مرت عجلة 2012 على سائر دول العالم مخلفة العديد من الأحداث التي تركت آثارها على الصعيد الدولي، ولكنها قست كثيرا على العالم العربي، الذي اكتشف أن نصره الذي حققه باسم “الربيع العربي” لم يتجاوز جدران الإطاحة بالأنظمة الديكتاتورية، ليصطدم بواقع ما بعد الثورات.. واقع خبّ من وهج الفرحة العربية وأعاد الشباب العربي إلى نقطة الصفر، وكانت للعالم محطات استوقفت الرأي العام الدولي ووضعت بصماتها في مجرياته. بعد عام من الاحتجاجات في منطقة “الربيع العربي” وسيطرة القوى الإسلامية على الحكم في تونس ومصر وليبيا، شهدت المرحلة التالية من الثورات العديد من الاضطرابات العنيفة والمواجهات بين قوى مختلفة، ولم تستقر الأوضاع بالشكل المطلوب في أي من تلك البلدان التي شهدت ثورات العام الماضي، فها هي مصر تشهد توترات واحتجاجات يومية، ولم تستقر الأوضاع في تونس، وكذلك الحال بالنسبة لليبيا. حيث شهدت ليبيا مقتل السفير الأمريكي من طرف الثوار كرد فعل واحتجاجا على فيلم من إنتاج أمريكي مسيء للنبي صلى الله عليه وسلم. أما في مصر فقد انتخب مرسي كأول رئيس بعد ثورة يناير، دخلت معه مصر في نفق بعد تعثر الوصول إلى دستور شامل، ولجوء الرئيس إلى قرار دستوري أشعل ميدان التحرير مجددا، وسط تعالي الأصوات المناهضة لما أسموه دستورا إسلاميا من إعداد الإخوان. أما الجارة تونس فقد عاشت سنة من اللاإستقرار بعد أن عجزت حكومة الجبالي عن تحقيق مطالب الشعب، ونشوب ثورة نقابية على حركة النهضة التي عملت على مهاجمة كل النشاطات الاحتجاجية المطالبة بتغيير الأوضاع والتعجيل في الإصلاحات الاجتماعية، حيث هدد الاتحاد العام للشغل أكبر النقابات العمالية في تونس، بالإضراب العام، في سابقة لم تعرفها البلاد منذ عام 1978 وتراجعها حفاظا على الأمن. كما اختتمت سنة 2012 باستقبال الرئيس المنصف المرزوقي ورئيس البرلمان مصطفى بن جعفر بالحجارة في مهد الاحتجاجات التونسيةسيدي بوزيد في تاريخ الذكرى الثانية للثورة التونسية، في أكبر دليل على فشل الثورة. فيما بدأ الحديث عن خطر الجماعات الجهادية التي وجهت الأنظار الدولية إلى تونس كمتنفس لها من التضييق المفروض عليها، بعدما حاولت نقل مخططاتها بتكرار سيناريو زرع القنابل على مستوى القيروان، بالإضافة إلى حدوث مواجهات بين السلطة والسلفيين. كما سجل اليمن تطورات كثيرة، من أهمها تولي الرئيس عبد ربه منصور الحكم بعد خروج الرئيس السابق علي عبد الله صالح من الحكم عقب سلسلة الاحتجاجات وكذا حادثة الحرق وذلك في إطار تطبيق المبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية. كما اشتعلت بعض الاحتجاجات في الأردن والكويت التي خلقت بعض الفوضى التي لم تتجاوز الشوارع والساحات العمومية، ولم تحدث أي تغيير يذكر. وعادت إلى الأذهان المشاهد المأساوية المدمرة في قطاع غزة إثر عملية عمود السحاب التي شنتها إسرائيل على القطاع في منتصف أكتوبر، والتي خلفت 350 قتيل و1200 جريح، ولم تضع أوزارها إلا بتدخل مصري أثار الكثير من التعليقات على الصعيد الدولي، وعرفت 2012 افتكاك فلسطين لصفة دولة في الجمعية العامة لهيئة الأممالمتحدة. أما في سوريا فالحرب لاتزال مستمرة فيها، إذ بينما يقترب عام 2012 من نهايته، يستقبل السوريون الذكرى السنوية الثانية لحرب أهلية دامية، أدت حسب بعض التقديرات، إلى قتل أكثر من 40 ألف شخص منذ بدء الانتفاضة السلمية ضد الرئيس بشار الأسد في فيفري 2011، فقد تحولت الانتفاضة بسرعة إلى حمام دم، بينما الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الدوليون غير راغبين في التدخل، حيث لا ترغب القوى الغربية في الانجرار إلى حريق آخر في منطقة الشرق الأوسط التي تمزقها الاستبدادية العلمانية. وبصرف النظر عن الانتماء الطائفي على أسس دينية، فإن الفوضى تغذى بمزيد من جداول الأعمال الإقليمية والحرب بالوكالة واشتعال الحرب الباردة بين الغرب وروسيا والصين، وامتدت الأزمة إلى الحدود السورية في لبنان والعراق، ويزداد القلق الغربي من الدور الذي تقوم به عدد من الميليشيات السلفية الإسلامية المتطرفة في سوريا، ورغم تراجع قوة الأسد ووقوع أماكن كثيرة تحت سيطرة المتمردين، إلا أنه لا يستطيع أحد التنبؤ متى أو بأي بتكلفة ستنتهي الأزمة، ولا أي نوع من النظام قد يحل محل النظام الحالي. أما خارج حدود الشرق الأوسط والدول العربية، فقد ظفر باراك أوباما في نوفمبر من هذه السنة بولاية رئاسية ثانية لمدة أربع سنوات، ليصبح بذلك ثاني رئيس ديمقراطي، بعد بيل كلينتون، تتم إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية منذ الحرب العالمية الثانية، وافتك الاتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام، وتم تسجيل فوز اليسار في فرنسا إثر انتخاب فرانسوا هولاند رئيسًا لفرنسا، وهو الحدث الذي يعد في مقدمة أهم الأحداث بالنسبة للفرنسيين في عام 2012.