غريب أمر الأنظمة العربية وحراكها مع حراك الشارع العربي، ففي السابق عندما تحاول بعض النخب التأثير على الحكام وتطالب بشيء من الإصلاحات وبحرية التعبير، تقابلها الأنظمة بالاضطهاد والسجن والتنكيل، وتتهم هؤلاء بالعمالة، مكذبة أن تكون منغلقة أو تضيّق على الحريات، لكن هذه المرة فضحت الأنظمة العربية نفسها بنفسها، وها هي تؤكد بتصرفاتها ومواقفها من "ثورات" الشارع ما كانت تجتهد سنوات لتكذيبه، وتقر بدون أدنى ضغوط بأنها كانت ضدّ الحرية وضد الديمقراطية، عندما يخرج ممثلوها محاولين احتواء الشارع ويعرضون في المقابل إصلاحات سيقوم بها النظام، "نعم سيقوم الرئيس في الأيام المقبلة بإصلاحات، نعم قرر الرئيس رفع حالة الطوارئ، نعم قرر الرئيس السماح بتشكيل الأحزاب، نعم سيسمح الرئيس بحرية الصحافة وحرية التعبير، نعم سيطلق الرئيس سراح السجناء السياسيين، نعم... نعم..."، وخير مثال على ما أقول الدور الذي تقوم به المسكينة بثينة شعبان المستشارة السياسية للرئيس بشار الأسد التي لا أحب أن أكون في محلها وواقفة موقفها المتناقض، خاصة عندما تقول إن مسألة الإصلاحات مطروحة للنقاش منذ سنة 2005، وتريد من السوريين تصديقها رغم ذلك. وما يقوم به الرئيس علي عبد الله الصالح نفسه كل يوم، دون أن يفلح أيّ منهما في إعادة الهدوء إلى بلديهما. صالح - الجزائر تستطيع أن تكذب على الناس بعض الوقت ويصدقونك، لكنك لا تستطيع أن تكذب على الناس كل الوقت وتنتظر منهم أن يصدقوك، بل بعد ذلك، لا يصدقونك ولو كنت صادقا. المحير: من أرض جلالتهم.. هناك ثقافة فاسدة عمقت الهوة بين الحاكم والمحكوم وقلصت هامش الحرية وكرست الاستبداد وأدانت الحق وقننت الباطل،وعطلت التنمية وأشاعت الفساد والتخلف. هذه الثقافة من صفاتها أنها روجت لأفكار تحولت مع مرور الوقت إلى قناعات ومنطق لا يمكن إلا تصديقه والإيمان به سواء عند الساسة أو عند بعض فئات المجتمع. أقول، من صفات هذه الثقافة على سبيل المثال لا الحصر، أن رفع الصوت في وجه الحاكم ب"لا" يعتبر خيانة للوطن.. ثقافة جعلتنا نؤمن بخلود جلالة الحاكم بعدما أدرك أبونا آدم عليه السلام أن لا خلود له وأن شيطانه كان مخادعا وأفاكا. أمير فوزي - مصر بالتأكيد يا سيدة حدة، الأنظمة التي ظلت قابعة على الكرسي عشرات السنين ولم تقم بإصلاحات لا يمكننا أن نأمن جانبها عندما تقوم بهذه الإصلاحات بعد انفجار الثورة وبدء الإضرابات، لأنها تقوم بالإصلاح تحت الضغط وللحفاظ على الكرسي وليس قناعة منها بوجوب هذه الإصلاحات لصالح البلاد، وشتا بين الحالتين. لذلك أي شعب عربي اختار الثورة والاعتصامات والإضرابات طريقا لانتزاع حريته، يجب عليه أن يكمله لآخره وحتى تحقيق الهدف، لأنه لو تراجع قيد أنملة فذلك بكل تأكيد يعني أنه قام بنصف ثورة. وكما هو معروف أن (نصف الثورات هي مقبرة الشعوب).