إنَّ المصلي، الذي أقبل على ربِّه بقلبه في صلاته، يتعلم من خلالها مراقبةَ الله تعالى في جميع أحواله خارجها، والذي ألزم نفسه الكفَّ عن كلِّ حركة، وإن كانت مباحة خارج الصلاة، وكفَّ لسانه عن كلِّ قول غير أذكارِ الصلاة.. يتعلم من ذلك كيف يكفُّ لسانه عمَّا حُرِّمَ عليه خارجها، من غيبة، ونميمة وكذب وفحش، فيعيش نزيه اللسان، عفيف النطق، حريصاً على القول الحسن . والمصلي الذي ألزم نفسه النظر إلى موضع سجوده، يتعلم منه كيف يغض عن الحرام بصره خارجها . والذي ألزم سمعه الإنصات لتلاوة إمامه، ومنعه استماع كلِّ قولٍ عداه، وإن كان مباحاً، يتعلم كيف يمنع سمعه الإنصات لكل قول سيء. والذي ألزم يده أن تقبض يمناه على يسراه حال قيامه، ومنعها كلَّ حركة مباحة عداها، يتعلم منها كيف يكفُّ يده عن البطش في الحرام، من سرقة، وإيذاءٍ للخلق وهكذا في جميع جوارحه. إنَّ المصلي الذي تعلم من إقامته الصلاة كلَّ هذا، تكون صلاته ناهية له عن المنكرات، محرضة له على فعل الصالحات؛ قال الله تعالى: “وَأَقِم الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَن الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ” . أمَّا ذاك الذي لم يفقه من صلاته إلا حركاتِ القيام والقعود، والركوع والسجود، فلا نستغرب أن نراه مقبلاً على مقارفة الرذائل، كافَّاً عن الفضائل، لأنَّه لم يقمها كما أمره مولاه عز وجل. يمثل حال من فَقُه في صلاته ومن لم يفقه: ما رواه الإمام أحمد: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ؟ قال صلى الله عليه وسلم: “هي في النار”، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: “هي في الجنة”.