يعد معرض الجزائر الدولي للكتاب فرصة للتلاقي بين دور النشر العربية والأجنبية والطفل، وهو فرصة بالنسبة لهذه الدور للتنافس فيما بينها من اجل جلب انتباه الطفل بتقديم الكتاب بشكل جذاب دون إغفال المضمون لضمان تأمين مادة أدبية جميلة للطفل في مختلف مراحله العمرية. إلا أن الطفل يواجه بالمقابل سلطة اختيار الأهل لاعتبارات لا يعرفها سواهم لأنها تحتكم في كل مرة إلى السعر. أطفال يتعرفون على عالم الكتاب وأولياء يحتكمون لمنطق السعر في جولة قادت ”الفجر” إلى معرض الجزائر الدولي المقامة فعاليته إلى غاية 6 نوفمبر الجاري بمركب محمد بوضياف، استوقفتنا نقاط هامة بداية بالإقبال الكبير للزوار وخاصة الأطفال الذين جاءوا رفقة أوليائهم للتعرف عن قرب على عالم الكتاب الموجه إليهم، فكانوا يتنقلون بين الأجنحة وهم يقلبون بين مختلف الكتب التي تفنن أصحابها في جلب كل ما يمكن أن يهم الطفل بالتنويع في أشكالها ومضامينها والتركيز على اللون والرسم والصورة وكل ما يمكن أن يثير فضول الأطفال، وهو ما يبدو أنهم نجحوا فيه، حيث كان الأطفال يستوقفون في كل مرة أولياءهم للاطلاع عن قرب على قصص جميلة أو ألعاب بأشكال مسلية، إلا أنهم كانوا يصطدمون في أغلب الأحيان بقرار الأهل بضرورة مواصلة رحلة البحث عن كتب تجمع بين الفائدة والسعر المعقول وهو ما لا يتوفر في أكثر هذه الكتب المعروضة. من جهة أخرى، فإن دور النشر التي اختارت التوجه إلى الطفل وتقربت منها ”الفجر” أجمعت على ثقل مسؤوليتها بالنظر إلى حساسية التعامل مع فئة الأطفال مع إدراكهم لضرورة الأخذ بعين الاعتبار لاختيارات الأهل التي توجه الطفل في أكثر الأحيان إلى ما يجب اقتناؤه بالعودة إلى المضمون والسعر، لذا فإن أغلب الكتب التي تلقى إقبالا كبيرا هي تلك الكتب التعليمية والمدرسية التي يحتاجها الطفل في مسيرته التعليمية وبالتالي إهمال باقي الاهتمامات مجبرين بسبب الأسعار التي لا تناسب أغلب الأولياء، وهي المعادلة الصعبة التي يقع فيها دور النشر التي تحاول أخذ السعر بعين الاعتبار. وعلى الرغم من أن العروض تعدّت إلى الألعاب وكتب الرسم والكتب المعلوماتية ولم تقتصر على الكتب المدرسية والقواميس والبرامج التعليمية، إلا أن الكتب المدرسية تبقى سيدة المعرض. يقول ممثل دار ”الصفحات الذهبية” الجزائرية إنه على الرغم من أن خبرة الدار المتواضعة في مجال النشر لفائدة الطفل والتي لا تتعدى عمرها الأربع سنوات، إلا أنهم مدركون لحجم المسؤولية في ذلك، خاصة في ظل المخاطر المحيطة بالطفل وانتشار العنف والتسرب المدرسي. لذا فقد أوضح المتحدث أنه كان عليهم التركيز على تقديم الأمثل للطفل للمساهمة في تكوينه وذلك من خلال تقديم قصص تربوية وأناشيد تعليمية إلى جانب ألعاب للتسلية في محاولة للمشاركة في التأثير الإيجابي على النمو الفكري للطفل، مع إشارته إلى حرص الدار على الابتعاد على الجانب التجاري. من جهته، أشار ”علي” ممثل دار نشر ”المستقبل الرقمي” اللبنانية أنهم حاولوا الأخذ بعين الاعتبار ضرورة التوجه إلى مختلف الفئات العمرية للطفل وذلك بداية من السنة الثالثة وإلى غاية 12 سنة، وذلك بالرجوع إلى مختصين مهمتهم الاختيار بين الأعمال التي تتناسب مع الطفل في مختلف مراحله العمرية وذلك بالنظر إلى التطور الحاصل في حياة الطفل ومواكبة وسائل الاتصال وانفتاح الأطفال المتسارع على العالم. لذا فقد أوضح ممثل الدار أنهم كانوا حريصين على الموازنة بين الشكل والمضمون بالنسبة للقصص التي صممت بطرق تلفت انتباه الطفل العربي والمبادئ التي يجب أن يكتسبها في حياته من خلال قصص تربوية وأخرى تعليمية، هذا إلى جانب الكتب العلمية والقواميس ومختبرات تجريبية في الفيزياء والعلوم. دار ”الشروق” الجزائرية التي اختارت التركيز في الكتب التعليمية والمدرسية مع عرض بعض الكتب الجامعية، وبالحديث عن النشر لفائدة الطفل، قال السيد حسان ممثل الدار إنه من المتعارف أن الكتابة للطفل غاية في الصعوبة وهو الحال نفسه مع اختيار النشر لهذه الفئة وهو ما يستدعي الاستعانة في كل مرة بفريق عمل متكامل من أساتذة ومتخصصين مهمتهم الاختيار الأمثل للطفل. وأشار ممثل ”الشروق” أن خبرة الدار في هذا المجال والتي تعدت 15 سنة جعلتها على يقين بأنها تتعامل مع مختلف المراحل العمرية التي تستوجب الانتباه إلى وجود اهتمامات مختلفة وهو ما دفعها إلى التنويع بين أعمالها بين القصص التربوية والكتب التعليمية مع التركيز على الكتب المدرسية التي تلقى الاهتمام الكبير لدى الدار والتي تلقى الإقبال الأكبر بالمقابل في المعرض. كما تحدث ممثل الدار عن الأسعار التي يؤكد أنها تدفع بعض الزوار إلى الاكتفاء بمجرد المشاهدة دون الشراء لأنها لا تتناسب مع قدرتهم الشرائية، إلا أنه يوضح أن القائمين على الدار مدركون لهذه النقطة ويحاولون قدر الإمكان التخفيض في السعر. وبانتقالنا إلى جناح دار ”الرقي” اللبنانية كشف لنا ممثلها شفيق دبار أن كتاب الطفل مكلف عن غيره من الكتب بالنظر إلى ”اعتماده على الألوان والصور والتصميمات المختلفة، أضف إلى ذلك المسؤولية الكبيرة في المضمون لأن التوجه إلى الطفل لا يحتمل الخطأ، لذا فإننا كغيرنا من دور النشر التي اختارت التوجه إلى الطفل، ملزمين بالاعتماد على متخصصين في المجال” وأضاف ”بالنسبة إلينا، فإننا نتعامل مع الدكتور طارق البكري في مجال القصة وهو متحصل على دكتوراه في أدب الطفل”. وبالنظر إلى ما سبق، يتضح أن الطفل الجزائري يواجه معادلة صعبة تستوجب الموازنة بين الاهتمامات التجارية لدور النشر العارضة رغم تأكيدها في كل مرة على حرصها على تأمين أهم احتياجاتها المعرفية والتي تصطدم بالمقابل بالقدرة الشرائية للأولياء التي تلزمهم الاختيار العقلاني الذي لا يتماشى مع كل اهتماماتهم.