عرفت أغلب المزابل العمومية بعنابة خلال الشهر الفضيل انتعاشا منقطع النظير بعد أن أصبح يرتادها الفقراء والمحتاجون الذين هم من الدرجة الثالثة في سلم الحكومة الجزائرية، خاصة أن هذه المفرغات العمومية توفر أبسط متطلبات الحياة، يبسط فيها البڤارة والأغنياء بعنابة أيديهم لرمي مختلف أنواع الفواكه والبريوش واللحم المفروم وأشياء أخرى تملأ بطون فقراء بونة تحوّل شهر رمضان إلى فرصة للتباهي واستعراض القدرة الشرائية لدى الكثير من العائلات الميسورة التي لا تكتفي بطبقين اثنين - على غرار ما هو متعارف عليه لدى العائلات الفقيرة التي تكتفي بطبق “الشربة إن توفّرت لها بعض الدريهمات - وإنما تقوم عائلات البڤارة ورجال الأعمال والمال بتحضير أطباق متنوعة لأسرها هي في الغالب لا تتعدى ثلاثة أفراد في الأسرة الواحدة وهذا ما يجعل المزابل فضاء خصبا لتراكم مختلف أنواع وجبات الإفطار. وأمام غلاء المعيشة والتهاب الأسواق تلجأ العائلات المعوزة للبحث عن شيء تأكله أو بالأحرى للتسوق من مزابل الأغنياء التي تكلف جهدا كبيرا ولا تفرغ، بل توفر مصاريف إضافية يستغلها الفقير في شراء كسوة العيد. وتعتبر مفرغة البركة الزرڤة بسيدي عمار سوقا مفتوحا لكل الزوار من الطبقة الثالثة، يستغل فيها الأغنياء الفرصة للتصدق من خلال حفظ الأطعمة قبل رميها في أكياس سوداء وأخرى زرقاء حتى لا تعبث بها الجرذان وهم على ثقة أن طعامهم صدقة جارية للفقراء بعد التخلص منه في شاحنات رمي القمامة. وهو ما لاحظناه خلال زيارتنا لهذه المزبلة بعد أن وجدنا عائلات يقودها رجال للتسوق واختيار الأكلات الصالحة قبل تلفها مثل البطيخ والخبز والموز وحتى الخس والطماطم.. كل شيء “في هذه السوق” مجاني وقد اعتبر الكثير من الوافدين أن مزابل الأغنياء راقية جدا ما دامت تتوفر على اللحم المفروم وكذلك بعض الفواكه المجففة. والأدهى من هذا هناك من العائلات من تستغل بقايا اللحم لتحضير الشربة. وقصد الوقوف على هذه الكارثة في دولة البترول، تحدثنا مع بعض مرتادي هذه الأماكن فأكدوا لنا أنهم اعتادوا على الاسترزاق من هذه المزابل التي تطفح بهذه الخيرات التي تعود للبڤارة أي الأغنياء. ورغم أن هذه القمامات تنبعث منها رائحة تزكم الأنوف، إلا أن هذا الأمر لم يشفع لأبناء الفقراء التملص من هذا السوق. وقد لاحظنا أن كل العائلات التي وجدناها تتسوق من مزابل الأغنياء ينحدرون من مناطق بلاص دارم، البوني، سيدي سالم، حجر الديس والشرفة ومناطق أخرى مهجورة. وتجدر الإشارة إلى أن مزابل البڤارة تتحول بعد انقضاء شهر الصيام إلى فضاء آخر بتجميع البلاستيك والنحاس. هكذا إذن يعيش فقراء عنابة على قمامة أثرياء الجزائر أغلبهم يعيشون على نهب مال الشعب والرشوة واختلاس أموال قفة رمضان بل حتى مطاعم الرحمة حوّلوها إلى ذويهم ومعارفهم يحدث هذا في وقت يئن فيه الفقراء في صمت.