تأتي الطبعة الجديدة من المهرجان الدولي للأدب وكتاب الشباب، المنعقد منذ نهاية الأسبوع الفارط بساحة رياض الفتح في العاصمة، ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري دون أي جديد يذكر، على الرغم من أن محافظة المهرجان الجديدة التي يشرف عليها الناشر عز الدين قرفي، منحت للمهتمين بهذا المهرجان الذي يأتي في طبعته الرابعة هذه السنة أملا أن يغدوا هذا المهرجان الوطني، فرصة ناجعة للحديث عن سياسة جديدة في الترويج لكتاب الجزائر لدى الآخرين، خاصة أنّ الطبعة هذه يشارك فيها عدد كبير من المهتمين بالكتاب والنشر من مختلف دول العالم. الكتاب الديني مرّة أخرى! لم تشهد الأيام الأولى من افتتاح فعاليات هذا المهرجان، الذي أشرفت عليه وزيرة الثقافة، خليدة تومي، أي جديد في الكتب المطروحة للبيع بأجنحة المعرض الذي يشارك فيه حوالي 60 ناشرا وطنيا. ورغم تصريحات المحافظ خلال الندوة الصحفية التي كشف خلالها على برنامج الدورة الجديدة، وقال فيها إنّ هذه الطبعة ستكون مختصة لكل ما يتعلق بالأدب وكتاب الشباب، إلا أنك ستفاجأ أنّ الكتب المعروضة في أجنحة العارضين سواء كانت كتب أدبية، فكرية، أو دراسات نقدية، يقابلها ويشوهها عدد كبير جداً من الناشرين الجزائريين الذين استغلوا هذا المعرض لطرح كتبهم وإصداراتهم التي لا تمت للأدب ولا لكتاب الشباب بأي شيء، فهؤلاء الناشرين الذين يفوق عددهم 20 ناشرا يعرضون في أجنحتهم كتباً كلها مخصصة للأطفال، من قصص، رسومات حائطية، أشرطة سمعية وأخرى سمعية بصرية، ما حول المعرض إلى ورشات للمطالعة العمومية الموجهة للأطفال. وحتى الكتاب الديني وجد له أحد الناشرين المشاركين في هذه الدورة مكانا لعرضه، حيث قدم هذا الناشر كتبا متعلقة ب“الطب النبوي”، “الطب البديل”، “العلاج بالقرآن”، “أشرطة الساعة”، وغيرها من الكتب الدينية، وهو ما جعل الزوار يستغربون وجود كتب من هذا النوع، في معرض يفترض أن يكون خاصا فقط بالأدب وكتاب الشباب. واستغراب الزوار الذين تحدثت معهم “الفجر” كثرة الكتب المعروضة في أجنحة المهرجان التي خصصت للأطفال، إذ أنّ حوالي 22 ناشرا من أصل 60، أفردوا جلّ أجنحتهم لعرض وبيع كتب الأطفال، وأخرى تتعلق بالدراسة، فيما اكتفى الباقي بعرض أعمال أدبية أغلبها قديمة تتعلق بالطبعات التي صدرت سنة 2007، حين كانت الجزائر “عاصمة للثقافة العربية”، والبعض الآخر حفظ ماء وجه المهرجان بعرضه لعدد من الإصدارات الجديدة خاصة تلك التي صدرت في إطار تظاهرة “تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية”. ولولا وجود الجناح الخاص بالأعمال الأدبية العالمية الذي أحدثته المحافظة خصيصا لهذا المهرجان لما وجد المثقف فرصة لاقتناء كتبه المفضلة، فعلى الرغم من أن أسعار الكتب في هذا الجناح لا تختلف مطلقا عن أسعارها في المكتبات المنتشرة بالعاصمة، إلا أنها استطاعت أن تستقطب جمهورها الخاص بها، من قراءة ومهتمين الآداب والثقافات الأخرى، وهو ما رصدته “الفجر” أثناء جولة قادتها إلى عدد من أجنحة المهرجان، ويبرر غلاء أسعار الكتب في هذا الجناح بكونها خاصة بالناشرين والمكتبيين الجزائريين. البرنامج الأدبي يحفظ ماء الوجه لعل النقطة الإيجابية التي ستحسب للمحافظة التي تشرف على هذا المهرجان، للمرة الثانية، بعد الناشر إسماعيل أمزيان، محافظ معرض الجزائر الدولي للكتاب، هو أنها استطاعت أن تقدم برنامجا أدبيا محترفا بكل المقاييس، من خلال استضافتها لعدد من أهم الأسماء الناشطة اليوم في الساحة الأدبية العربية والعالمية، سواء من خلال الكتاب أو الناشرين أو الشعراء أو الروائيين والنقاد الذين وجهت لهم الدعوة للمشاركة في فعاليات الدورة هذه، أمثال الشاعر العربي قاسم حداد، والمترجم والشاعر الإيراني موسى بيدج الذي قدم عشرات الكتاب والمبدعين الجزائريين والعرب إلى المشهد الإيراني من خلال ترجمة أعمالهم الإبداعية، مروراً بالشاعر التونسي خالد النجار الذي يعمل منذ سنوات عديدة في العاصمة النمساوية فيينا على إعطاء صورة جيدة عن المشهد الإبداعي العربي، مروراً بالشاعر الكونغولي جبريال أوكونجي، والإعلامي اللبناني البارز بيار أبي صعب، والكاتب الأفغاني عتيق رحيمي، مرورا بعدّة أسماء أدبية كبيرة أمثال الروائي المصري الشاب، سعد القرش الحاصل على جائزة الطيب صالح للرواية العربية مؤخراً، والروائية اللبنانية هدى بركات، والفلسطينية نتالي حنظل، والسورية خلات أحمد، والجزائرية المقيمة بفرنسا كوثر عظيمي، والهايتي رودنيه سانت إلوا، مروراً بعدّة أسماء جزائرية شابة أتاحت لهم الفرصة للاحتكاك مع هؤلاء وأخذ التجربة منهم أمثال بشير مفتي، سمير قسيمي، ياسين بن عبيد، سمية محنش، سليمى رحال، كمال داود، رابح بلطرش، ورشيد مختاري، وغيرهم من المبدعين الشباب الآخرين الذين لم تتح لهم الفرصة سابقا للمشاركة في هكذا حدث ثقافي هام، ولكن تبقى مشاركة المبدعين الجزائريين في هذه الطبعة قليل جداً مقارنة بالمبدعين العرب الآخرين. ندوات بلا جمهور.. رغم أنّ البرنامج الأدبي كان في القمة، من خلال سلسلة من الندوات والمحاور التي لها علاقة بالثقافة والأدب والإعلام وأدب الشباب، والثورات العربية وموجة الإعلام الالكتروني، إلا أن الندوات ظلت قابعة بين الإعلاميين والكتاب والشعراء والناشرين ليس إلا، فيما غاب المثقف العادي، والباحث، والأستاذ الجامعي، والطلاب، وحتى الجمهور العادي، وهو ما جعلت القائمين على المهرجان يشعرون بالإحراج أمام ضيوفهم الذين اعتادوا الاحتكاك أكثر مع جمهورهم الذي كانت تغص به قاعات المحاضرات، وهو ما لم يتحقق، حيث طرح غياب الجمهور عن الفعاليات والندوات التي تنطلق في وقت مناسب جدا للجميع، مع قرب مكان إقامة المعرض من الأحياء السكنية، الذي كان سيساعد على وجود عدد كبير من الزوار.. لكن لحدّ كتابة هذه الأسطر لازال عدد جماهير الندوات لا يتعدى 30 شخصا على أقصى تقدير، أغلبهم المشاركون في الندوة والصحافيين وبعض الناشرين فقط. ويبرر عدد من ضيوف الجزائر هذا الغياب إلى نقص الترويج الإعلامي لفعالية بهذا الحجم عبر مختلف وسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي التي تفرد صفحاتها للحديث عن الثقافة والفنون، تماما كما يفعل نظراؤنا العرب والأوربيون.. وهي ملاحظات هامة من شأنها أن تضع المهرجان في مصاف المهرجانات العالمية التي تعنى بأدب الشباب وكتاب الشباب، خاصة إذا وضعنا في الحسبان أنّ عمل محافظة المهرجان الجديدة لم ينطلق إلا قبل 3 أشهر من انطلاق الحدث.