنسية والوردة مئوية الأوراق. ومن أكثر الورود التي تدخل في خلطات علاجات الأعشاب هو الورد البري (ورد السياج)، حيث أنه يستخدم في علاج الإسهال والجروح الناشئة عن الحروق والجروح والصداع والتهاب العيون وحالات الإكتئاب. تحتوي الزيوت الطيارة بأوراق هذه الورود على بعض المواد الفعالة التي لها فوائد صحية، مثل مادة الأنثوسيانين المسؤولة عن صبغة اللون الأحمر لهذه الأوراق التي تحول دون حدوث الإلتهابات. وفي الوقت الحالي تستخدم براعم هذه الورود في علاج الإلتهابات الخفيفة التي تصيب الأغشية المخاطية في البلعوم والفم، حيث يستعمل المرضى براعم هذه الورود في صورة شاي للغرغرة وللمضمضة. ويقبل بعض الناس على تناول ثمرة الورد البري، الذي يعرف بالزعرور، وفيه فيتامين C والبكتين والسكر وأحماض الفواكه والمواد الدابغة.. والزعرور يستخدم للوقاية من البرد والحمى والأنفلونزا