تتميز ولاية تندوف كغيرها من الولايات الصحراوية الأخرى بمجموعة من العادات والتقاليد التي لاتزال راسخة ومنها التقاليد الخاصة بالزواج والتي قد تبدو غريبة إلى حد ما، خاصة عند البدو الرحل الذين يتمسكون بأدق التفاصيل ويعتبرونها جزءا لا يتجزأ من تراث أجدادهم الذي لا ينبغي التفريط فيه. "السلام اليوم" وخلال جولتها في الصالون الدولي للسياحة الذي اختتمت فعالياته مؤخرا بقصر المعارض الصنوبر البحري، كانت لها فرصة الحديث عن تلك العادات مع بعض العارضين الوافدين من ولاية تندوف، حيث قدمت لنا "صديقي تاركة" عضوة بجمعية الوحدة الثقافية لحي البدر بولاية تندوف مختلف طقوس الزواج عند أغلب قبائل المنطقة، حيث أكدت لنا أن شباب الولاية عادة ما يفكّرون في الزواج من قريباتهم، حيث ساد الزواج التقليدي عند أغلب القبائل، فتكون الأم أو الأب من يختار العروس المناسبة للابن شريطة أن تتوفر على كل المواصفات المطلوبة، أما حاليا فقد منح للشباب حرية الاختيار على حد قول المتحدثة. وتكون مراسيم الخطبة نسوية مائة بالمائة، وفي حال الموافقة يتجّه الرجال إلى بيت العروس محمّلين بمختلف التجهيزات من ملابس وحتى لوازم العشاء، أين يستقبلهم أهل العروس بذبح كبش أو جمل ليتم تحديد موعد الزفاف، وتختلف أحيانا طقوس الخطبة من قبيلة إلى أخرى، هذا وتقول السيدة "تاركة" أن طقوس العرس تبدأ مباشرة بعد جلسة العقد التي تخصص لها حفلة خاصة قبل أن يبدأ العريس في تجهيز كل ما تحتاجه العروس. تضيف المتحدثة عن جهاز العروس في تندوف "إن العريس التندوفي يقوم بجلب مختلف حاجيات العروس من ألبسة وأحذية واكسسوارات وعطور، حيث سادت العادة أن يقدم أكثر من 100 ملحفة، 50 نعلا أو حذاء 50، مرآة، 50 عقدا، أي من كل شيء يقدم 50، ومن العادات أن يتم إظهار هذا الجهاز أمام الأهل والجيران". وخلال العرس تنصب الخيم المخصصة لكل من الرجال والنساء كل على حدة، وحسب ما ترويه "تاركة" فقد جرت العادة أن يكلف أهل العروس في بعض المناطق بنصب خيمة العريس والتي يمكث فيها بعد عودته من وجبة العشاء التي تقام له عند أحد أصدقائه، حيث يشكل العرس في منطقة تندوف مظهرا من مظاهر التضامن بين أفراد القبيلة الواحدة، حيث يقوم أصدقاء العريس بمساعدته في نفقات العرس، والأمر نفسه بالنسبة لأهل العروس، حيث يقدم كل واحد ما استطاع في عرس صديقه أو قريبه. إن اللباس التقليدي الذي يرتديه الرجل بمناسبة زواجه يسمى عند أهل الولاية ب"الدراعة"، كما يمكن أن يرتدي "البرنوس" واللثام، إضافة إلى حمل سيف صغير، أما بالنسبة للمرأة فتلف ليلة عرسها ب"الملحفة" السوداء والإزار الأبيض إضافة إلى الحليّ المصنوعة من معدن الفضة ومختلف الأحجار الكريمة وأهمها الخلاخل الفضية التي يحضرها العريس إضافة إلى كل ما تحتويه ما يسمّى"بالحفيظة" وهي قطعة قماش كبيرة تضم مجوهرات العروس وأهمها خواتم الفضة والسلاسل المعروفة ب"تكاطو"، عقد "الشركرك" وهو يصنع من نبات ينمو في المنطقة يركب في خيط ليشكل سلسلة، عقد من الجوهر الحر، عقد "بغداد" ومصنوع من حبيبات تسمى حسب أهل المنطقة "بالرقيقات" إضافة إلى "الميالات" و"كتماير" وهي أيضا نوع من السلاسل. من ميزات العروس التندوفية أنها تضع فوق رأسها ما يعرف "سنامانا" وهي مجموعة من الجدائل الرقيقة التي تضفر من قبل أخصائية في ذلك، والزوج هو من يدفع أجرة المرأة التي قامت بتزيين زوجته وضفر شعرها، كما تحني المرأة بالحنة التي يجلبها الرجل وتتعطر بعطر تقليدي يصنع من مختلف المواد المعطرة مثل القرنفل والمسك. رقصة "القزرة" و"الوزان" يصنعان الفرجة في الأعراس التندوفية أما عن الموسيقى التي تترجم مشاعر البهجة والفرح عند أصحاب العرس التندوفي فتقول السيدة "تاركة" ناشطة بجمعية الوحدة الثقافية لحي البدر إن الأعراس تكون بالقصائد الدينية ومختلف الأغاني الشعبية التقليدية وقرع الطبول، التصفيقات ومختلف الرقصات الشعبية منها الرقصة التقليدية المعروفة ب"القزرة" لكونها تتم على إيقاع طبل يدعى "القزرة" إضافة إلى رقصة "قارا" ورقصة عصرية تعرف لدى أهل المنطقة ب"الوزان"، وهذه الرقصات الخاصة تعبّر عن التقاليد التي ورثها سكان المنطقة ليضاف إليها ما يعرف ب"التبراز" هو من أهم العادات التي لاتزال تميّز العرس التندوفي، حيث يقوم الشباب بالرشق بمبالغ مالية، أما بالنسبة للنسوة فتقام جلسات نسائية للرقص على أنغام محلية أو ما يعرف بموسيقى "أمزاد". وعن تفاصيل العرس، تروي المتحدثة "أن أهل العروس يتجهون ليلة العقد إلى بيت العروس، حيث تقام لهم وليمة عشاء ومن الأطباق التقليدية التي تحضّر خلال حفل الزفاف "الكسكسي" باللحم، الشواء، لحم الإبل وكبده، طيف الخبز، القديد أو كما يسمى عند أهل المنطقة ب"تقديت" المصنوع من لحم الإبل"، وتضيف بالقول أن عشاء العرس قد يمتّد لعدة أيام عند بعض أهالي ولاية تندوف الميسورة الحال، حيث يتم نحر عدد من الجمال والكباش، ويستمر إطعام الناس طيلة أسبوع كامل إلى يوم الزفاف، ويكون موكب العروس خلال نقلها من بيت أهلها إلى بيت زوجها على الجمال، فيما يسير البقية على الأقدام في جو تملؤه الزغاريد والأهازيج. ومن عادات إخراج العروس في بعض المناطق التندوفية أن العريس يخصص أحد أصدقائه ليحمل العروس خلال الموكب، حيث يتم إخراجها من طرف النساء وسط الزغاريد والأغاني، ثم يتكفل هذا الرجل المعروف حسب ما تقوله السيدة "تاركة" ب"الوزير"، فيما تحاول النسوة إسقاط هذا الرجل الذي يحمل العروس وإفساد زينتها وهو يضربهن بالعصا "الخزامة". إخفاء العروسة لعبة شيقة تميز العرس التندوفي ومن الطقوس المميزة عند بعض قبائل المنطقة أن العروس وبعد وصولها إلى بيت زوجها تعود ماشية إلى بيت أهلها، ثم يقوم بإرجاعها إلى بيت زوجها، وانطلاقا من حديث "تاركة صديقي" تبقى العروس على هذا الحال، وفي اليوم الثالث تؤخذ العروس إلى بيت أهلها، أين يتم إخفاؤها عن زوجها، تفصل عن هذا قائلة: "في يوم الدخلة، يكون العريس في انتظار زوجته داخل الغرفة، وفي نفس اليوم تعود العروس لبيت أهلها، وتأخذ في الصباح الباكر من قبل إحدى صديقاتها إلى مكان غير معلوم، وفي الوقت الذي يتم فيه تزيين المرأة، يقوم العريس وأصدقاؤه بالبحث عنها وتخصص جائزة لمن يجدها، وإذا لم يجدها فإنه مضطر إلى دفع مبلغ من المال من أجل إعادتها، وقد يبقى الرجل يبحث عن زوجته لمدة تفوق الأسبوع". التندوفية تمكث مدة طويلة في بيت أهلها بعد الزواج إن العروس في بعض المناطق التندوفية لا تمكث مع زوجها بعد الزواج، بل تعود إلى بيت أهلها لتمكث مدة معينة، وحسب المتحدثة فإن السبب وراء هذا هو تمكين الفتاة المتزوجة حديثا من تعلم الكثير من أمور البيت، ويبقى الزوج يصرف عليها طوال مدة مكوثها في بيت أهلها، وتمتد فترة مكوث المرأة في بيت أهلها من أسبوع واحد إلى ما يتجاوز السنة، وأحيانا تنجب طفلها الأول في بيت أهلها، وعندما تعود إلى بيت زوجها تأخذ معها ما يعرف "بالفسخة"، وحسب السيدة "تاركة" فهي تضم ملاحف وأحذية وغيرها من الهدايا التي توزعها على أهل بيت زوجها، ويسمى هذا اليوم الذي تعود فيه العروس إلى بيت زوجها ب"التقعاد"، وتقام بهذه المناسبة وليمة عشاء يجمع خلالها أهلي الزوجين، الجيران والأصدقاء. شباب يرفضون الالتزام بتلك التقاليد تعتبر ولاية تندوف منطقة التقاء ثقافي، حيث لاتزال تزخر بعادات انتقلت من جيل إلى آخر، وبقيت راسخة ضمن الموروث التاريخي للمنطقة. ومن خلال ما سبق يبدو جليا أن العريس في مدينة تندوف مطالب بإحضار ما لا يقل عن 100 ملحفة إضافة إلى كبش وجمل زيادة على مختلف الإكسسوارات الفضية، خاصة الخلاخل المصنوعة من الفضة كأقل تقدير، فيما يمتنعون عن اقتناء الذهب، ولكن ورغم هذا تؤكد "تاركة صديقي": "أن غلاء المهور في عدة مناطق من تندوف صار مشكلا يطرح كثيرا من طرف شباب المنطقة ممن يجدون من تلك العادات والتقاليد حجر عثرة يقف أمام إكمالهم لنصف دينهم، وإذا وجد من يسعى لتطبيق كل تلك العادات فإن آخرين يرونها صورا من صور التبذير، خاصة أن بعض الشباب يلجأون للتديّن من أجل إكمال تلك المراسيم".