"ثورة" الشارع الصري لم تحرر فقط الشباب المصري من الخوف الذي سجن فيه عشرات السنين، سواء في عهد مبارك أو خلال نظام سلفه السادات، بل أيضا قرّبت بين شعبين عرفا منذ أزيد من سنة خلافات وحروبا كروية كادت تعصف بالعلاقة بين البلدين وتتحول إلى أزمة ديبلوماسية، حتى أن دولا وشخصيات بدأت تحاول لعب دور الوسيط لإيجاد حل للأزمة بين الجزائر ومصر. انتفاضة الشباب جعلتنا ننسى خلافاتنا ونتعاطف مع الشباب المعتصم بساحة التحرير، نتألم لأخبار الموت والنار من هناك، وصارت ساحة التحرير قريبة من قلوبنا مثل ساحة الشهداء أو ساحة الأمير عبد القادر. على حد المثل الشعبي الجزائري "الدم إذا ما حن يكندر" أي إذا لم يهتم بمصائب الأشقاء، فإنه لا محالة يتألم ويئن لألمهم. والشعب المصري يعنينا، وآلامه توجعنا، وأفراحه تسعدنا.. ولم تكن خصومة الكرة إلا سحابة عابرة، وهذا ما اكتشفناه فينا والجماهير الحاشدة تواجه الرصاص وتنادي بالحرية لشعب قهره ظلم الأنظمة. وما يحدث في مصر يعنينا، فمصر بالنسبة إلينا بمثابة الأنف وسط الوجه، لا يمكن أن نتجاهلها، فالعلاقة بين بلدينا عرفت صعودا ونزولا منذ ما قبل التاريخ إلى اليوم، وما يجمعنا بمصر أكثر من الذي يفرقنا؛ فرقتنا الكرة وحسابات التوريث، ويجمعنا التطلع إلى الحرية والعيش الكريم. فالأزمة التي عشناها أمس بسبب الكرة لم تكن نابعة من عمق الشعب المصري، لأنها كانت من صنع النظام الذي كان يخطط لمشروع التوريث، ومن أجل هذا الغرض أبعدت كل الأصوات المعتدلة والعقول الراجحة أبعدت من القنوات الإعلامية ومنع أصدقاء الجزائر من التعبير عن حبهم للجزائر وللشعب الجزائري الذي جعل الإعلام المصري منه مجرد قطاع طرق وبلطجية. ما يجري في مصر يعنينا كتجربة إنسانية نتمنى لها الانتصار لأنها سترسم للإنسان المصري طريقا آخر إلى المستقبل، تحرر طاقاته الكامنة وتعيد له كرامته كمواطن وكإنسان وكمبدع سيضيف إلى الإرث الإنساني الكثير. مصر ما بعد 25 جانفي ليست كمصر ما قبل 25 جانفي، يقول الثائرون في ميدان التحرير، ونحن بدورنا نتمنى أن تكون علاقتنا بمصر ما بعد 25 جانفي علاقة يميزها الاحترام المتبادل بين شعبين كبيرين، لا علاقة الاستعلاء والشتائم التي أمطرتنا إياها فضائياتهم .. علاقة حب وقرب وتعاون صادق، وليست علاقات حسابات ضيقة وتطفل ونفاق. أمانينا أن تعيد "ثورة" أحرار مصر "الأخت الكبرى" إلى الحظيرة العربية لبناء مجد الإنسان العربي ومستقبل الشعوب العربية التي ضحت بها مصر السادات ومبارك على مذبح الود مع إسرائيل. ولم يخدم الشعب المصري بقدر ما خدم الأنظمة.