إرهابيو الشمال يركنون إلى السكون لاسترجاع أنفاسهم اصطدمت الجهود الجزائرية المبذولة في سبيل تكسير شوكة الإرهابيين الناشطين في الساحل بالأحداث المتتالية لدول الجوار التي كانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، ووجدت الأجهزة الأمنية نفسها في مواجهة فلول تتوفر على ترسانة من الأسلحة تكفي جيشا كاملا حصلت عليها من الحدود الليبية في وقت كانت تسجل آخر مراحل وجودها لتفسح المجال أمام خطر أعظم خلفه الانقلاب في مالي وتكرر سيناريو تسرب الأسلحة وتصارع المقاتلين للاستحواذ عليها على بعد أمتار فقط من الحدود الجزائرية. لم يلبث ما يعرف بتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أن أمن نفسه من حيث مخزون السلاح الذي يمكنه من قول كلمته في عالم لا يزال يخشى لغة السلاح والقوة حتى وجد بابا آخر يستمد منه آلات الموت وصواريخ الرعب، كما تمكن من إخفاء شحنات معتبرة في عمق الصحراء لاستغلالها وقت الحاجة، وبغض النظر عن النجاحات التي حققها الجيش الجزائري في تأمين حدوده وتوقيف الإرهابيين ومعهم ما تم تهريبه من الأسلحة من الجهة الشرقية إلا أن استمرار الاستقرار النسبي داخل الأراضي الجزائرية في مقابل الانفلات الأمني في كل من مالي وقبلها ليبيا، أعطى الجماعات الإرهابية في الساحل - والتي أضحى يتزعمها نبيل مخلوفي المدعو نبيل أبو علقمة الذي أرسله دروكدال لرأب الصدع بين أبي زيد والأعور - حرية في بلوغ أهدافها أكثر من مرة. وحسب متتبعي الشأن الأمني فإن الانقلاب الذي قادته مجموعة من الضباط الصغار على الرئيس المالي رفع درجة خطورة منطقة الساحل إلى أقصاها، وفتح الباب على مصراعيه لظهور دولة جديدة موازية تقوم على "الفوضى والجنون" والقتل أيضا وفق استراتيجية البقاء للأقوى، بعيدا عن الأعراف الدولية، تعود الكلمة فيه إلى الماليين المسلحين بمختلف أطيافهم، الطوارق المتمردين، مافيا التهريب وجماعة "القاعدة في المغرب" التي تتلقى أوامرها من داخل الجزائر التي تتمنى العودة إليها للانتقام من جعلهم يزحفون هربا نحو شمال مالي بعد استحالة تفعيل نشاطهم في ظل التشديد الأمني المفروض عليهم، غير أنهم وبعد فترة تزيد عن الأربع سنوات تمكنوا من فرض أنفسهم بين عصابات التهريب ومافيا الساحل وكذا المتمردين، وتلقوا ترسانة من الصواريخ على طبق من فضة. فيما استقبل أتباع الإرهابي عبد المالك دروكدال المكنى "أبو مصعب عبد الودود" أخبار التوترات على الحدود الجزائرية بخطط جديدة لاسترجاع الأنفاس بعد ضربات قاسية قلصت خطورتها، وهو ما صرح به وزير الداخلية والجماعات المحلية دحو ولد قابلية الذي أكد أن الخطر الإرهابي لا يتمركز إلا في الحدود خاصة المالية منها، في حين أنه لا يمثل إلا مجرد عمليات لإثبات الوجود في جبال القبائل. وحرصت على استغلال الأوضاع التي تحدث في الساحل للتمتع بالاستقرار الذي يمكنها من إعادة ترتيب البيت وتوزيع المناصب، خاصة بعد الإطاحة بجل العناصر التي كانت تتزعم الكتائب والسرايا. وحسب مصدر أمني فإن الإرهابيين، خاصة القابعين بمنطقة القبائل يعملون على جمع الأموال من خلال الاختطافات وذلك لشراء الأسلحة المسربة بشكل مخيف جعل المافيا تفعّل نشاطها لاستغلال الفرصة وركوب موجة التوترات التي تشكو منها جل الدول المجاورة للجزائر. وعملت الجماعات الإرهابية على تأجيل ارتكاب العمليات الاعتدائية لعدم لفت الانتباه وضمان إعادة هيكلها التنظيمي دون ملاحقة أمنية تفسد عليها المخطط الدموي. عادل. ش رفض مباركة الانقلاب واعتبر العودة إلى العمل بالدستور "مستحيلة" الإعلام المالي يحذر من تداعيات الانقلاب العسكري على المنطقة شاركت وسائل الإعلامية المالية التي تمكنت من الصدور بعد 48 ساعة من حدوث الانقلاب العسكري، أراء المجتمع الدولي الذي تخوف من تداعيات الانقلاب العسكري على الحياة السياسية والأمنية في منطقة شمال إفريقيا بشكل عام، واستبعدت وسائل الإعلام المالية أن يتمكن المجتمع الدولي من إعادة الرئيس المخلوع إلى سدة الحكم وإعادة أوراق الحياة السياسية إلى حالتها الدستورية. في وجهة نظر تعكس آراء الشارع المالي، نشرت صحيفة "أفيبون" المالية تقريرا يعكس مخاوف الشعب المالي من تداعيات المرحلة القادمة بعد الانقلاب العسكري، وقالت الصحيفة إن ما يؤرق الشارع المالي هو غموض المرحلة القادمة وكيف سيتم تنظيم الانتخابات التي كانت مقررة منتصف الشهر القادم. وأوضحت الصحيفة أن القلق يعد حالة لا تزال تنطوي على العديد من الشكوك من المجهول، خصوصا مع انتشار الأسلحة لدى الجماعات الدينية والعصابات، ما يهدد العاصمة المالية بماكو بالتعرض لعملية انقلابية ثانية وربما ثالثة على حد قول الصحيفة. وسجلت الصحيفة شهادات المواطنين في العاصمة بماكو، الذين أكدوا استمرار القتال في شوارعها وانتشرت عمليات النهب والسطو المسلح على المنازل والمحلات، كما قالت الصحيفة إن "هناك مواجهات بين القبعات الخضراء والحمراء، وهناك قتلى". وهي المخاوف التي أكدت عليها صحيفة "ليكوا" المالية في تقريرها الأخير قبل أن تتعرض للتوقيف تحت ظروف الانقلاب مشيرة إلى أن حالة الخوف والفوضى انتشرت وبقوة في العاصمة. من جهتها أوضحت صحيفة "مالي واب" الإلكترونية المالية، أمس، أن عهد الانقلابات العسكرية لم يعد أسلوب يرضى المواقف الدولية التي أضحت تعمل كمنظومة واحدة وهو ما يعكس أهمية الاجتماع الدولي الذي سيعقد بعد غد لدراسة الأوضاع في مالي، وأوردت الصحيفة مقالا للخبير السياسي إسماعيل سيسي المرشح لرئاسة مالي يؤكد فيه أهمية الإفراج على جميع المعتقلين بمن فيهم الرئيس المالي أمادو توماني توري المحتجز من طرف الانقلابين. وأوضح إسماعيل أن الآلاف من سكان العاصمة باماكو التزموا منازلهم منذ حدوث الانقلاب خوفا من تعرضهم للاعتداء من قبل من أسماهم "المتمردين"، في إشارة إلى من قاموا بقلب النظام في مالي. وأشار إسماعيل إلى أن مالي كانت على أبواب انتخابات تعطي الحياة السياسية في مالي نفسا ديمقراطيا جديدا إلا أن الانقلاب فتح الأبواب أمام الفوضى، كما قال الخبير إن "الانتخابات كانت ستعطي للشعب المالي صكا يمكنها من محاربة الفقر وانعدام الأمن، فدولة مالي تعاني بسبب سلسلة الانقلابات العسكرية التي تجعلها في كل مرة رهينة ظروف تحول بينها وبين تحقيق التقدم كغيرها من الدول رغم ما تتمتع به من إمكانيات هامة". وفي المقابل، كشف استطلاع للرأي أعدته صحيفة "أنفو مالي" المالية، أن 62٪ من الذين شملهم الاستطلاع يعارضون الانقلاب، في مقابل 28٪ يعتقدون بأهمية الاستطلاع فيما 9٪ التزموا الحياد، وهي ذات الأسباب تقريبا التي عكسها استطلاع الرأي الذي أجراه موقع "مالي واب" الذي أوضح أن هناك إجماعا على عدم اطمئنان الشارع المالي من تداعيات الانقلاب على المدى الطويل، خصوصا وأنه جاء قبل أيام فقط من عقد الانتخابات الرئاسية التي كانت لتؤدي إلى رحيل الرئيس عن السلطة بطريقة سلمية ودون إدخال البلاد في دوامة من الفوضى السياسية والأمنية التي لها تداعيات كبيرة على شمال إفريقيا، كما تؤكد الصحيفة أن 6٪ فقط من المستطلعين أكدوا على أهمية الانقلاب العسكري. علال محمد توظيف ورقة التوارق تعيد الأمن بالساحل إلى منطقة الصفر النقيب أمادو حيا سانجو تدرب عسكريا على يد واشنطن لا يخلو الانقلاب العسكري الذي نفذته "كمشة" من عناصر الجيش المالي بقيادة شخصية أمادو حيا سانجو، الذي يحمل رتبة نقيب فقط، وليس إطار بارز في المؤسسة العسكرية المالية، من الرعاية الأجنبية، بدليل أن قائد الانقلاب تلقى تكوينا عسكريا متخصصا لمدة ست سنوات بالولاياتالمتحدةالأمريكية في مجال مكافحة الإرهاب، وهي ورقة تضاف لورقة التوارق التي لاتزال مدة صلاحيتها سارية في نظر واشنطن لخلط الأوضاع بالساحل والتدخل بعدها، للاستحواذ على الخيرات كاليورانيوم ومنابع النفط. قائد الانقلاب تدرب على يد واشنطن بتكساس، أريزونا وجورجيا والمميز في الانقلاب العسكري الذي قاده النقيب حيا سانجو عن الانقلابات السابقة التي شهدتها مالي سنة 1991 لقلب نظام موسى طراوري، هو أن الانقلاب آنذاك قاده أمادو توماني توري الذي يحمل رتبة جنرال، فضلا عن هذا فإن السجل المهني للنقيب يظهر عامل الرعاية الأجنبية وليس مركز القوة بالمؤسسة العسكرية المالية. وما يؤكد هذا الطرح أيضا هو البرقية التي وضعها أحد الساسة الأمريكيين الذي تحفظ عن الجهر باسمه بالموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، حيث ذكر أن أمادو حيا سانجو قد تلقى عدة تدريبات عسكرية بالولاياتالمتحدةالأمريكية وأقام ربطا بين الانقلاب العسكري ورعاية واشنطن له، و برر اختيار الإدارة الأمريكية للنقيب بكون ملفه خال من الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان. كما يظهر ضمن سجل النقيب أمادو حيا سانجو، قائد ما يعرف ب "اللجنة الوطنية للإصلاح والديمقراطية"، علاقة وطيدة بينه وبين واشنطن، إذ تلقى تكوينا من سنة 2004 إلى غاية 2010، لكن على فترات مختلفة، وكانت محطة التكساس أول قاعدة عسكرية مخصصة لتكوين الجنود الأجانب يلتحق بها النقيب، وفي ديسمبر 2007 رجع أمادو حيا سانجو إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية من جديد لتلقي تكوين في المحطة البرية العسكرية بأريزونا، وانتهي التكوين في جويلية 2008، ليعود مرة أخرى للاستفادة من تدريبات عسكرية معمقة في مجال مكافحة الإرهاب ومهام أخرى على يد الأمريكيين في جورجيا انطلق من شهر أوت 2010 حتى شهر ديسمبر. التوارق ورقة غير منتهية الصلاحية في يد الأجانب بمنطقة الساحل ومن ضمن الأوراق الأخرى، التي وظفت ولاتزال مدة صلاحيتها طويلة من طرف العديد من الدول الأجنبية، وفي طليعتها واشنطن، ورقة الأقليات، هو ما يسقط على التوارق بمنطقة الساحل، الذين يتوزعون على المناطق الحدودية مشتركة بين الجزائر جنوبا ومالي شمالا وليبيا بالجنوب الغربي والنيجر بالشمال الغربي. وأول من استغل هذه الورقة واشنطن، حيث توظف ورقة الأقليات دائما، واختارت الرئيس المخلوع، معمر القذافي، كرقم فاعل لتطبيق أجندتها، ومن جملة ما كان يقوم به القذافي تحريض توارق الجزائر على العصيان، ويشركهم في جميع المناسبات الدينية والأعياد لإقامة صلاة العيد والاشتراك في سهرات في شهر رمضان ويغدق عليهم الخيرات، لكن حرص أعيان توارق الجزائر على الوحدة الوطنية حال دون قيام أي عصيان، سيما وأن الحكومة الجزائرية عززت من تنميتها للجنوب الكبير، حتى تقطع الطريق أمام أي استثمار في المشاكل الاجتماعية للسكان والتدخل عبر تحريضهم. ونفس المنطق الذي نفذه القذافي، باعتباره راعي فكرة قيام الدولة الترقية مع توارق الجزائر، كررها مع توارق مالي والنيجر، وقد نجح في تأطيرهم خلال الحرب الليبية حيث كانوا في صفوفه الأمامية. كما خدمت الحرب الليبية عامل تمرد الازواد، المتشكل من أغلبية ترقية، أكثر من تمرد 2006، الذي نجحت الجزائر في تسويته، وقد نجح الناتو في تسليح الازواد ودعمهم بالأسلحة والمعدات والأموال بعد فراغها مباشرة من الحرب الليبية، والدليل هو السيطرة التي حققها الازواد ضد عناصر الجيش المالي، بالنظر لتفوقهم عليه في المعدات العسكرية، وهو دعم ما كان ليتحصلوا عليه لولا دعم الناتو. ويعكس تمرد الازواد، ذو الطابع العرقي، من جهة أخرى، تنافسا محموما بين باريس التي ترعى الازواد، من خلال احتضانها لأعيان قياديين بالحركة وواشنطن، التي أخرجت عميلها بالجيش المالي النقيب أمادو حيا سانجو، الذي اعتبر إبادة حركة التمرد الازوادية من ضمن الأهداف الإستراتيجية لحركته، والمؤكد أن الحرب المعلنة بين الشمال والجنوب سيكون وقودها الماليون، وستجني خيراتها الدول الأجنبية الغربية التي دخلت سباقا في التموقع بالساحل. شريفة عابد د. سلام الكواكبي يعتبر أن انقلاب مالي أولى نتائج الفوضى في ليبيا، ويؤكد ل"الفجر" الجزائر قادرة على حماية حدودها رغم صعوبة التحديات اعتبر د. سلام الكواكبي، كبير الباحثين حول إصلاح الأنظمة الأمنية في العالم العربي، في تصريح خاص ل"الفجر" أن التحكم في الوضع الأمني في منطقة الساحل يتطلب أولا حلولا وإصلاحات سياسية قبل اللجوء إلى الترسانة العسكرية لضبط الأمن، وذلك عن طريق احترام حريات المواطنين وتأمين العيش الكريم لهم ليكونوا هم من يقف في وجه تنظيم القاعدة الذي يجد في التهميش والظلم لبعض الفئات في المجتمع البيئة الخصبة لتحركه. واعتبر الكواكبي أن انقلاب مالي كان أولى نتائج التأخر في تحقيق الاستقرار السياسي في ليبيا بعد القذافي وانتشار السلاح، مشيرا إلى أن الجزائر قادرة من الناحية التقنية على حماية حدودها رغم صعوبة التحديات. اعتبر د. سلام الكواكبي الباحث في المركز الفرنسي للشرق الأدنى، في تصريح ل"الفجر"، أن مواجهة التهديدات الأمنية على الحدود الجزائرية تقتضي توفر الحل السياسي أولا عن طريق تحقيق الإصلاح السياسي واحترام الحريات في المنطقة كلها، وهو ما سينعكس على الوضع الأمني تلقائيا، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة سيتحرك في الأماكن التي يجد فيها بيئة خصبة تنمي تحركه مثل التوترات الاجتماعية والتهميش والفساد، وبالتالي فدول المنطقة حسب الدكتور الكواكبي مدعوة لتحقيق الإصلاح والاستقرار السياسي أولا، الذي سيؤدي بدوره إلى استقرار أمني، حيث سيكون المواطن أول من سيدافع عن بلاده دون الحاجة إلى ترسانة أمنية. واعتبر د. الكواكبي أن الانقلاب الذي حدث في مالي كان نتيجة مباشرة لتدهور الوضع الأمني على الحدود، حيث أن الانقلابيين استفادوا من تدفق السلاح من ليبيا في القيام بانقلاب عسكري غير شرعي وبالتالي فما حدث في مالي نتيجة مباشرة لتأخر استقرار الوضع في ليبيا وضبط انتشار السلاح. يشار إلى أن الإطاحة بنظام القذافي خلفت انتشارا رهيبا للسلاح في المنطقة عجزت الحكومة الانتقالية الليبية إلى حد الآن عن التحكم فيه وجمعه نهائيا، نظرا لبعض الخلافات السياسية من جهة وصعوبة التحكم في المساحات الشاسعة لتحرك السلاح الذي أصبح تجارة مربحة في الآونة الأخيرة للكثير من الناشطين. واعتبر الدكتور عبد السلام الكواكبي أن الجزائر قادرة على حماية حدودها أمنيا فهناك تنسيق واجتماعات بين دول المنطقة. يشار هنا إلى العرض الجزائري الذي قدمته الجزائر إلى ليبيا الشهر الجاري، حول استعداد الحكومة الجزائرية لتقديم كل الدعم إلى ليبيا بعد القذافي في إعادة بناء الجيش الليبي وهي خطوة جزائرية تترجم رغبة الجزائر في التحكم في انفلات الوضع الأمني بليبيا وانتشار السلاح على الحدود. وجاء هذا الموقف الجزائري رغم بعض الخلافات التي شابت علاقات الجزائر بالمجلس الانتقالي الليبي منذ استعانة الانتقالي الليبي بالحلف الأطلسي من أجل الإطاحة بنظام القذافي وأعقبتها بإيواء الجزائر لزوجة وابنة القذافي ونجليه لظروف إنسانية بحتة، خاصة وأنهم ليسوا متابعين بمحاكم دولية. وهو ما ترفضه الحكومة الانتقالية الليبية.