عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى في المسجد - أي صلاة التراويح - فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى الثانية، فكثر الناسُ، ثم اجتمعوا في اللَّيلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: “رأيتُ الذي صنعتم فلم يَمنعني من الخروج إليكم إلّا أني خشيت أن تفترض عليكم”، رواه الشيخان. وكان المسلمون يصلّون التراويح - وهي قيام رَمضان - فُرادى في المسجد أو في البيوت، كما ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعهم وصلّى بهم إماماً، كما في الحديث السابق. وفي أحاديث أخرى أنه كان يقوم مع أصحابه في العشر الأخير وفي الليالي الوتر، وبقي الأمر كذلك حتى السنة الرابعة عشرة للهجرة، فعن عبد الرحمن بن عبد القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع - أي جماعات - متفرقون: يصلّي الرجل لنفسه، ويُصلي الرجل فيصلي بصلاته الرَّهط - من ثلاثة إلى عشرة - فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد - أي إمام واحد - لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أُبيّ بن كعب، ثم خرجتُ معه ليلة أخرى والناس يُصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نِعْمَ البِدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون - يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله - رواه البخاري. وقد سمّى عمر بن الخطاب صلاة الناس جَماعة في التراويح: بدعة تجاوزاً، وهو لا يقصد بذلك البدعة المنكرة التي نَهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن البدعة المنهي عنها هي ما لم يَكن لها أصل في الدين، وقد رأينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع المسلمين في صلاة التراويح وصلّى بهم إماماً، وأتى عمر فنظَّم اجتماع المسلمين في صلاة التراويح على إمام واحد وجعله دائماً؛ وهذا العمل يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم: “من سَن سنَّة حسنة فله أجرها وأجرُ من عَمل بها إلى يَوم القِيامة” رواه مسلم، وذلك لأن السنّة الحسنة هي ما كان لها أصل في الشريعة.