أصبح الشبان والأطفال في الأسرة بمثابة المعلمين لآبائهم في مجال الإعلام الآلي واستخدام التقنية الحديثة في حياتهم اليومية، هذه الأخيرة التي سمحت للصغار بالتعبير عن آرائهم وأتاحت لهم الكلام بصوت مسموع، حتى أنهم صاروا أصحاب الرأي السديد والذوق في مختلف المجالات لم يعد غريبا في مجتمعنا أن ترى طفلا في السادسة من العمر يمسك بفأرة الحاسوب ويتحكم في برامج الإعلام الآلي، وحتى أنه يقدم إرشادات لمن هم أكبر منه، فتجد الابن على دراية بكل تفاصيله، حتى أنه صار مرجعية الأهل في هذا المجال بحكم تحكمه في زمام التقنية. من جهة ثانية، أصبح الأولياء حاليا أكثر تفهما لمطالب أبنائهم من خلال الحوار والتشاور وسماع رأي أبنائهم في عدة مسائل تخص الأسرة، بينما كان في وقت غير بعيد رأي الأب هو الأول والأخير ولا يحق لأحد من الأبناء إبداء وجهة نظره، ولكن بعد دخول الانترنت إلى الأسرة الجزائرية انقلبت هذه العلاقة وصارت للأبناء آراؤهم وأفكارهم المسموعة داخل العائلة. والملاحظ حاليا أن كل ما له علاقة بالتكنولوجيا بات من اختصاص الصغار، فالأب إن أراد شراء شيء ذي علاقة بالتقنية الحديثة يأخذ رأي ابنه، سواء تعلق الأمر باقتناء هاتف نقال أو تلفاز أو بارابول أو حتى سيارة. ولم تقف الأمور هنا فقد أصبح للأولاد رأيهم في كل شؤون العائلة، فيدخلون في اختيار طلاء المنزل و نوع الأثاث، واللباس، كونهم أكثر اطلاعا على آخر صيحات الموضة والديكور، والتي يرجع الفضل فيها لصفحات الانترنت طبعا، فهم يجدون كل ما يحتاجون إليه على الشبكة. ولا مانع في استشارة الأبناء مادام أنهم أثبتوا سداد رأيهم في العديد من المرات وفي الأمور كلها، بخلاف ما كان في الماضي، ففي الأمور المتعلقة بالصحة مثلا كان الابن يشتكي لأمه آلاما معينة فتنصحه بشرب أحد التيزانات المعروفة أوالدهن بزيت أو مرهم معين، وهذا لم يعد موجودا حاليا لتوفر معظم البيوت على تقنية الإعلام الآلي، حيث انقلبت الموازين وصارت الأم تشتكي لابنها أعراضا معينة، وبينما هو جالس أمام جهاز الحاسوب وبمجرد النقر على لوحة المفاتيح يبحث عن المرض، الأعراض وحتى طرق العلاج التقليدية والحديثة. وكثيرة هي المواقف التي يثبت فيها الطفل أنه على صواب وأن اختياره موفق بحكم اطلاعه وتوسع فكره من خلال الإبحار في الشبكة العنكبوتية. من جهة ثانية فإن الأولاد لم يبقوا متعلقين بأفكار أبائهم وآرائهم، في حال بحثهم عن وظيفة أو تكوين أو دراسة أو اقتناء شيء ما، فهو يشق طريقه لوحده بالاستنجاد بمواقع الانترنت بدل الأخذ برأي الآباء، حتى أنهم لم يعودوا يهتمون لهم بحكم اطلاعهم المستمر على مستجدات الحياة عبر نافذة الحاسوب، وبالتالي فقد حل ”غوغل” محل الأهل، وهكذا انقلبت العلاقة بين الآباء والأبناء في زمن التقنية.