ساهمت الحلول الترقيعية في تحويل حي التيفيس القصديري، الواقع جنوب مدينة مستغانم، إلى قنبلة موقوتة أضحت تشكل خطرا على جميع المنشآت العمومية المحيطة، وأضحى تكاثر بيوت القصدير حتى بعد إحصاء السكان قبل أكثر من سنة مصدر قلق أمني يخفي مشاكل اجتماعية متفاقمة، كالدعارة، سيمتد تأثيرها على مدار السنوات القادمة. وضع مزري للسكان يوصف بالعقاب الجماعي يقع حي التيفيس القصديري غرب بلدية صيادة بولاية مستغانم على مساحة تفوق 3 هكتارات، وهو محاط بمساحات زراعية إلى جانب سكنات حي السلام، ويبعد عن مقر مدينة مستغانم بأقل من كيلومتر، ما يجعل جميع المنشآت العمومية القريبة في خطر خصوصا مع تكرر احتجاجات السكان التي تتحول في الغالب إلى موجة للتخريب، كما حدث خلال الأسابيع الماضية. ويقطن في الحي زهاء 300 عائلة من مختلف مناطق الغرب الجزائري، وقد شرع في إنجازه قبل أكثر من عشر سنوات بالتوازي مع إسكان عشرات العائلات في حي السلام المجاور. وتقسم سكنات حي التيفيس إلى مجموعات مترابطة يحاول فيها السكان حماية بعضهم البعض من السرقة، ويتكون كل بيت غالبا من غرفتين تستعمل إحداها للمبيت والأخرى للطهو، ويتم نقل المياه من حنفية مجاورة لا تبعد سوى ببضعة أمتار عن أولى سكنات القصدير، كما يقوم السكان بتوصيل التيار الكهربائي بطريقة عشوائية من عمود كهربائي تابع لشركة توزيع الكهرباء والغاز.. بعلم من السلطات المحلية التي تحاول تفادي احتجاجات محتملة، فيما لايزال السكان يعتمدون على طرق بدائية لتسيير المياه القذرة التي ترمى في حفر غير مهيئة يمكن أن يتسرب محتواها إلى المياه الجوفية بما يشكل من خطر على المساحات الزراعية المحيطة، ناهيك عن تراكم النفايات وسط الحي بعد تأخر السلطات المحلية عن رفعها، بما اعتبره عدد من السكان بالعقاب الجماعي، إثر تسجيل احتجاجات متكررة قام فيها عدد من الشبان الغاضبين بتخريب محطة نافطال المجاورة. ويعرف الحي انتشارا كثيفا للحشرات الضارة والكلاب والقطط وحتى الفئران والجرذان، ما يشكل خطرا على الأطفال خصوصا. قانون الغاب هو السائد والدعارة تتكاثر مع تكاثر البيوت لا يمكن التفكير في دخول حي التيفيس إلا بمساعدة شخص من سكانه، حيث يعرف كل منهم بدقة سكان الحي ويمكنه التعرف بسهولة على الأشخاص الغرباء.. فلا قانون يطبق إلا قانون الغلبة للأقوى، لكن نظرات الإستغراب كانت حاضرة بقوة في أعين من قابلناهم، ما يؤكد إحساس السكان بلا مبالاة السلطات المحلية. ولا يمكن دخول الحي أيضا دون سماع أصوات النزاعات و الخلافات التي تتحول غالبا إلى شجار تتدخل فيه النساء كما الرجال، حيث تتجرد نساء الحي من أنوثتهن بفعل الظروف المزرية التي يعيشونها ويساعدن الرجال في خوض معارك طاحنة لتأكيد الغلبة على الجيران، وأصبحت هذه النزاعات تشكل روتينا يوميا. والأدهى انتشار الدعارة بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، حيث يمتهن عدد من النسوة أقدم مهنة في التاريخ قبل أن يواجهن برفض السكان الذين يقومون بطردهن، حتى اهتدى عدد منهن إلى السكن على أطراف الحي لتجنب رفض الجيران وأضحى وجودهن خطرا حقيقيا على سكان الحي والأحياء المجاورة، هذا إلى جانب انتشار السرقة بين السكان أنفسهم، حتى اضطر كل منهم إلى إشراك جاره في الحراسة لكي لا يخسر محتويات بيته القصديري على بساطتها. أما الأطفال فلا هم لهم سوى اللعب بالقرب من أكوام النفايات وسط الغبار المتطاير، ولا يزيد سن معظمهم عن بضع سنوات.. تخريب ممتلكات عمومية يعقب احتراق بيوت القصدير لم تتدخل السلطات المحلية نهاية التسعينيات لمنع العدد المتزايد من الوافدين إلى المنطقة لبناء بيوت قصديرية، حيث كان التيفيس غير آهل بالسكان، إلى أن تم توزيع سكنات حي السلام المجاورة، وكان من الممكن التدخل قبل تفاقم الوضع وارتفاع عدد بيوت القصدير التي تعد حاليا بالمئات، كما ارتفع عدد الإنتهازيين، حيث أكد إحصاء سابق للسكان وجود أشخاص ليس لهم الحق في دعم الدولة، كمن له زوجتين أسكن إحداهن تحت القصدير للحصول على سكن ثاني، ومن بينهم أيضا سكان ولايات مجاورة أتوا للحصول على دعم الدولة بعد شروع السلطات المحلية في توزيع السكنات، ومن بينهم أصحاب سيارات وأملاك. وقد تم إحصاء المستفيدين الحقيقيين بمساعدة لجنة من سكان الحي نفسه، بعد تسجيل حالات تخريب واحتجاجات متكررة تأتي في الغالب احتجاجا على احتراق عشرات البيوت القصديرية، ما يشكك في أسباب الحرائق المتكررة والتي يحتمل أن تكون متعمدة للفت الإنتباه. وقد تم إحصاء 389 عائلة نهاية 2011 فيما رفضت عشرات العائلات لاتزال تقطن في نفس الحي، كما تم ترحيل 120 عائلة إلى سكنات اجتماعية بحي الوئام وسيدي عثمان ببلدية صيادة في إطار مشروع للقضاء على السكنات الهشة، وهذا نهاية شهر جانفي الماضي، وعد خلالها الباقون بوضع تمثيل أمني للحد من تكاثر بيوت القصدير لم يتم وضعه إلى حد الساعة بعد زهاء 8 أشهر، فيما تنتظر 269 عائلة المتبقية تنفيذ وعود السلطات المحلية بترحيلها قبل نهاية الثلاثي الأول من سنة 2013، بينما يجهل عدد بيوت القصدير الجديدة حتى ذلك التاريخ بعد بلوغ عددها إلى زهاء 100 بيت قصديري أنشئت في ظرف 8 أشهر فقط. ويجهل كيف ستتعامل السلطات المحلية مع الوضع الجديد ومع التهديد الأمني المتواصل في وجود قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة..