تكاد فترة غياب الأغنية الصحراوية تطمس وجودها من قائمة الأنواع الغنائية المعروفة في الجزائر، رغم أن هذا اللون صنع بريقه أيام خليفي أحمد وعبد الله المناعي، اللذين أخرجا ألحان الطابع الصحراوي إلى خارج حدود الوطن، غير أن ما يعرفه هذا النوع الغنائي في الفترة الراهنة هو تغييبه من من طرف الإعلام بشكل خاص، لأن هذا الأخير يلعب دورا هاما في إضاءة الزوايا المظلمة أحيانا والمضللة في أحيانا كثيرة، وذلك هو واقع الأغنية الصحراوية في السنوات الأخيرة. ولرفع اللبس عن المرحلة الصعبة التي يعيشها هذا اللون الغنائي الذي طالما صدحت به أقوى الحناجر وطنيا ودوليا، انتهزنا فرصة لقاءنا بالفنان محمد لعراف، الذي غاب عن الساحة الفنية في الآونة الأخيرة، عله يجيبنا عن بعض تساؤُلاتنا فكان لنا معه هذا الحوار.. كيف يقيّم محمد لعراف حضور الأغنية الصحراوية في الساحة الفنية الجزائرية؟ مُغيبَة تماما، وأنا أعني ذلك لأنها لم تغب من تلقاء نفسها أو لانعدام فناني هذا الطابع، بل لازلنا نحافظ على هذا اللون الفني الذي تربت آذاننا عليه، وإنما المشكل أنها غُيِبتْ عن قصد وحجبت عن الظهور بسبب التهميش الذي يعيشه الفن بكل ألوانه من شعر، مسرح، موسيقى، وغيرها في الولايات الجنوبية من الوطن. هل يمكن أن نرجع هذا الغياب إلى نقص الكُتَاب والمُلحنين؟ لا أبدا، لا يمكننا قول ذلك لأن النصوص موجودة وكذلك الألحان، وأعطيك أمثلة عن شعراء قدموا نصوصا مميزة في هذا الصدد، على غرار بشير مفتاح والمرحوم الشاعر الكبير بلقاسم، وإنما التقصير الذي تعرفه الأغنية الصحراوية جاء من طرف القائمين على الشؤون الثقافية في البلاد، خاصة فيما يتعلق بالأسابيع الثقافية التي باتت حكرا على وجوه معينة، حيث تجوب هذه القوافل مختلف الولاياتالجزائرية بنفس الأسماء الفنية. كما أن هذه الجولات الفنية تتجاهل تمثيل الأغنية الصحراوية في مثل هذه المناسبات، لذلك فأنا ألقي باللوم عليهم.. وأنا أعني ما أقول. هذا يعني أن محمد لعراف لم يشارك في أي خرجة فنية السنة الماضية؟ أنا لم أنف نفيا قاطعا مشاركتنا، لكنه نادرا ما تُوجه لنا دعوات لتفعيلنا في مختلف النشاطات الفنية، وآخر مشاركة لي كانت في مهرجان الأغنية الصوفية بولاية الوادي أين قدمت مجموعة من الألحان الطربية الأصيلة التي تفاعل معها الجمهور بحِس راق، خاصة أن مثل هذا التجاوب يفتح شهية الفنان للعمل أكثر وتقديم الأفضل لمحبيه، كما يساهم ذلك في تمثيل الأغنية الصحراوية أحسن تمثيل. ماذا عن الجيل الصاعد الذي يأمل فيه السلف حَمْل مشعل هذا اللون الغنائي؟ لا يمكن نكران هذا الأمر، لأن هناك من الشباب من تبنى الأغنية الصحراوية وهي مسموعة جدا في الجنوب، غير أنه بسبب التهميش الذي تعيشه المناطق الجنوبية على جميع الأصعدة وليس فقط في المجال الفني، بقيت محاولات هؤلاء الشبان مقبورة في الحدود المحلية ولم تتمكن من الخروج عن هذا الحيز الضيق الذي رُسِم لها، كما أن التعتيم الإعلامي لعب دورا كبيرا في حصر الطابع الصحراوي في دائرة مغلقة أشبه بالشرنقة، لذلك لم يتجاوز تمثيل الأغنية الصحراوية حدود الحفلات والأعراس المحلية. ما هو الحل في رأيك حتى يعود للطابع الصحراوي بريقه؟ الحل الوحيد لإخراج الطابع الصحراوي من العزلة التي يقبع فيها وإعادة تفعيله في الساحة الفنية.. هو خلق ديناميكية خاصة به من خلال الأسابيع الثقافية والجولات الفنية عبر مختلف الولاياتالجزائرية، كما نتمنى استحداث مهرجان الأغنية الصحراوية لأنه الكفيل برد الاعتبار لها خاصة من خلال الندوات والمحاضرات التي تنظم ضمن مثل هذه التظاهرات، حتى تمنح لها الفعالية كغيرها من الأنواع الغنائية الأخرى كالشعبي، الأندلسي، المالوف، وغيرها. وغياب تظاهرة تُرسِخ هذا اللون الفني هو ما أعتبره إجحافا في حق الأغنية الصحراوية. هل يمكننا التعرف على جديد الفنان محمد لعراف؟ أحضّر لتسجيل ألبوم جديد يضم مزيجا من الأغاني الجديدة والقديمة التي سأعيد تسجيلها، وعلى رأسها أغنية "حيزية". ومن بين العناوين الجديدة التي سيضمها الألبوم أغنية "صحيبي"، ومديح ديني عنوانه "صلوا على زين التاج" و"المفرج على العباد"، وأنا بصدد البحث عن شركة تتبنى هذا الإنتاج الفني، حيث أتوقع أن يصدر هذا الجديد خلال الأشهر القادمة.