صيد أثرياء الخليج للغزال والحبار يهدد بانقراض بعض أصناف الحيوانات أفرجت الحكومة عن مشروع حماية المحميات الطبيعية في إطار التنمية المستدامة، الذي أرجئ بقرار سياسي، تحت تبرير إنجاز أحد المشاريع الإستراتيجية المتمثل في الطريق السيار شرق- غرب، الذي اخترق حظيرة القالة المصنفة ضمن المحميات عالميا. وجاء المشروع استجابة للشكاوى العديدة التي رفعتها جمعيات محلية مدافعة عن البيئة، ضد سلسلة الصيد العشوائي لحيوانات نادرة مهددة بالانقراض بجنوب البلاد التي ينشطها بعض أثرياء الخليج ، كما هو الشأن للغزال اللقمي وطائر الحبار. فبعد مخاض عسير وتنديدات متواصلة من الراعين لشؤون حماية البيئة، جاء مشروع حماية المحميات الطبيعية والتنمية المستدامة، لإنقاذ ما تبقى من المحميات الطبيعية، التي تضررت كثيرا، عن قصد أو بسبب الإهمال، بداية بالحظيرة الوطنية للقالة المصنفة عالميا، التي اختزل منها 17 كيلومترا، تحت غطاء إنجاز الطريق السيار شرق- غرب، وذلك رغم إخطار الشركة اليابانية “جاكول” المشرفة على انجاز المشروع في مقطعه المحدد آنفا للسلطات العمومية، بداية بوزارة البيئة سنة 2008، مقترحة تجنب المساس بالحظيرة من خلال إنجاز الجزء الذي يمسها على شكل انحراف، دون أن تلقى فكرتها أي ترحيب. كما لم تفلح اللجنة الوطنية للدفاع عن الحظيرة، آنذاك، في إقناع وزير الأشغال العمومية، عمار غول، بضرورة تجنب المساس بالحظيرة وتغيير مسار الطريق العابر لها من خلال انجاز انحراف، تطبيقا لقانون حماية البيئة لسنة 2003، لكنه رفض الاقتراح تحت تبرير أن طرقا سريعة تمر بمحميات في بعض دول العالم، كما هو الحال بالبرازيل، دون أن يشير إلى المقاومة الشديدة لسلسلة غابات البرازيل ممثلة في “الأمازون”، عكس الهشاشة التي توجد عليها حظيرة القالة. ولم تقتصر الانتهاكات على حظيرة القالة فحسب، بل امتدت إلى الجنوب الكبير، على مستوى مناطق “بريزينة” و”الأبيض سيدي الشيخ” بولاية البيض، وكذا ولايات بشار، النعامة والجلفة، حيث ظلت لسنوات طويلة الفضاء الرحب لأثرياء الخليج القادمين للجزائر من أجل ممارسة رياضتهم المفضلة، صيد الطيور والحيوانات النادرة، كما هو الحال لغزال اللقمي، طائر الحبار والظبي، معتمدين على معارفهم وعلاقاتهم في الحصول على تراخيص للعبث بالمحميات، والغريب في الأمر أن أثرياء الخليج من سعوديين، كويتيين، قطريين وإمارتيين، كانوا يقبلون على تلك الأصناف النادرة ظنا منهم أنها تطيل العمر وتزيد من قدرتهم الجنسية. وقد تضمن مشروع القانون الذي تحوز “الفجر” على نسخة منه، 42 مادة، تحدد كيفيات حماية المحميات الطبيعية وإعادة تصنيفها، وإقرار مواد تخص تسييرها في إطار التنمية المستدامة وانسجاما مع القوانين الدولية، بعد أن صنفت المادة الرابعة من المشروع المحميات على أساس واقعها الايكولوجي إلى سبعة أصناف، وشددت المادة الثامنة من مسودة المشروع على منع جميع الأنشطة بهذه المساحات، كالإقامة، الدخول، التنقل والتخييم، بالإضافة إلى حظر الصيد بمختلف أصنافه، زيادة على منع أي استغلال منجمي، فلاحي، رعوي، أو أية أشغال كالتسطيح والتنقيب والحفر، التي تؤدي إلى تغير في شكل الأرض والغطاء النباتي، باستثناء البحث العلمي والنشاط ذي أهمية وطنية، كما أوضحت المادة التاسعة أنه يمكن إقامة المشاريع ذات الأهمية الوطنية داخل المحمية بعد موافقة مجلس الوزراء على ذلك. كما تناولت المواد 11، 12، 13، 14 و15 التدقيق في جميع أصناف المحميات. ومن بين أهم النقاط الايجابية التي أتى بها مشروع القانون، إنشاء لجنة وطنية للمجالات المحمية، مكلفة بإبداء الرأي حول اقتراح وجدوى التصنيف كمجال محمي والموافقة على دراسات التصنيف، في نص المادة ال 17، كما أشارت المادة ال22 إلى أن عمليات التصنيف يمكن أن تقوم على أساس اتفاقيات وعقود ومكاتب دراسات متخصصة في البيئة. والملفت للنظر، أنه تم إشراك رؤساء البلديات في إعداد تقرير من أجل تصنيف المحميات، مثلما ورد في المادة 26، رغم محدودية أغلبية رؤساء البلديات في المسائل البيئية والايكولوجية، والدليل على ذلك، عدم حرصهم حتى على تطهير أقاليمهم من القمامات. كما تنص ذات المادة على اعتماد تقرير كل من الوالي، وزير الداخلية ووزارة البيئة في التصنيف، في حالة وجود المحمية بين ولايتين. فيما تلزم المادة 31 من مسودة المشروع مسيري المحميات بالحصول على إذن من اللجنة للتخلص من الحيوانات والنباتات من أجل الحفاظ على استدامة النظام البيئي وعن طريق تنظيم سيصدر لاحقا. وجاء في نص المسودة، عدة عقوبات تردع المنتهكين للمحميات عبر سبع مواد متتالية، أقرت عقوبات مزدوجة تتراوح بين السجن من شهرين إلى ثلاث سنوات، وغرامات مالية تمتد من 100 ألف دينار إلى 3 آلاف دينار، حسب حجم الضرر الملحق بالمحميات، كالمادة 42 التي أقرت بالحبس من سنة حتى ثلاث سنوات وغرامة من 200 ألف دينار إلى 3000 دينار لكل شخص يتسبب في تدهور المجالات المحمية، عن طريق أي صب، تصريف، رمي، تفريغ أو وضع لكل المواد التي تؤدي إلى تغيير خصائصها الفيزيائية، الكيميائية، البيولوجية والباكتيرية. ويأتي المشروع الذي من المنتظر أن يحال للمناقشة خلال الدورة الربيعية الحالية للمجلس الشعبي الوطني لحماية ما تبقى من المحميات الوطنية التي انتهكت عن قصد أو دونه، لتكون فضاء جماليا يزيد الجزائر جمالا ويطور البحث العلمي.