ترى لماذا عمدت الأحزاب السياسية عندنا إلى البحث عن المرشحين في قوائمها بين رجالات الرياضة والفن والمال وحتى الوجوه المتلفزة؟! حزب يرشح بلومي في معسكر ليجلب به أصوات المعسكريين الشباب.. وحزب آخر يرشح روراوة ليجلب به جماعة الكورة وحزب يرشح حكيم دكار جحا أملا منه في حصد أصوات محبي المسلسلات! الزميل رشدي رضوان رئيس التحرير اقترح على حزب حمس أو الأفالان أن يستورد أبطال المسلسلات التركية أو البرازيلية لترشيحها أو على الأقل للقيام بالحملة الانتخابية لصالح هذه الأحزاب ومرشحيها! حتى اللاعب الأرجنتيني الأسطورة قيل أنه سيزور الجزائر وربما سيقف إلى جانب مرشح من المرشحين خلال الحملة الانتخابية في مهرجان شعبي! والآن فهمنا لماذا سيزور رئيس الفيفا الجزائر قريبا.. وسيتصور مع روراوة في مهرجان شعبي مادام روراوة سيترشح لعضوية البرلمان! مثل هذه الظواهر التعيسة تدل على أن الأحزاب السياسية أصبحت خالية من السياسة.. لأن رجالاتها أقل شعبية من رجال الكرة ورجال المسلسلات التلفزية ورجال الإعلام التلفزي! وعندما تكون مذيعة تلفزيونية فاشلة مهنيا أحسن من زعماء أحزاب سياسية وأعضاء في قيادتها.. فذاك يعني أن هذه الأحزاب ينبغي أن تستخلص الدرس وتختفي من الحياة حتى ولو كانت أحزابا تحمل عنوان تحرير البلاد أو عنوان تسيير البلاد في الآونة الأخيرة! ماذا يعني أن تقرر قيادة أحزاب في الحكم منع وزرائها من الترشح؟! ماذا يعني أن تعلن الأحزاب منع قيادتها من الترشح بحجة فتح المجال للشباب وللذين يجلبون الأصوات من رجال الكرة والفن والإعلام؟! أليس هذا في حد ذاته دلالة على إفلاس الأحزاب وإفلاس النظام بالكامل؟! هل العبرة في الانتخابات القادمة هي كسب الأصوات المؤيدة لحزب ما عبر النصب على الشباب الناخب بأسماء المشاهير في الكرة والفن والإعلام أم العبرة في كسب الأصوات لبرامج أحزاب ورجال أحزاب يفترض فيهم أن يكونوا أحسن ما هو موجود في المجتمع في الحقل السياسي والمعرفي؟! أليست مثل هذه الممارسات غير السياسية احتيالا على الناخبين؟! العلاقة بين الفساد والرداءة السياسية أصبحت علاقة عضوية؟! ولذلك لم يعد المحتوى السياسي للمترشحين له قيمة في السياق الانتخابي القادم بل المهم هو عدد الأصوات التي يحصل عليها كل حزب لأن العبرة لم تعد بالبرامج والرجال.. بل العبرة أصبحت بالهف السياسي والفساد المالي. الصراعات على المشاهير بلا معنى كرجال الكرة والفن والإعلام أصبحت سمة الانتخابات.. بل إن الصراع داخل الأحزاب نفسها قد تطور إلى مظاهر مشينة لم نكن نتصورها قبل اليوم. كل الناس تتحدث هذه الأيام عن خلافات داخل حزب حمس بين الغول والجرة! واليوم يخرج علينا أبو جرة بتصريح سياسي فيه من الذكاء السياسي ما يجعل حمار الحكيم يفقد عقله! أبوجرة أراد أن يحرج الغول فقال إنه سيكون رئيس البرلمان القادم باسم حمس.. وهو في الحقيقة يريد أن لا يكون الغول كذلك! فالبرلمان القادم أصبحت رئاسته في المزاد العلني الآن.. فالأفالان تريده حكرا لها وتحضر له في لحية بلخادم باسم الأفالان الملتحية! والإسلاميون المنبطحون يريدون غير بلخادم وغير أبي جرة وغير أي إسلامي منبطح! لكن أبو جرة قالها صراحة: إن من بيده أمر تولية رئاسة البرلمان قد قرر أن يكون الغول هو رئيس المغارة القادمة التي تسمى البرلمان! وهو في الحقيقة يريد أن يشوش عليه ولا يلمعه بهذا التصريح! الأرندي قد يكون ما يزال زاهدا في أمر رئاسة البرلمان.. ويريد فقط الاحتفاظ بالحكومة ومجلس الأمة لأن الوصول إليهما يتم عبر التعيين وليس الانتخاب.. والأفالان يريد أن يضع على رأس قائمة الجبهة في العاصمة شخصا مثل روراوة لجلب الأصوات ولا يطمح أو يطمع في رئاسة البرلمان.. وفي نفس الوقت يبعد الوزراء كل الوزراء الذين يمكن أن ينافسوا غول في رئاسة البرلمان! وهنا تلعب الجهوية والنضال بشهادة الميلاد دورها في قضية رئاسة المؤسسات الدستورية القادمة. إلى هذا المستوى وصل الانحطاط في الأداء السياسي للأحزاب.. وإلى هذا المستوى انحطت قيادات الأحزاب وأدوات حكم البلاد! برلمان يختار بهذه الطرق التعيسة يناط به تغيير الدستور.. برلمان فيه رجال الكرة ورجال المسلسلات المتلفزة وصحافيو حل وارتحل في تلفزة البؤس الإعلامي.. برلمان هذه هي تركيبته السياسية الضاربة لا يمكن إلا أن يدفعنا إلى أن نشهد ونحوقل على وضع البلاد! المصيبة أن نظاما فاسدا وأحزابا أكثر منه فسادا لأنها امتداد له هي التي تختار رؤوس القوائم بطريقة كارثية.. ثم تقوم هذه الجهات بالاحتيال والنصب على الناخبين باصطياد أصواتهم بأمور غير سياسية بالمرة.. فبعد عملية تزوير الأحزاب القائمة والأحزاب القادمة.. جاءت عملية تزوير المرشحين وها هي عملية تزوير الناخبين قد خطت خطوة أخرى.. لأن القوة السياسية الناخبة القادمة لن تكون القوة السياسية الواعية بل وستكون قوة الملاعب الرياضية وقوة متتبعي المسلسلات الخاصة بالمجتمع الممحون.. وبذلك تدخل البلاد في كارثة تزوير الحياة السياسية بصورة أخرى فلا نتصور آثارها المدمرة في الوقت الحاضر! وقد تنسينا في كارثة تزوير الأحزاب وتزوير المؤسسات الدستورية التي تمت منذ سنوات وأدت إلى ما نحن فيه من محن! فهل لو كانت الدولة والسلطة على الخصوص سمحت بتكوين أحزاب سياسية حقيقية ومكنتها من تنظيم المجتمع في تنظيمات سياسية حقيقية موصلة للسلطة.. هل كانت البلاد تصل إلى حد أن تستعين بجمهور الكرة والفن والإعلام المزيف في شحذ الأصوات في الانتخابات القادمة؟! إن ما يحدث الآن يوحي بأن البلاد ستدخل بالانتخابات القادمة نفقا أشد عتمة مما هي فيه الآن... ولا مجال للمكابرة وإنكار ما ينتظرنا كشعب وكأمة، فهذه هي نتائج سياسة قيادة البلد من إفلاس سياسي إلى إفلاس آخر أشد منه!