مرة أخرى يفشل العرب في النيل من الغطرسة الإسرائيلية وتطبيق القانون الدولي على الجميع. حرب اللوبيات والكواليس والدبلوماسية لا يتقنها العرب، مثلها مثل حرب الرأي العام والحرب النفسية وحرب الصورة...الخ. هذه المرة يتعلق الأمر بانتكاسة العرب في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث رفضت أغلبية الدول الأعضاء في الوكالة، قرارا تقدمت به الدول العربية تدعو فيه إسرائيل إلى توقيع معاهدة الحد من الانتشار النووي. وبهذا يفشل العرب في تحقيق وإقرار الحق، وتنجح أميركا وحلفاؤها والدول التي تسير في فلكهم، في حماية الترسانة النووية الإسرائيلية. وهذا يعني أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لا تستطيع الوصول أو الكشف أو التفتيش في المنشآت النووية للكيان الصهيوني. فبالنسبة للغرب يحق لإسرائيل أن تبقى فوق القانون الدولي، وأن يبقى ملفها النووي بعيدا عن التداول والنقاش، وليس من حق أي أحد مساءلتها عما تفعله! استخدمت أميركا، ومن يدور في فلكها، واعتمدت على حجج ومبررات واهية، لا أساس لها من المنطق والعقلانية. فالدول التي رفضت القرار، بررت ذلك بخوفها على تأثيره في عملية السلام والمفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعلى مؤتمر السلام من أجل شرق أوسط منزوع السلاح المزمع عقده سنة 2012. في كل هذا، نتساءل عن أمرين: أولهما؛ أين العرب والعمل السياسي والدبلوماسي في موضوع واضح وضوح الشمس ولا غبار عليه؟ أما الثاني فيتعلق بمنظمة الأممالمتحدة والقانون الدولي، وأين النزاهة والموضوعية والمنطق في التعامل مع الدول وقضايا الأمم؟ وببساطة، دعونا نقارن تعامل المنظمات والدول الكبرى مع الملف النووي الإيراني، وتعامل نفس الجهات والهيئات والدول مع الملف النووي الإسرائيلي.. طبعا لا مجال للمقارنة، فالكيل بمكيالين هو المبدأ. فإذا عدنا إلى موضوع العمل الدبلوماسي والسياسي وعمل ”الكولسة” و”اللوبينغ”، فسنجده منعدما تماما، أو إن كان موجودا فإنه غير قائم على أصوله وأسسه المنهجية والعلمية، وإلا كيف نفسر كل هذه الإخفاقات المتتالية، وكل هذا الفشل غير المبرر للعرب في تعاملهم مع الهيئات والمنظمات الدولية! فما يحدث في غالب الأحيان، هو أن التصويت يكون دائما ضد المقترحات العربية. فالعرب عادة لا يتقنون فن الإقناع وفن العرض وفن التقديم، وهذا ما يؤثر سلبا على فهم الآخر للقضايا والمشاكل العربية. أما بالنسبة لموضوع الأممالمتحدة ولجانها وهيئاتها المختلفة، فالموضوع أصبح يكرر نفسه، والمنظمة أصبحت بحاجة إلى إعادة هيكلة وتنظيم. فصورة العالم اليوم بعد مرور أكثر من خمسة وستين عاما على إنشاء الأممالمتحدة، صورة قاتمة سوداء تبعث على التشاؤم والحسرة. فقد فشلت في تحقيق الكثير من وعودها وأهدافها، ولم تحقق أحلام مؤسسيها الذين كانوا يرون في المنظمة منبرا للحرية والديمقراطية وأداة للأمن والسلام في العالم. لكن العالم أصبح أقل أمان مما كان عليه قبل إنشاء المنظمة، والإرهاب أصبح لغة العصر وينتشر في جميع أنحاء المعمورة. وتواجه المنظمة الأممية انتقادات حادة ودعوات مكثفة للتغيير والتجديد والإصلاح، لمواكبة التطورات التي شهدها العالم خلال العقود الستة الماضية. والسؤال الذي يطرحه الكثيرون: هل المنظومة العالمية بحاجة إلى منظمة الأممالمتحدة؟ وماذا قدمته هذه المؤسسة من أجل محاربة الفقر والجهل والاستعمار والأمراض والأوبئة والحروب وانتشار الأسلحة الذرية والنووية المدمرة؟ ففي مجال التنمية فشل معظم المشاريع التنموية في دول العالم الثالث التي عانت من الاستعمار وانعكاساته السلبية في جميع المجالات. فالهوة بين الشمال والجنوب تزداد يوما بعد يوم، وهناك أكثر من مليار نسمة يعيشون في فقر مدقع، 900 مليون منهم يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم. فمعظم الدول المتقدمة لم تحترم التزاماتها نحو الدول الفقيرة، ولم تقدم المساعدات والمساهمات اللازمة لتوفير شروط التنمية والتطور. وفي مجال تصفية النزاعات والحروب، ما زالت نقاط عديدة من العالم تعاني، تحت أنظار الأممالمتحدة التي لم تستطع أن تضع حدا لمشكلات ونزاعات عديدة. ومنها الصراع العربي الصهيوني، فالكيان الصهيوني يمارس القتل والعنف والجريمة وإرهاب الدولة، أمام مرأى ومسمع مبعوثي المنظمة الدولية وقرارات الجمعية العامة للمنظمة، ولا حياة لمن تنادي. وتواجه الأممالمتحدة اليوم، مشكلة الإرهاب التي تعتبر من أخطر القضايا التي يواجهها العالم برمته. وهناك ”صراع الحضارات”، والصراع بين الغرب والشرق، أو الصراع بين الغرب والإسلام. وقد فشلت منظمة الأممالمتحدة في وضع استراتيجية لتضييق الهوة بين الشمال والجنوب، وفشلت كذلك في تحديد الآليات العملية لمكافحة الفقر والجهل والأوبئة والأمراض والحروب والنزاعات والاستعمار والاستيطان والتمييز العنصري. في العالم اليوم هناك شعور بالظلم والابتزاز والاستغلال. فبعد استنزاف ثروات الدول المغلوبة على أمرها والتي استعمرت بالأمس، وبعد التجاوزات العديدة التي تُرتكب يوميا ضد الأبرياء باسم الحرب على الإرهاب، وبعد الصراع العنيف بين الحضارات والثقافات والديانات، وبعد التزييف والتضليل وحرب الصور، والحرب النفسية والدعاية.. تنتشر أكثر فأكثر أسباب الحقد والكراهية. والضحية في آخر المطاف، هي الشعوب المغلوبة على أمرها التي لا حول لها ولا قوة. هذه الشعوب التي تُستعمل، مع الأسف الشديد، كأرقام من قبل حفنة من صناع القرار، الذين يرسمون مصير العالم بجرة قلم، دون أدنى اعتبار للأخلاق والقيم والمبادئ الإنسانية. بقلم: د. محمد قيراط عميد كلية الاتصال، جامعة الشارقة