مازالت الكثير من النسوة تحافظن على الشكل التقليدي لاختيار عروس لأحد أقاربهن، فتشخيص النظر في العروس والتدقيق في كل جزء من أجزاء جسدها وأحيانا فحصه، صفة لم تفارق بعض الذهنيات رغم التغير الحاصل في كل شيء، والتمحيص لا غنى عنه في مثل هذه المناسبات المصيرية بالنسبة للطرفين.. الفتاة مهددة بالبقاء في منزل والديها إذا أطالت رفع بصرها، هكذا تروي نبيلة حكايتها مع أول لقاء لها مع أم زوجها فتقول:”كانت لحظة تاريخية، ومن شدة صعوبتها علي كدت أوقع صينية القهوة من يديّ، الأصعب هو إجبارية أن تبدو الفتاة بشوشة ومحتشمة، وممنوع عليها أن ترفع بصرها كثيرا، لأنها في تلك الحال مهددة بالبقاء في منزل والديها..”. “شعرت أني سلعة لا يهم إلا شكلها” أما ليلى، فتروي حكايتها قائلة:”رغم أني أسخر من تلك الزيارة الأولى التي تبدو فيها الفتاة كسلعة محضرة للبيع في السوق، فهي تتزين، وتجلس منتظرة التقييم والنتيجة التي ستحصل عليها في هذا الامتحان العسير”، تضيف: “عندما دخلت ثلاث نسوة من أقارب الرجل الذي خطبني أول مرة شعرت بالاضطراب وكدت أعثر في فستاني، خاصة أمام النظرات التمحيصية التي لم تستثن أي جزء من أجزاء جسدي.. لا أكذب عليك شعرت حينها أني مجرد سلعة لا يهم فيها إلا الشكل الخارجي، أما مستوى الذكاء و الثقافة فكل تلك الأمور لا تهم في النظرة الأولى، فالفتاة حينها تكون سلعة تماما كالخضر أوالفواكه.. كل ما يهم هو أن تكون جميلة الشكل وكفى”. رفضت التصنع فخرجت الخاطبات بلا رجعة أما بشرى، فلها حكاية مختلفة قليلا، فهي رفضت أن ترسم ملامح الاحتشام المفرط على وجهها، كما أنها لم تستجب لتلميحات وغمزات أمها للكف عن النظر إلى النسوة الخاطبات تماما مثلما كن يرمقنها”، حينها شعرت بالنسوة غير راضيات عنها، وتقول: “حاولت إضافة سيناريوهات مصطنعة لكني فشلت لأني لا أحب التصنع بطبعي، ودائما أرفضه في كي شيء، رغم علمي أن صراحتي في كل شيء كثيرا ما تجلب لي الخسارة والمتاعب”. وأضافت أنها دفعت ثمن “جرأتها ورفضها مواكبة التقاليد البالية والمبالغ فيها”، حيث خرجت النسوة دون رجعة بعد أن اقتنعن ظاهريا بأنها “ماشي بنت فاميليا، ولا تصلح أن تكون سيدة بيت”. أما حكاية صونيا مع أول زيارة للخاطبات فكانت ناجحة على عكس بشرى، فهي مقتنعة بمقولة “هف تعيش”، لذلك تفننت في “الهف” وبدت أمام الخاطبات كالحمل الوديع على الرغم من طبعها الشرير الذي طالما اشتكى منه أقاربها، فهي نجحت في الظفر بإعجاب النسوة، فتفننت في التلفيق و التصنع. لكن لحسن حظها أن تلك النسوة لم تسمعن صراخها بمجرد خروجهن من البيت نتيجة الشجار الذي نشب بينها وبين أختها في تلك اللحظة، وكانت لتكون صدمتهن قوية بعد أن يشهدن تحول الفتاة من حمل وديع إلى أسد ضاري. أما منال، فتروي حكايتها قائلة: “مع بدء العد التنازلي في الساعة الأخيرة.. تارة بكلمات غاضبة أتمتم بها، وتارة أخرى بقطرات من الدموع الثائرة.. مر الوقت سريعا، حتى جاءت والدتي لتخبرني أنه قد حان موعد الزيارة.. وبهدوء الفتاة المستسلمة للتقاليد “سرحت شعري سريعا وارتديت ثيابا هادئة الألوان، وصبغت وجهي بكم من المساحيق.. ومن دون تردد أو خجل أو ارتباك، سكبت القهوة في الفناجين، وحملت الصينية ودخلت”.. قالت منال. يوم الامتحان يكرَم المرء أو يهان بهذه العبارات، روت منال حالها حين تقدمت لرؤيتها سيدتان، كانتا تجلسان بانتظارها، لتتفحصانها بعيونهما، وتحاولان دراسة ملامح جسدها وتضاريسها.. ومشيتها و عينيها. سألت إحداهما أمها عن شعرها، إن كان طبيعيا.. ربما أرادت أن تتحقق من حقيقة ملامحها وتفاصيلها.. فهي، على غرار أمهات الخاطبين، دائماً، يحاولن معاينة العروس، ويردنها حسب الطلب.تشرح منال شعورها في تلك الأثناء: “كنت أرد على أسئلتها وأنا أحاول ضبط سخريتي.. فأنا، كما يقال، عبد مأمور ليس أمامه إلا الاستسلام.. كنت لأول مرة ربما، وبحكم الواقع.. هادئة، عاقلة، مدركة بكل عمق، مجبرة على تقبل التقاليد كشرط للخروج من عالم العزوبية”. انتهت الزيارة.. وبدت والدة الشاب سعيدة.. وكذلك تفاءلت والدة منال بتلك الزيارة، فطلبت من ابنتها الحفاظ على سرية الموضوع، على قاعدة أن خير الأمور وأنجحها ما يتم في الخفاء. التصنع مطلوب حتى للشبان على الطرف الآخر، الذي يقبع هو الآخر بانتظار دوره في الزيارة التالية، يقف الشاب سليم واحدا من هؤلاء، والذي اعتبر أن الزيارة الأولى بالنسبة له كانت موقفا صعبا ومحرجا لكل الأطراف، فمن جهة ثمة تسليط مقصود للضوء عليه، تحديدا، من قبل أهل الفتاة، ودراسة كل تفاصيل هيئته وحركاته، وأسلوبه، وكأنه موضوع تحت المجهر.. ومن جهة أخرى، فإن من حقه، أيضا، كشاب أن يبحث عما يريده في الفتاة التي يرغب في الاقتران بها. تمحيصات زائفة لكنها إجبارية أما رفيق، فهو غير مقتنع بتلك التمحيصات التي تراها الكثير من العائلات ضرورية، لأنها قد تحمل الكثير من الزيف سواء تعلق الأمر بالفتاة أو الشاب، و هو يفضل بدلا عن ذلك السؤال عن الفتاة وأهلها، مضيفا: “إذا كنا نحن الشبان نتصنع أمام أهل الفتاة يوم الخطبة، فكيف يكون الأمر بالنسبة للفتيات اللواتي يرغبن أكثر في التخلص من العزوبية؟!”. بعض النسوة يستنكرن أن تكون بناتهن سلعة للعرض لكنها مضطرة للخضوع لتلك الأساليب، لأنها تمثل، في الوقت نفسه، “الخطوة الأولى المتبعة في عاداتنا وتقاليدنا”.. خالتي ربيعة تقول في الموضوع: “أنا لا أفضل أن أعرض ابنتي على كل من يطرق الباب خاطباً، بل يجب أن أدرس شخصية الشاب من حيث المستوى المادي والأخلاقي والعلمي، ثم أنظر إن كان يصلح أن يكون زوجا مسؤولا أم لا”. “الإجراءات المتبعة تتوافق مع ما ينص عليه الإسلام” أما الحاجة زهرة، فهي لا ترى مانعا في التقاليد المتبعة في الزيارة الأولى، فتقول إن تلك التقاليد موروثة منذ القديم، وهي تتناسب مع ما ينص عليه ديننا في ضرورة احتشام الفتاة وأن تكون خجولة و ودودة. كما أن الرسول صلى عليه وسلم نفسه وضع مقاييس لاختيار المرأة، ولا يجب أن نخوض في هذه المواضيع التي تبعدنا عن الدين وتدخل في سياق ما يروج من حيث مساواة المرأة بالرجل، قائلة إن “اتباع التقاليد أولى”. ورغم حساسية الزيارة الأولى، إلا أن الكثيرين مقتنعون بأهميتها رغم تقليديتها، إذ أن الأهم هو معرفة الأسلوب اللائق والمهذب في الرد بعد هذه الزيارة، سواء من حيث القبول أو الاعتذار، مشيرة إلى أن الموقف يعد إنقاصاً من حق الفتاة وأهلها في حالة عدم الرد، إذ أن القضية تكمن في الأسلوب وليس بالمضمون، معتبراً أنه كلما طالت فترة الخطبة أو التعارف قبل الخطبة، زادت احتمالات نشوب المشاكل العائلية. مسرحيات تنطوي على غايات نبيلة رغم أن تلك الزيارات قد تحمل أبعادا “مسرحية” أحيانا، لكنها تنطوي، في المقابل، على غايات نبيلة وهي ربط زوجين في الحلال. وعن الأجواء المرافقة للزيارة الأولى، تقول صليحة، وهي فتاة جامعية: “هذا الموقف محرج للجميع، لأنه موقف شبه تمثيلي، وتكون الفتاة حينها على يقين تام أن هذه الزيارة وجدت لتقييمها حسب الشكل والمظهر، فتهيء نفسها تماما لهذا الموقف، لكن في رأيي أن زيارة واحدة غير كافية لاتخاذ قرار الزواج، إذ يجب أن تكون هناك عدة زيارات بوجود الشاب، ووضع أصحاب الشأن في المرتبة الأولى”. كما تؤكد أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الموقف جديد ومحرج للشاب مثلما هو للفتاة، لذا يجب على أهل الفتاة الاعتذار بأدب من البداية، في حال لم تتوفر لديهم الرغبة والقناعة في استقباله. وتقدم صليحة نصيحة لكل الفتيات أن لا يتسرعن في اتخاذ القرارات، وأن لا يغلقن أبوابهن كذلك، “فلا أحد يعلم أين يكمن النصيب”.زيارة التعارف تنسجم وما أجازه الإسلام، ولما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الحديث الشريف: عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنظرتَ إليها؟”، قال: لا، قال: “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما”.