احتضنت ولاية النعامة وبلدية عسلة، على وجه التحديد، نهاية هذا الأسبوع تنظيم تظاهرتها الثقافية "وعدة الولي الصالح سيدي أحمد المجذوب"، والتي تعتبر "وعدة المجاذبة" كما يسميها عامة الناس في المنطقة، وهي ملتقى شعبي موسمي ينعقد في فصل الخريف من كل سنة تقام الوعدة دائما في شهر أكتوبر المعروف عند البدو الرحل ب" توبر". وتلتقي فيه كل القبائل المنتمية لهذا العرش، حيث تساهم كل العائلات المجذوبية في إحضار طعام الوليمة الكبرى، كما يشارك العرش المذكور في هذا الاحتفال باقي السكان بكل ما يملكون ويفتحون بيوتهم للزوار، فضلا عن مساهمة المناطق المجاورة في هذه التظاهرة لتخفيف الضغط عن بلدية عسلة بسبب العدد الهائل من الزوار الوافدين بالآلاف للمشاركة في هذا الموسم. وحسب الباحث الأستاذ عفون أحمد، من مدينة العين الصفراء، فإن الوعدة لم تعد تقتصر فقط على "عرش سيدى أحمد المجذوب" لوحده لكنها تتوسع تدريجيا لتشمل كل المنطقة بأكملها بدءا ببوسمغون والشلالة الظهرانية، والقبلية بولاية البيض إلى البلديات المجاورة الأخرى القريبة والبعيدة، علما بأن الشلالة القبلية تخصص يوم الجمعة المقبل بعد الوعدة لما يسمى بمعروف سيدي لغريسي ويشارك فيه على غرار أهل المنطقة أحباب الطريقة التيجانية من عين ماضي وكل موردي هذه الطريقة. وهكذا أصبحت وعدة المجاذبة أو عسلة تظاهرة اقتصادية اجتماعية ثقافية، بحيث يلتقي فيها كل الناس من المناطق الأربعة للجزائر، والهدف من كل هذا التعارف بين الزوار من مختلف جهات الوطن والصلح بين الناس خاصة المتخاصمين، إضافة إلى تبادل الزيارات بين العائلات و لمّ شمل مختلف القبائل وعقد القران والاتفاقيات التجارية بكل أنواعها والفنطازية (الفروسية)، وكذا التعرف على عادات وتقاليد سكان هذه المنطقة المضيافة المترامية الأطراف. وسيكون الختام يوم الجمعة مباشرة بعد صلاة العصر، وهو ما يسمى محليا ب"المعروف" حيث يتجمع الزوار في ساحة كبيرة (الطحطاحة) ويرفعون أيديهم إلى الله العلي القدير تضرعا ليصلح البلاد والعباد. وتمثل هذه الوعدة التي تُعد أيضا تظاهرة تجارية وثقافية وملتقى للحرفيين وشعراء الملحون، عادة راسخة توارثتها قبائل المنطقة منذ سنة 1875، تاريخ تأسيس زاوية الولي الصالح سيدي أحمد المجدوب (1493م- 1571 م) من طرف أحفاده، كونه رجل دين وورع مشهور بالمنطقة، ولا تزال هذه الزاوية وإلى يومنا منبر علم وزهد وتصوف يقصدها الطلبة لتعلم أصول الدين وحفظ القرآن الكريم ومتون الحديث النبوي الشريف. وحسب ذات الباحث، فإن هذه التظاهرة الدينية التي تدوم يومين كاملين ويقصدها المواطنون من كل حدب وصوب تمارس فيها أنبل صفات الجود والكرم التي يشتهر بها سكان المنطقة، ويتجسد ذلك في نصب عشرات الخيم لإطعام الوافدين، حيث لا يمكنك أن تجد المطاعم المتنقلة أو القارة فكل من يقصد الوعدة فهو ضيف محبوب مكرم قد ضربت الخيام لاستقباله وذبحت الذبائح لتقدم له، كما أن أبناء سيدي أحمد المجذوب وحتى القادمين من مسافات بعيدة فهم مضيفون وليسوا ضيوفا. وإلى جانب تنظيم حلقات للذكر والمديح الديني والتبرك والتضرع لله عز وجل بالدعاء بالغيث النافع والعميم، فإن مناسبة ستكون فرصة للخيّالة لاستعراض مهاراتهم وانسجامهم ضمن حلقات الفنطازية، أو كما تسمى هنا بالعلفة، ومن بين الفرق المشهورة والتي ينتظرها الجميع بشغف كبير هي فرقة أولاد انهار بسبدو والعريشة، إلى جانب فرق من سعيدة وسيدي بلعباس ووهران، وكذا أولاد سيد الحاج والحوض وعكرمة الشراقة من البيض. كما يستمتع كل من حضر برقصات العلاوي والحيدوس ورياضة العصي وغيرها من الفنون والطبوع. وبالعودة إلى نشأة هذا المتصوف الزاهد، تشير الروايات إلى أنه نشأ في بيت علم وشرف مشهود حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وعاش زاهدا عاكفا حتى سمي بالمجذوب. ومن بين مشايخه نذكر والده العلامة سيدي سليمان بن أبي سماحة وجده لأمه الشيخ سيدي أحمد بن عبد الجبار، إلى جانب الشيخ أحمد بن يوسف صاحب مليانة. وتثبت بعض المخطوطات التاريخية الجزائرية وكذلك الوثائق التي خلفها الفرنسيون من المهتمين بالبحوث الاجتماعية لأغراض عسكرية استيطانية أن سيدي أحمد المجذوب عاش في القرن الثامن الهجري أي حوالي 1490 ميلادي. وللإشارة، فإن السلطات المحلية وضعت كافة الترتيبات لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية الكبيرة بإشراك أعيان عسلة في كل تفاصيل الحدث، حيث تم تسخير بعثات صحية ووحدات للحماية المدنية، وعشرات الحافلات لنقل الزوار وتوفير المياه الصالحة للشرب بالقدر الكافي وكل الضروريات اللازمة لمثل هذه المناسبات.