لعبت تغيرات الحياة الاجتماعية بكل نواحيها دورا كبيرا في تغيير ترتيب أولويات الأزواج الطامحين لإنشاء ظروف حياة مناسبة وأحيانا مرفهة، لذا يسعى العديد منهم لتأجيل قرار الإنجاب إلى حين توفر هذه الظروف، كما يتحجج البعض برغبتهم في عيش مدة من الزمن بهدوء ودون مسؤوليات. يسعى كل من الزوج والزوجة عند اتخاذ قرار الارتباط لتحقيق آمالهما في العيش بسعادة وتكوين أسرة تحقق لهم هذه الآمال، غير أن بعضهم يفضل تأجيل عيش هذه السعادة إلى حين ضمان مستقبل جيد لأبنائهم سواء من الناحية المادية أو من حيث الظروف المحيطة، لذا تقوم الزوجة بتأخير الإنجاب إلى أجل مسمى. عدم امتلاك منزل خاص، الطموح لتحقيق نجاحات عملية، الرغبة في تحصيل المال الكافي، الخوف من عدم الانسجام مع الطرف الآخر، وأحيانا تفضيل قضاء شهر عسل طويل الأمد.. هي ضمن الأسباب التي تدفع الزوجين إلى تأجيل قرار الإنجاب. السيدة سعاد، 24 سنة، هي إحدى هؤلاء اللاتي امتنعن عن الإنجاب لفترة دامت أكثر من ثلاث سنوات من زواجهن. وعن سبب هذا التأخير تقول:”لم نكن نملك منزلا خاصا بنا، لذا فضلت أنا وزوجي أن لا نغامر بإنجاب طفل لم نهيئ له الظروف المناسبة، إضافة إلى أن دخلنا لم يكن يسمح بذلك”. أما ليلى التي بالرغم من مرور خمس سنوات على زواجها لا تزال مصرة على رأيها في تأجيل الإنجاب قائلة:”ظروف عملي الحالية لا تسمح لي بالإنجاب، فتواجدي لأكثر من 7ساعات في المكتب لا يمكنني من رعاية طفلي، كما أنني لا أحبذ فكرة المربيات”. أما بعض السيدات فترجع سبب تأجيلها للإنجاب إلى خوفها على مستقبل علاقتها الزوجية، حيث تفضل بعضهن التأكد من انسجامها واتفاقها مع زوجها للإقدام على الإنجاب. وفي ذات السياق تقول السيدة فوزية:”لم أنجب إلا بعد 4 سنوات، وذلك بسبب بعض الخلافات التي كانت بيني وبين زوجي، وعندما أحسست أن بإمكاننا إنجاب طفل نضمن له العيش باستقرار قررت فعل ذلك“. كما يعتبر الكثير من أرباب العمل عطلة الأمومة عائقا يقف دون مصالح المؤسسة، لذا يلعبون دورا مهما في تأخير إنجاب موظفيهم، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي هذا الصدد يقول (جمال.ك)، صاحب إحدى المؤسسات الصغيرة:”أدرك يقينا أن الإنجاب حق لأي متزوجة، إلا أن ذلك قد يؤثر على مردودية المؤسسة أثناء عطلة أمومتهن، لذا أتضايق عندما تخبرني إحدى الموظفات بحملها”. الطب يحذر من نتائج تأخير الإنجاب أوضحت العديد من الدراسات أن تأخير الإنجاب بإرادة الزوجين يمكن أن يسبب تعقيدات مستقبلية، خاصة إذا طالت مدة التأجيل. وفي هذا الخصوص تقول الدكتورة سايشي المختصة في أمراض النساء والتوليد:”يسعى بعض الأزواج لتأجيل الحمل عن طريق لوالب منع الحمل أوتناول حبوب منع الحمل، الأمر الذي يحدث خللا في جهازهن التناسلي، خاصة فيما يتعلق بعمل المبايض، لذا تحصل لهن صعوبات مستقبلا عندما تقررن الإنجاب”. أما عن نتائج الإنجاب في عمر متقدم تقول الدكتورة سايشي:” إن النساء المتقدمات في السنّ هنّ أكثر عرضةً للإصابة بمشاكل أثناء الحمل، كارتفاع ضغط الدم وانفصال المشيمة عن جدار الرحم، وسكري الحمل، واحتمال إنجاب جنين مصاب بمتلازمة دوان (المنغولي)، وقد تكون لهذه الحالات انعكاسات خطيرة على صحة الحمل والجنين في آن واحد، كما أنّ نسبة احتمال وفاة الجنين في هذه السن تكون معتبرة”. كما أوضحت أنه كلما كان سن الإنجاب متقدما كان ذلك أفضل لحياة الجنين ولصحة الأم على حد سواء، معتبرة العشرينيات أفضل الأعمار للإنجاب، أين تكون خصوبتهن أفضل، كما أن الأطفال المولودين لآباء متقدمين في السن أكثر عرضة للاختلالات الجينية. الإسلام ضد قرار تأجيل الإنجاب لعلماء الدين نظرة تكاد تكون موحدة في مسألة تأخير الإنجاب أومنعه مهما كانت الأسباب، فأغلبهم يرفض الفكرة معتمدين في ذلك على قوله صلى الله عليه و سلم: “تكاثروا تناسلوا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة”. وفي ذات السياق تقول الأستاذة (حسيبة.م):”لا يمكن لأي سبب مهما كان أن يبرر لجوء الأزواج لتأخير الإنجاب، لأن ذلك يعارض المشيئة الإلهية في تعمير الأرض وخلافتها، إلا إذا كان في ذلك خطر على حياة الأم”. وعن أسباب التأجيل التي قد تكون في الغالب مادية، تقول الأستاذة حسيبة:”إن ذلك تطاول وسوء أدب مع الرزاق سبحانه وإساءة الظن به وضعف التوكل عليه، فالله قد كتب قضاء الجنين ورزقه قبل أن يخلقه بملايين السنين، وهو الكفيل بضمان رزقه”.