منظمة العفو الدولية: المدعو نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة الجنائية    المدعي العام للجنائية الدولية يحث كل الدول على التعاون بشأن مذكرات الاعتقال بحق مسؤولين صهاينة    وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال من يسمى نتنياهو إذا زار روما    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    دعم حقوق الأطفال لضمان مستقبل أفضل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مات شيخ اللغويين (فارح) وترك كسّاري اللغات (والبنات)!!
نشر في البلاد أون لاين يوم 07 - 12 - 2012

لكل ميدان ومسألة شيخ وفارس زمان، القرآن الكريم وترتيله عنده شيخ يسمى شيخ المقرئين.. وفي كرة القدم هناك شيخ أيضا اسمه شيخ المدربين وليكن سعدان.
شيخ “ونص” .. !
أول معرفة لي بالشيخ محمد فارح كانت في منتصف الثمانينات، حينما التحقت بجريدة الشعب، قبل التعددية الإعلامية وقس عليها التعددية السياسية الكاذبة وكانت الأحادية أكثر رحمة وديمقراطية وانفتاحا! وكانوا جميعا من مدير ورئيس تحرير وصحفيين ومصححين وبوابين وزوار كبار وصغار، يخاطبونه بصفته “شيخ”، ربما هناك في التسيير المحلي أيضا شيخ وليكن شيخ مدينة تونس أو شيخ مدينة باريس (فرانسوا ميتران، رئيس فرنسا الأسبق)، وفي اللغة أيضا شيخ وشيخ اللغة العربية في هذه البلاد التي قاد معركتها اللغوية أكثر منذ أيام ابن باديس قبل أن تهدأ، لم يكن ولن يكون إلا المرحوم محمد فارح الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى منذ أيام! مقرونة بمهنته الأولى كأستاذ في التعليم أو كرجل دين بعد أن درس في أرقى المعاهد الإسلامية كالزيتونة وبغداد، وفي هذه الفترة وحتى آخر عهدي به قبل أشهر فقط، لم يكن يبدو على المرحوم ما يشير إلى كونه شيخا، أي طاعنا في السن، فالرجل الذي ليس هو بالطويل أو القصير أو العريض المنتفخ البطن، كان دائما يحتفظ بلياقته البدنية، مع أنه حسب علمي لم يكن يمارس رياضة ما، وهو في كل هذا بمظهره المكستم دائما كالمرحوم شيبان أنيق و”شيك”، يقدم صورة نموذجية لشيخ “مودرن” ومتحضر، حجة في اللغة العربية الجميلة كما يصفها دائما وأسرارها وإعجازها، ونابغة فيما يتعلق بشؤون الدين والدنيا.
وهذه الصفات التي جبل عليها الرجل لا أوردها من باب أذكروا موتاكم بخير وإنما من باب أن النموذج المذكور للشيخ نادر جدا في أيامنا، فبعض مشايخ الدين يطلقون لحاهم كما جاءت ولا يكترثون بمظهره، وشيخ العربية ومعلمها مايزال بعضهم يتندر عليه بالقول إنه لمعرفته من باقي المعلمين، خاصة معلم الفرنسية والانجليزية، يجب النظر إلى ظهره لإدارة علامة فتحه ظاهرة في مؤخرته.
وهذه النظرة الدونية للغة العربية في أيامنا الحاضرة تعكس بالطبع نظرة سياسية، وتعكس أيضا تمايزا طبقيا. فالمستفيدون من المناصب، والوظائف وهي أحسن استثمار لكونها تمكن من الولوج إلى مغارات علي باب الذهبية، كانوا في معظمهم من المحسوبين على التيار الفرانكفوني والبربري وهو نفس التيار الذي استفاد من امتيازات الخصخصة المشبوهة التي أتت على البلاد كما يأتي الجراد على حقول القمح!
من هنا يمكن أن نتصور أن الرجل خلال نصف قرن من عمله الدؤوب على نشر اللغة العربية، كان أشبه بالمرحوم عبد الحميد مهري يسبح عكس التيار: المناضلون (بين قوسين) يريدون إنشاء مقاولة حزبية وهو يريد إنشاء حزب يحكم إذا ربح ويذهب للمعارضة إن هو خسر! وبين الرجلين بالمناسبة صفات مشتركة فكلاهما قليل الكلام، لا يغضبان، رزينان ولا يخوضان في مسائل جانبية، وليس بالإمكان جرهما إلى ذلك أصلا. فالشيخ فارح، وهو أكبرنا لم يكن أبدا يردد بأنه اشتغل مع المحيط المقرب للرئيسين بومدين أو الشاذلي أو أنه يستطيع أن يصل إليهما فخذوا حذركم! خاصة في فترة كانت إشارة واحدة من مناضل متوسط العيار تحكي أو تغني ديارا!!
لا تتبعوهم..!!
مشكلتنا الرئيسية كصحفيين آنذاك في علاقتنا بالشيخ محمد فارح، أنه كان حريصا جدا على سلامة اللغة العربي ونقائصها أيضا، على صفحات الجريدة، فالمسألة لا ترتبط فقط باحترام القواعد النحوية والصرفية، باعتبارها بديهة من البديهيات قد تكلف صاحبها الطرد من العمل خلال فترة تربصه، وإنما كانت المسألة مرتبطة بمدى توافق اللغة العربية السليمة مع الكتابات الصحفية، مما يضطر شيخنا إلى إعطاء الواحد منا درسا في فقه اللغة. فكتاباتنا تعتمد أحيانا لغة هجينة فيها مصطلحات وأساليب لاتينية، وأحيانا تبدو ثقيلة أو ركيكة، وهذا ما يزعج الشيخ، وقد يكون معه الحق بالنظر إلى كون الكتابات الصحفية حتى فترة التعددية كانت أكثر احتراما للغة وسلامتها، وتاريخيا كل متصفح للجرائد القديمة منذ الأربعينات يدرك مدى حرص أصحابها على سلامة اللغة،
وهو الشئ الذي يكاد ينتفي مع الصحافة الحديثة، صحافة الحاج (اكلاهم)!
ثمة ما يشبه التساهل المفرط فيما يتعلق بالكتابة الإعلامية لحد أن أحد تلامذة الشيخ تفاجأ مؤخرا بكون صاحب جريدة أو ما يشبه الجريدة، استسهل أن يصدر العنوان الرئيسي فيها وفيه خطأ صرفي فادح! أي ثمة استهانة مقصودة، مع أن ذلك يمثل اعتداء على اللغة وعلى حق القارئ نفسه، خاصة مع تنامي ظاهرة زحف الإعلانات التجارية على الصفحات الإخبارية، قد يحسبها القارئ البسيط نعمة عليه تزين صفحته! وبالطبع الصحافة جزء من وضع عام يخدم ضد إحدى الثوابت الوطنية ممثلة في اللغة الرسمية والوطنية، وجهه الظاهري شوارعنا وطرقاتنا، ووجهه الخلفي لغة التعليم ومناهجه وسياستنا واقتصادنا القائم على الريع.
وعندما يصبح الإطار العام معاديا للغة، خاصة مع قرار إلغاء تطبيق قانون استعمال اللغة العربية في عهد رئيس مجلس الدولة علي كافي وهو القرار الذي مايزال ساريا إلى اليوم، يمكننا أن نتصور حجم التحديات بما فيها ما يرتبط بالجانب النفساني الذي يمكن أن يلاقيه المستميتون في الدفاع عن لغة الضاد. فما الذي يمكن أن يفعله جهد شخص واحد ولو كان بقوة المرحوم محمد فارح أو مجموعة من الأشخاص، مع أن المرحوم فارح أشهر من نار على علم، كما يقولون، فقد ضل بالنسبة لبعض الأقسام الثقافية نفسها داخل الصحف وكأنه ليس هو شيخ اللغويين وهو الذي استخدم كل المنابر الممكنة من معاهد، مدارس إلى الاذاعة والصحف لخدمة اللغة العربية.
فهل كان منتظرا أن تقوم الحكومة بتكريم الشيخ قبل وفاته جزاء لما قدمه خدمة للغة؟
كل وقائع الموت التي غيبت عددا من الوجوه المعروفة بعدم مسايرتها خط النظام من أيام الارهاب والعنف الذي تورط فيه وورط، يدرك أن خيارات هؤلاء تمر رسميا مرور الكرام فلا تتبعوهم وشعبيا أسوأ من ذلك، لأن كل واحد من هؤلاء وهؤلاء شعاره (نفسي نفسي) فلا نضال ولا اعترافات ولا تكريمات.
يستحق المرحوم فارح أن يطلق اسمه على أكثر من مؤسسة تعليمية وجامعية على أقل تقدير.. ومع ذلك فإن أمرا كهذا لن يحدث أبدا، والأدلة موجودة، فمهري مثلا الذي عرف بنضالاته وهو الذي يعتبر عراب السياسة في الجزائر وفي المنطقة العربية برمتها دفنوه حيا قبل أن يموت، فقد منعوه مثلا من تأسيس جمعية باسم المرحوم مولود قاسم، وهو من الذين رفعوا لواء الإسلام والعربية ومناضل مثلهما، وكان وزيرا يوم لم تكن الوزارة متاحة لأي كان “ضارب شيتة” ومنبطح وعازف كمان الرعيان.
فالنظام يدرك أن عشرة من أمثال فارح قادرين على تحريك مسار اللغة العربية المظلومة في بلادها، ومع ذلك فإن فضله وفضل بعض المغمورين الآخرين أنهم كما لم يسمح النظام بتبوء العربية مكانتها، جعلوا الجيل الجديد نافرا من لغة فولتير التي يمجدها ويمجد أهلها سرا وعلانية، وأن خلا الجو لكسّاري اللغة وهم كثرة من مربين ومفتشي تربية فارغين يرتعون ويمرحون قافزين على قنبلة بومدين اللغوية التي ستنفجر ذات يوم بعد أن مات وترك البنات!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.