السيدة منصوري تترأس أشغال الدورة ال 38 لاجتماع لجنة نقاط الاتصال الوطنية للآلية على المستوى الأفريقي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    ..لا دفع لرسم المرور بالطريق السيار    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخطوطات في الجزائر .. كنوز بلا حرّاس
بعد أكثر من 600 سنة على وجودها
نشر في الفجر يوم 08 - 05 - 2011

تعتبر المخطوطات أحد أهم المصادر التي نتعرف من خلالها على ذاكرتنا الحضارية والتاريخية والثقافية، حيث تعد هذه المخطوطات نافذة نطل من خلالها
القائمون على أهم المخطوطات في الجزائر يحمّلون وزارة الثقافة المسؤولية
على الإسهامات العلمية والأدبية والاجتماعية والدينية التي تركها السابقون، لشعوب المغرب الإسلامي في مختلف المجالات..
مع مرور الوقت والزمن، أصبحت هذه المخطوطات أهم ثروة بالنسبة لنا، خاصة وأنها تعرضت ومنذ الحقبة الاستعمارية إلى عمليات نهب وإحراق أتت على بعضها وتركت البعض الآخر، استطاع لصوص الزمن الحالي الاستحواذ عليها، مستعينين بالمال حيناً وبالوساطة في أحيان كثيرة، وهو ما صرح به عديد القائمين على أهم الخزائن التي تحتوي على المخطوطات في الجزائر، ورغم المحاولات العديدة التي قامت بها وزارة الثقافة، ووزارة الشؤون الدينية من جمع وتدوين هذه المخطوطات إلا أنها تبقى مجهودات ضئيلة جداً، حيث لم تسجل الإحصاءات ونحن في عام 2011، العدد الحقيقي للمخطوطات الموجودة في الجزائر. ولمعرفة واقع هذا التراث الحضاري الهام، يفتح "الفجر الثقافي"، في العدد الجديد، هذا الموضوع بعيون أحفاد هؤلاء المشايخ الذين تركوا لنا هذا الإرث الذي يتعرض يوما بعد آخر إلى النهب والسطو والتلف.
أسفرت آخر عملية جرد لأهم المخطوطات الموجودة في الجزائر، عن إحصاء حوالي 35 ألف مخطوط على المستوى الوطني، وهو رقم يعد ضئيل جداً حسب رأي المختصين والمهتمين بهذا التراث، خاصة وأن هناك عددا معتبرا جداً من المخطوطات التي رفض الورثة الشرعيون لها من الإفصاح عنها، أو تدوينها لدى المركز الوطني للمخطوطات، أو وزارة الثقافة أو المكتبة الوطنية التي يتواجد بها قرابة ال 4000 مخطوط عربي وفارسي وتركي، بعضها يعود إلى القرن الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر ميلادي، ربما لهذا تحظى المكتبة الوطنية بدعم الدولة الجزائرية، نظيرة محافظتها على هذا الإرث، غير أن الحقيقة تقول عكس ذلك تماما إذ يقول عدد كبيرة من القائمين على الزوايا بمختلف المدن الجزائرية الغنية بها، إنّ كمًّا كبيراً جداً من المخطوطات تمتلكه عائلات جزائرية، رفضت أن تفصح عنهم للجهات المعنية، وهي تقدر بمئات الآلاف ولا يمكن المقارنة بينها وبين تلك الموجودة بالمكتبة الوطنية.
خزانة كنته - أدرار
يقول الشيخ كنتاوي سالم، أحد أحفاد سيدي الشيخ، والقائم بأعمال زاوية كنته، إن الدار الكبير التي لا زالت تحتفظ بالعديد من المخطوطات النادرة جداً في الجزائر، وتحتوي على آثار قيمة بالنسبة لهم، كانت إلى وقت غير بعيد مفتوحة أمام جميع الباحثين والمهتمين بالمخطوطات من الجزائر والعالم وكذا الدارسين والطلبة الجامعيين الذين يتوافدون على هذه الزاوية كل حين، لكن في الوقت الحالي، وبعد عمليات النهب التي طالت عدّة مخطوطات بل وأهم مخطوطات الجزائرية، أصبح من الصعب عليهم السماح لأي كان القيام بعملية نسخ أو أخذ هذه المخطوطات خاصة وأن أغلب الزوار الذين يتوافدون على المنطقة، يأتون في الغالب باسم جمعيات ومؤسسات ثقافية، وفي الأخير لا يقوم هؤلاء بإعادة المخطوطات إليهم.
ويضيف المتحدث قائلاً إنه شخصيا لو وجد الثقة في المسؤولين على قطاع الثقافة عندنا باعتبار وزارة الثقافة هي التي تختص بهذا النوع من المخطوطات، لما ترددت في تسليمها لمن يبحث عنها بغرض الاستفادة منها. وأوضح المتحدث أن الجهات الوصية -أي وزارة الثقافة -، أثبتت مع مرور الوقت أنها مؤسسة غير مؤهلة للحفاظ على هذا الموروث الثمين بدليل أن أغلب المخطوطات التي تخرج من الخزائن المترامية عبر التراب الوطني، باسم هذه المؤسسة تتعرض للضياع والسرقات، "كما يدّعي الأشخاص الذين سلمناهم إيّاها والأدلة على ذلك كثيرة".
وعاد بنا المتحدث إلى الواقع التي أصبح عليها المخطوطات اليوم، بخزانة كنته، أين تعرضت الخزانة التي تحتوي على أهم مخطوطات الشيخ، إلى التلف من جراء الحريق الذي شبّ بالمكان، وأدى إلى ضياع أغلب المخطوطات، فيما تبقى للجيل القادم نسخ عنها ليس إلا، وما هذا إلا عينة واحدة عن عشرات الخزائن المتواجدة بالتراب الوطني والتي طالتها النيران وأدت إلى تلف البعض منها، وضياع البعض الآخر. وفي هذا الصدد نوّه المتحدث بالدور الذي يلعبه النساخون القلائل الموجودون بالخزائن، حيث يقبعون بالخزانة لشهور طويلة، وسنوات حتى يحافظوا على ما بقي من هذه المخطوطات، خاصة وأن هناك عددا كبيرا من المخطوطات التي لا تتوفر إلا على نسخة أو نسختين فقط، ومع مرور الزمن، وبفعل الطبيعة التي تتواجد فيها تلك المخطوطات، ضاع الكثير منها، وهم اليوم، يناشدون السلطات المعنية بضرورة التدخل العاجل لحماية هذا الإرث الهام. ويقيّم كنتاوي سالم المجهودات التي بذلتها وزارة الثقافة بالسطحية جداً، إذ أنهم سبق ولهم وأن ناشدوا الوزارة بضرورة التدخل العاجل لحماية هذا التراث، لكن ظلّت مناشداتهم مجرد حبر على ورق، وتساءل المتحدث عن جدوى إنفاق ملايير الدولارات على تظاهرات تُعنى بالتراث والثقافة وهم عاجزون حتى عن الاهتمام بالزوايا والخزائن التي تحتوي على موروث هو الأهم بالنسبة لنظرائنا المسلمين، الذين يحجون سنويا إليهم بغرض محاولة شراء بعض المخطوطات واستعراضها في متاحفهم، بينما عندنا -يقول كنتاوي -، يتم العكس، إذ أن الاهتمام بهذا التراث لا يعني شيئا مقارنة بما يصرف باسم الثقافة الإسلامية. وعرّج المتحدث في حديثه مع "الفجر" إلى تظاهرة "تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية 2011"، الذي تمنى لو أنفقت وزارة الثقافة 1 بالمئة من الميزانية الضخمة التي خصصت للتظاهرة هذه على الخزائن والقائمين عليها، خاصة النساخين الذين أفنوا حياتهم في إعادة الاعتبار إلى عديد المخطوطات من خلال سهرهم على إعادة كتابة المخطوطات التي تعرضت للتلف.
خزانة كوسام - أدرار
إلى جانب مخطوطات نادرة وقيمة، تأوي خزانة كوسام، أشهر نساخ في الجزائر، وهو الشيخ شاري الطيب وهو أحد أحفاد الشيخ البلبالي، والقائم بأعمال خزائن كوسام، الذي تعرّض من جراء قيامه بعملية نسخ أهم المخطوطات الموجودة اليوم بالجزائر، إلى فقدان بصره، فمع مرور الوقت وعشرات النسخ التي يخرجها إلى المكتبات والخزائن المجاورة لخزانة كوسام، أصبح هذا الشيخ عاجزا حتى عن مواصلة عملية نسخ هذه المخطوطات التي يجد غيره صعوبة في معرفة الخط الذي كتبت به. ورغم مناشداته العديدة للجهات المعنية من أجل الوقوف على حالة ومساعدته في إجراء عملية جراحية له، من أجل مواصلة مهمته في الحفاظ على هذا الموروث الحضاري الهام، إلا أن مناشداته باءت بالفشل دوماً، ورغم أن الوعود التي قدمتها له وزيرة الثقافة، خليدة تومي، أثناء زيارتها إلى الخزانة في السنوات الماضية، لم تجد بعد طريقها إليه، وكأنه باستطاعتها إيجاد أشخاص آخرين يمكنهم القيام بهذا العمل الذي يقوم به منذ سنوات طويلة، تقارب ال40 سنة. وعلى الرغم من أن الوزيرة لم تف بوعدها الذي قدمته إليه، إلا أن النساخ لم يفقد الأمل مطلقا وبفضل مساعدة أطراف أخرى لا علاقة لها بالثقافة استطاع أن يجري عملية جراحية ناجحة، ليعود بعدها إلى عمله السابق وهو نسخ بعض المخطوطات، إلى أن تعرض مرة أخرى إلى فقدان طفيف للبصر، هو ينتظر اليوم مبادرات إنسانية أخرى تتكفل به، من أجل العودة إلى مهمته في المحافظة على موروثنا.
وغير بعيد عن الحالة الإنسانية هذه التي يعاني منها أحد أشهر النساخين الجزائريين الذين لا زالوا على قيد الحياة، تحدث معنا الشيخ على أهم المخطوطات التي تحتويها الخزانة، حيث تحتوي الخزانة على كتب تهتم بعديد المجالات الفكرية، الأدبية، العلمية، السياسية، والدينية، وهو ما كان يعتمد عليه أجدادنا السابقون في تسيير شؤونهم وشؤون الدولة والمجتمع، لهذا وجب على الجهات المعنية بهذا الإرث المحافظة عليه والسعي إلى جمع المخطوطات التي لا تزال مترامية هنا وهناك، خاصة وأن هناك وعي كبير بأهمية هذا التراث الثقافي الهام بالنسبة لنا من قبل عدّة جهات حكومية وغير حكومية أجنبية، سعت ولا تزال تسعى للاستفادة والاستحواذ عليها من العائلات التي لا تزال تحتفظ بهذه المخطوطات، وذلك بعرض مبالغ مالية ضخمة جداًُ عليهم.
وأضاف المتحدث قائلاً إن العديد من الأسر والعائلات القاطنة بمدينة أدرار التي تزخر بعدد هام وكبير من المخطوطات الموجودة بالجزائر، تتعرض بشكل متسمر ودائم إلى عروض جدية من قبل بعض السياح الأجانب وبعض المؤسسات الأجنبية التي تحج سنويا إلى هذا المكان من أجل التخلي على بعض المخطوطات أو السماح لهم بنسخ عدد منها بغرض الاستفادة منها، والحقيقة أنّ هؤلاء يسعون إلى الاستحواذ عليها وجعلها ضمن موروثهم الحضاري، فيما تتعامل الجهات المعنية عندنا وعلى رأسها وزارة الثقافة، بجفاء ونوع من اللامبالاة بهذا التراث، حيث قدمت لهم وزيرة الثقافة منذ ما يزيد عن 3 سنوات وعوداً بكونها ستقدم لهم الدعم المادي والمعنوي، من أجل جمع كافة المخطوطات التي لا زالت لم تجمع بعد في هذه الخزانة، وكذا تقديم المساعد لهم في نسخ بعض المخطوطات التي أصابها التلف، لكن ظلت هذه التصريحات مجرد وعود ليس إلا، وإن استمر الوضع على حالة، فلن تبقى هذه المخطوطات موجودة، لا بخزانة كوسام ولا غيرها من الخزائن المترامية في مختلف مناطق التراب الوطني، لأن الوضع لا يتعلق فقط بهذه الخزانة فقط، بل بأغلب خزائننا.
وأشار المتحدث إلى أن الخزانة تتلقى زيارات طوال السنة من مختلف مناطق العالم، وبخاصة من منطقة الخليج العربي، وفرنسا، وبريطانيا، كما يلقى عدد من الطلبة والباحثين دروسا في الفقه والسنة، والأدب، وغيرها من المجالات التي عرف بها الشيخ سيدي أمحمد البلبالي، وهذا بهدف توعية الأجيال القادمة بضرورة المحافظة على هذا الإرث الهام.
وتعد خزانة كوسام، الواقعة بمدينة أدرار، أحد أهم الخزائن الموجودة الآن في الجزائر، والبلدان المحيطة بها، وهي خزانة أسسها الشيخ العلامة سيدي بن عبد الرحمن بن أمحمد البلبالي، الذي ينتمي إلى قبيلة البلبالي، ولدّ سنة 1250 للهجري، تفنن في جميع العلوم والثقافات، مارس التدريس وكان مجلسه مجلس إفادة، كما كان أول قاضي في عهد الاستعمار الفرنسي. عدد مخطوطاته التي تركها تقدر بحوالي 160 مخطوط، من بين أشهر مخطوطاته وأقدمها، مخطوط "مقتصد المسائل"، وهو مخطوط موجود الآن بالخزانة حيث أعيد نسخ هذا المخطوط بعد التلف الذي تعرض له، خاصة وأنه مخطوط يتجاوز وجوده الزمني 600 سنة، تماما كسابق المخطوطات التي تعرضت بفعل الزمن، إلى التلف، فيما تبقى عديد المخطوطات الأخرى غائبة عن هذه الخزانة، بفعل صعوبة جمعها من الورثة الشرعيين لهذه المخطوطات، والتي توارثوها جيلا بعد الآخر.
خزانة المغيلي - أدرار
يبدو للعيان أن خزانة الشيخ المغيلي، قاهر اليهود، أكثر خزانة تتلقى زيارات من الباحثين والمهتمين بالمخطوطات في العالم الإسلامي، كما أن المظهر الخارجي للخزانة التي تقع بجانب قبر الشيخ المغيلي رحمه الله، يبدو في حالة جيدة مقارنة بما سبقه من خزائن موجودة في ولاية أدرار، إلا أن الخزانة وأثناء زيارة "الفجر"، مؤخراً إليها، كانت في حالة يرثى لها، وهي على نفس الصورة التي كانت عليها الخزائن الأخرى، حيث طالت عمليات النهب والسرقة والتلف هذه الخزانة، منذ القدم، ولكن حرص أحفاد الشيخ المغيلي على إعادة أهم المخطوطات التي وجدت في بعض الدول الأخرى لا يزال قائماً، وهو يتوارثون حلم جمع كل مخطوطات الشيخ وإعادتها إلى الخزانة.
وفي هذا الصدد طالب عبد الله كروم، أحد أحفاد الشيخ المغيلي، بضرورة استرجاع المخطوطات الخاصة بالشيخ والتي وجدت في عديد الدول الأجنبية الأخرى على غرار مصر، إذ يقول المتحدث أن معظم التراث الصوفي للشيخ المغيلي وغيره من الشيوخ الكبار الذين تركوا آلاف المخطوطات منذ قرون سابقة، موجود الآن في عديد دول العالم، كتركيا، فرنسا، بغداد، ومصر، وهو ما يجعلهم يتساءلون كأحفاد لهذا العلامة، عن الكيفية التي وصلت فيها تلك المخطوطات إلى هذه الأماكن، والأطراف الضالعة في تهريب هذا الإرث الخاص بنا إلى غيرنا، كما استهجن المتحدث غياب الوعي لدى الورثة الشرعيين لهذا الإرث، وهو ما أدى إلى ضياع أهم المخطوطات على مرّ العصور.
ولعل أهم عائق تعاني منه مخطوطات الشيخ المغيلي اليوم، بالجزائر، هي الصراع الذي نشب بين مختلف أحفاد الشيخ، حيث إن كل واحد منهم يسعى للاستحواذ على هذا التراث، غير عابئين بالأهمية التي تكتسيها تواجد هذه المخطوطات عندنا، هذا الأمر الخطير جداً، يستوجب التدخل العاجل للجهات المعنية بالمحافظة على التراث المادي واللامادي، من أجل وأد هذه الخلافات وجعل المخطوطات جميعا في مكان واحد يستطيع الطلبة والباحثين من الاستفادة منها في بحوثهم ودراساتهم، لأن الأمور إذا خرجت عن السيطرة لن يكون أمام الجيل القادم فرصة للتعرف على أي من هذه المخطوطات.
خزانة بن عبد الكبير - أدرار
إذا كان القائمون على الخزائن الأخرى قد سمحوا لوزارة الثقافة بجرد وتصوير المخطوطات التي تتواجد هناك، ومطالبتها بمدّ يد العون لهم، فإن حفدة سيدي بن عبد الكبير، يرفضون ذلك جملة وتفصيلاً، وهذا ما أوضحه أحد أفراد عائلة بن عبد الكبير حيث قال إن اللجنة التي سبق لوزارة الثقافة وأن شكّلتها لتقوم بعملية جرد المخطوطات التي تركها الشيخ بن عبد الكبير، كانت لجنة غير مؤهلة علميا للقيام بهذه المهمة، كما أنهم أشخاص غير أكفاء ولا علاقة لهم بالمخطوط، لذلك هم يرفضون المساس بالإرث الذي تركه الشيخ سيدي بن عبد الكبير، ويحرصون على إعادة نسخ كل المخطوطات التي تركها الشيخ رحمة الله عليه، كي تبقى هذه المخطوطات منارة للعلماء والباحثين والمهتمين بمختلف العلوم والآداب، خاصة وأنّ زاوية سيدي بن عبد الكبير مفتوحة أمام هؤلاء متى رغبوا في الاستفادة من علمه ومعرفته.
وفي سياق متصل، طالب الدولة الجزائرية، بضرورة تجهيز كل الخزائن الموجودة في الجزائر، بالمعدات اللازمة من أجل العمل في جو مريح يمكنهم من نسخ المخطوطات وصيانة بعضها وفق خبرتهم هم، باعتبارهم نشأوا مع هذه الأمانة العلمية وشاهدوا آبائهم كيف حرصوا عليها من عدّة عوامل بشرية وطبيعية منذ عصور طويلة جداً.
من خلال هذه النظرة السريعة على أهم الخزائن الموجودة في مدينة أدرار، والتي تحتوي على أشهر وأندر المخطوطات التي لازالت موجودة لحدّ الساعة والتي يعود تاريخ البعض منها إلى سنة 400 للهجرة، تبيّن أن الدولة الجزائرية لا زالت لم تولي بعد اهتماما نوعيا بهذا النوع من المخطوطات الذي أصبح يعيش الإهمال، كما استغرب هؤلاء عدم سعي الدولة الجزائرية ممثلة في وزارة الثقافة في الاستعانة بالمختصين للمحافظة على هذه الذاكرة الجماعية، وطالبوا في هذا الصدد خليدة تومي بتخصيص زيارة ميدانية إلى تلك الخزائن حتى ترى الواقع المرّ الذي تعيش عليه تلك الأماكن، فدراسة التراث حسبهم لا يتم من المكاتب بل من الميدان، لهذا يجد المكلفون بإحصائها صعوبة في ذلك، خاصة وأن هناك العديد من العائلات بمدينة أدرار والتي تتحفظ لحدّ الساعة من فتح خزائنها، والتي في الغالب هي خزائن تضم مخطوطات عن تاريخ اليهود وعن أصول بعض العائلات الجزائرية الكبيرة، ذات الأصول اليهودية، الذين اندمجوا مع مرور الوقت مع المسلمين، وتصاهروا معهم أيضا، فهذا النوع من المخطوطات يقول من تحدثت معهم "الفجر"، إنها مخطوطات سرية جداً، سيعاب على أي خزانة قامت بالكشف عنهم بخيانة الأمانة التي رفض اجدادنا الحديث عنهم، لكونها مخطوطات ستسبب الضرر أكثر من النفع على الأمة الجزائرية. كما رجح البعض فكرة وجود مخطوطات لحد الساعة مكتوبة باللغة العبرية القديمة، هي الآن لدى عائلات بمدينة توات بأدرار، ولكنها تتحفظ عن ذكرها أو التصريح بها، بل ولحد الساعة لم تقم تلك العائلات بفتح الخزائن تلك.
أهم المخطوطات الموجودة بهذه الخزائن
مخطوطات، سيدي محمد الصوفي سيدي إبراهيم الواشدي، سيدي بن جوزي أحمد، مخطوطات الشيخ المغيلي، أقدم المصاحف خاصة تلك التي كتبت على الرق، الجامع الصحيح للإمام البكاري، حياة وآثار ومقولات الشيخ المغيلي، سيدي عمر الشيخ، أهم مخطوطات الطريقة القادرية.
أهم مراكز المخطوطات في الجزائر
هناك مراكز رسمية ومراكز غير رسمية، حيث نجد في المراكز الرسمية المكتبة الوطنية الجزائرية، التي تعد المؤسسة المعنية الأولى بقضايا الكتاب المخطوط والمطبوع وتنضم حوالي 4000 مخطوط، المكتبة المركزية الدكتور أحمد عروة بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية، وهي تحتوي على 719 مخطوط، المكتبة المركزية لجامعة منتوري بقسنطينة تحتوي على 480 مخطوط، مكتبة نضارة الشؤون الدينية بباتنة تحتوي على 70 مخطوط، مكتبة المركز الثقافي الإسلامي بقسنطينة وتحتوي على 170 مخطوط، مكتبة ثانوية بن رجب بتلمسان تحتوي على 100 مخطوط، مكتبة مديرية التراث بوزارة الشؤون الدينية بالعاصمة تحتوي على 700 مخطوط.
أما فيما يتعلق بالمراكز غير الرسمية، فهي في الأغلب خزائن وزوايا كالخزانات الخزانات الشعبية في منطقة أولف بالجنوب الجزائري، مكتبات أدرار بتوات وقرارة وتدكلت، مكتبة الشيخ التوهامي صحراوي بباتنة، مكتبة زاوية القرقور بسريانة بباتنة، خزانة الزاوية القندسية ببشار، خزانة الزاوية العتمانية بطولقة بسكرة، خزانة الشيخ حسين بسيدي خليفة ميلة، خزانة وادي ميزاب بغرداية، خزانة علي الراغا بأم البواقي، خزانة محمد زقادب بأولاد جلال بسكرة، خزانة زاوية محمد المخطار الحكاني بتندوف، خزانة أهل العبد بقصر الرماضين الدويرة تندوف.
ويقول المختصون بالتراث الوطني، إن حال هذه الخزائن والمخطوطات يكاد لا يختلف عمّا وقفنا عليه في أهم الخزائن الموجودة بمدينة أدرار. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل من الممكن أن نحتفي بتظاهرة بحجم تظاهرة "تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية" ونحن عاجزون عن جمع مخطوطاتنا والاهتمام بها؟؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.