تعرفت على الشيخ المرحوم محمد فارح نهاية السبعينيات من القرن الماضي حين كنت مشرفا على صفحة (الموعد) اليومية، في جريدة الشعب... كنت أشعر برهبة كبيرة كلما اقتربت منه أو تحدثت إليه، فما بالكم إذا تناقشنا في مسألة لغوية معينة والتي غالبا بل دائما ما تكون الغلبة إليه، خارج الجريدة كنت ألتقيه مع صديقه المرحوم عبود عليوش الأستاذ بمعهد اللغة والأدب العربي في الجامعة المركزية.. ما يعجبك في الأستاذ المرحوم محمد فارح أنه رغم تبحره في اللغة وامتلاكه لناصيتها وحيازته على مدارك كثيرة من أسرارها، إلا أنه لا يتقعر في كلامه ويكره المتقعرين، وأنه حين ينبهك إلى خطأ لغوي معين لا يشعرك بمركب نقص أمامه ولا يتباهى أبدا بتفوقه عليك في هذا المجال... شخصيا كنت أحسده على صبره الطويل وسعة باله وصدره وهو يدقق الجريدة الأولى في البلاد ”الشعب”، جريدة كانت تكتب بالرصاص وتصفف به وتعطى له أوراق التصحيح سوداء رديئة الشكل، لكنه كان يقوم بتصحيحها كاملة دون أن يغفل صفحة واحدة منها.. إنه حبه للعمل وحبه للغة العربية التي كان يعشقها حد الهوس ولا يرتضي لها الركاكة والبهدلة من طرف الصحفيين... وأنا لا أستغرب أبدا أن يكون واحدا بهذا العشق للغة الضاد مستهدفا من طرف أشخاص يقلقهم كل منافح ومدافع ومحب لهذه اللغة... عندما يجمع أفراد عائلة المرحوم محمد فارح بأن قرار إيقاف برنامجه الإذاعي ”لغتنا الجميلة” سبب له صدمة لم يشف منها، فهذا يعني الكثير، فاللغة العربية كانت بالنسبة إليه مثل الروح تماما... وإننا نتساءل بكل براءة وعفوية من وراء توقيف برنامج لغتنا الجميلة!!؟ لماذا لم تتوقف البرامج الأخرى المليئة بالمسخرة والمجون والكلام الساقط النابي، لماذا تفتح إذاعتنا بكل قنواتها مكروفوناتها لكل الناس وعجزت عن أن يستمر محمد فارح في إعداد برنامجه الذي نالت به الإذاعة الوطنية الجوائز والتهاني.. نعرف أن ميزان القيم في الجزائر انهار وتحطم ولا يمكن إصلاحه، ومتأكدون من أن المقاييس اختلطت وانقلبت، لكن أيعقل أن يصل التردي إلى هذا الحد ويبلغ السقوط هذا المبلغ... عندما سمعت بقصة المرحوم محمد فارح وبرنامجه ”لغتنا الجميل” مع الإذاعة الوطنية لم أستغرب أبدا الأوامر التي أعطيت للإذاعة الثقافية بإيقاف برامج كان يعدها مبدعون ومثقفون كبار مثل مرزاق بقطاش، محمد الأخضر، عبد القادر السائحي، نصيرة محمدي وغيرهم من دون أن تقدم لهم إيضاحات أو تبريرات ولا اعتذارات تجبر الخاطر... لا عليك أيها الراحل الجميل إنك في جزائر (عيش تشوف).