كانت قاعة السينماتيك بالعاصمة، مساء أول أمس، مليئة عن آخرها بجمهور سينمائي متميز، والمناسبة عرض فيلم ”جنوب الحدود” للمخرج الأمريكي أوليفر ستون، الذي حضر قبل العرض ليكرّم من طرف وزيرة الثقافة. الفيلم عبارة عن شريط وثائقي متميز، عالج من خلاله المخرج ”جبهة” الصمود في أمريكا اللاتينية، التي يقودها الرئيس الفنزويلي، إيغو شافيز ورؤساء دول أخرى، التي تشكلت لمواجهة التدخل الإمبريالي الأمريكي في الشؤون الداخلية لهذه البلدان، التي بدأت تشكل طفرة في العالم بنهضتها الاقتصادية وبانفلاتها من القبضة الأمريكية، عكس ما نعيشه هذه الأيام في العالم العربي من ثورات مزعومة، وفي الحقيقة ما هي إلا لعبة أمريكية مفضوحة لقلب الأنظمة. لن أتحدث عن تفاصيل الشريط الوثائقي، الذي تحدث فيه بإسهاب كل من شافيز، موراليس، لولا، كاسترو وغيرهم ممن حاولت وكالة المخابرات الأمريكية العبث في حكوماتهم بمحاولة تأليب الرأي العام عليهم ب ”ثورات” مشبوهة ففشلت، ولم تجد أمامها إلا العالم العربي تعيث فيه فسادا بمساعدة شيوخ الخليج المنبطحين، لكن أتحدث عن الفارق بيننا في هذا الشرق الموبوء وبينهم، الجيران الأقرب من أمريكا ويعرفون جيدا ”الطاعون” الذي تشكله بالنسبة للعالم ولكل من أراد أن يبني هوية ودولة قوية. فمن خلال الفيلم، نستشف بوضوح أن أضحوكة ”الربيع العربي” أو ”الثورات” التي حركت هنا وهناك، ما هي إلا سيرك أمريكي بإخراج قطري، والكومبارس فيه الشعوب المتعطشة للحرية، المغلوبة على أمرها من طرف أنظمة عميلة للغرب ولأمريكا تحديدا، وشتان بين ثورة إيغو شافيز وموراليس، وثورة الشباب العربي، التي تفتقر إلى قائد وإلى زعيم وفكر وهدف وتأطير، فالثورة هي أولا مشروع تغيير وقادة أو زعماء يؤطرون ويحاربون من أجلها ولن تتوقف حروبهم إلا بالوصول بها إلى نتيجة، إلى اكتمال المشروع، وقد اكتمل مشروع السد الجنوب أمريكي الذي فوت على بوش إغراق أمريكا اللتينية في الفوضى التي يغرق فيها الآن العالم العربي، فها هي بلدانهم تحقق تقدما في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتفرض نفسها كقوة استراتيجية تحسب لها أمريكا ألف حساب. وها هو العالم العربي، أو بالأحرى ”وطن بني كلبون”، على حد تعبير الزميل بشير حمادي، الذي كتب مرة مقالا بهذا العنوان حول الهوان العربي الذي تشبه خارطته كلبا فاتحا فاه صوب الخليج، هاهو وطن ”بني كلبون” يغرق في الدم، بعد أن وجدت أمريكا أفضل طريقة لتفكيكه والسيطرة على شعوبه وخيراته بأقل الخسائر، فهي لم تعد قادرة على تكاليف حرب بمستوى حرب العراق أما ما تعيشه من أزمات ومديونية. وها هي تسقط حكامه واحدا تلو الآخر، مستغلة انسلاخ هؤلاء الحكام عن شعوبهم، والدوس على كرامتهم بالإبقاء عليهم سجناء الفقر، متعطشين إلى الحرية والديمقراطية التي كافحوا من أجلها شتى أنواع الاستعمار. فأين لنا بإيغو شافيز أو موراليس .. حكاما يشبهون شعوبهم، مثلما جاء على لسان أحدهم في الفيلم المذكور .. حكاما وجهوا مداخيل نفطهم لتسديد المديونية والتحرر من قبضة استعمار صندوق النقد الدولي، وبنوا اقتصادا قويا وحموا ثرواتهم ونفطهم من الجشع الأمريكي، ولهذا السبب لم تتمكن ال ”سي أي أي” من الإطاحة بشافيز، في محاولة الانقلاب التي دبرتها له لأن الشعب الواعي والواثق في رئيسه هو من تصدى للانقلاب، وأعاد شافيز إلى الحكم ولم تجد أمريكا أمامها إلا العرب السذج لتفعل بهم ما تشاء، وتنهب نفطهم وتشتت صفهم، ولتكتمل النكتة، ها هي تدعم واحدا من ”بني كلبون” ليكون زعيما علينا يأمر وينهي باسم أمريكا.