غادرت كلثوم (عائشة عجّوري - 94سنة) إذن، مسرح دنيانا، بعد أن صدح صوتها مجلجلا، فوق خشبة المسرح الذي رعاها منذ بداياتها في عمر الرابعة عشر، فكانت أول امرأة جزائرية تحترف التمثيل والتنشيط المسرحي والسينما إلى جانب اهتماماتها الموسيقية، ما أهلها لتكون بلا منازعة، مدللة الفنانين الجزائريين مع بداية ثلاثينيات القرن الماضي، عثر الفنان الإستثنائي محي الدين باشطارزي، على جوهرته الثمينة القادمة من البليدة، محملة بثورة الأنثى على واقع ذكوري، فغمرها محي الدين، بالمحبة والرعاية، قبل أن تنفتح على أبواب العالمية من خلال مشاركتها في الفيلم الفرنسي الألماني "الباب السابعة لسفابولبا"، لتقف كلثوم على أهم المسارح الأوربية والعربية، مع عرّابها بشطارزي، بما في ذلك وقوفها أمام 20 ألف متفرج، بحديقة ألبير الأول بباريس، فكانت أول امرأة تجمع حولها، آنذاك، هذا الكم الهائل من الجمهور في باريس. مع نهاية أربعينيات القرن الماضي، كانت كلثوم المرأة الوحيدة التي تمثل أدوارا نسوية في المسرح الجزائري، ما أهلها لتقمص أصعب الأدوار، على غرار شخصية "ديدمونة" في مسرحية "عطيل" لشكسبير، والتي اقتبسها الوزير الأسبق أحمد مدني سنة 1952. كلثوم، حملت كغيرها من الفنانين الجزائريين في تلك الحقبة مشعل الثورة، فور انطلاقتها سنة 1954، لتعود بعد الاستقلال إلى الركح محملة بالتجربة والعطاء الذي لم ينضب، رفقة أهم الأسماء الفنية الجزائرية آنذاك، مثل مصطفى كاتب، علال محبّ، حاج عمر، نورية ورويشد الذي شكّلت معه ثنائيا فنيا رائعا، تعزز في مسرحية "حسان تيرو"، التي أخرجها مصطفى كاتب. أيضا؛ مسرحية "بندقيات الأم كالا"، للألماني برخت، وإخراج عباس فرعون. مسرحية "وردة حمراء لأجلي" من إخراج علال محب، "السلطان المحرَج" لتوفيق الحكيم التي أخرجها عبد القادر علولة، مسرحية "الريح" لمولود معمري، وإخراج جان ماري بيغلير.. بعض أعمالها الشاهدة على براعة امرأة وهبت نفسها للفن، فمنحت الريبرتوار الجزائري أكثر من 70 عملا مسرحيا و20فيلما و5 أسطوانات غنائية. ولعل دورها في فيلم ريح الأوراس للكاتب عبد الحميد بن هدوڤة وإخراج لخضر حامينة، كان أبرز محطة في تاريخها الفني؛ حيث مكّنها الفيلم من أن تكون أول امرأة عربية تمشي على البساط الأحمر لمهرجان "كان" السينمائي سنة 1966. سنة 1687، قدمت كلثوم آخر عمل مسرحي لها "موت التاجر المسافر"، بعد أن منحتها إدارة مبنى بشطارزي آنذاك، ورقة تقاعدها. ولأن دم الفن بقي ثائرا في عروقها، عادت كلثوم مع صديقها الحميم، رويشد، إلى السينما سنة 1991، في فيلم "البوابون"، موقعة بذلك آخر علاقتها بالأضواء، وهاهي اليوم ترحل عنا إلى الأبد، وتنطفئ شمعة عمرها الفني، التي ظلّت متّقدة لأكثر من 70 سنة.