عندما يكون المتهم في قفص الاتهام يقبع وراء القضبان، يجتهد المحامي في مرافعته من أجل إقناع القاضي بالبراءة التامة والإفراج الفوري عن المتهم الذي كان المدّعي العام قد أودعه الحبس الاحتياطي التعسفي منذ عام! ولعل الغريب في الأمر أن يستغني هذا المتهم عن المحامي ويتنازل عن حقه في الدفاع ويطلب من القاضي بصوت مرتفع أن ينفذ أحكام القانون أو أن يحكم عليه بالإعدام! لكن كيف يكون الموقف إذا كان هذا الذي يقف في قفص الاتهام من وراء القضبان هو القانون!!.. كيف يحكم القاضي على المتهم ويحتكم إلى القانون بينما القانون هو المتهم، نعم إن القانون هو الخصم والحكم والمتهم!!!... لم يكن هذا القانون غير القانون العضوي المتعلق بالإعلام الذي عرضته الحكومة على البرلمان والذي تناول مشروع القانون بالنقاش والإثراء ليصادق عليه وينشره رئيس الجمهورية في الجريدة الرسمية بعد موافقة مجلس الدولة والمجلس الدستوري. تقول المادة الأولى من هذا القانون: يهدف هذا القانون إلى تحديد المبادئ والقواعد التي تحكم ممارسة الحق في الإعلام وحرية الصحافة. غير أنني أريد أن أبدأ الحديث من المادة الأخيرة من هذا القانون وهي المادة التي تتكرر في كل القوانين حيث تقول هذه المادة: ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، أي أن هذا القانون لم ينشر في جريدة أخرى لدولة أخرى غير الجزائر وغير جريدتها الرسمية!. لست أدري كيف أنني لم أنتبه عندما كنت نائبا بالبرلمان ولم أتقدم بتعديل أقترح فيه إلغاء المادة الأخيرة التي تنص على أن القانون ينشر في الجريدة الرسمية، مادام القانون المنشور لا تتولى الحكومة تنفيذه على الرغم من أن السلطة التنفيذية هي التي في كل مرة تبادر بعرض مشاريع القوانين على النواب الذين يمثلون السلطة التشريعية. لقد أردت من خلال هذا أن أقول إن البرلمان في حاجة إلى لجنة دائمة أخرى تتولى مراقبة تطبيق القوانين وعلى ما أعتقد فإن مثل هذه اللجنة البرلمانية تصبح أكثر أهمية من لجنة الشؤون القانونية. وإذا كانت المادة ما قبل الأخيرة تقول: تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون ولاسيما القانون السابق باعتبار أن القانون الجديد يلغي القانون القديم، فإننا في النهاية نكون قد أصبحنا من الخارجين عن القانون مادام القانون اللاحق غير ساري المفعول بعدما لم نحترم الآجال التي يحددها القانون والتي عادة ما ترد في باب الأحكام الختامية والانتقالية. لا أريد أن أغلق الباب الثاني عشر والمتعلق بالأحكام الانتقالية والختامية حيث أن المادة الثالثة ما قبل الأخيرة من القانون العضوي المتعلق بالإعلام تقول: يجب على العناوين وأجهزة الصحافة أن تتطابق مع أحكام هذا القانون خلال سنة واحدة من تاريخ تنصيب سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. وعليه، فإن باب الأحكام الانتقالية والختامية هو الذي سوف يفتح لنا بقية الأبواب الأخرى الخاصة بالقانون العضوي المتعلق بالإعلام وخاصة ما يتعلق بالصحافة المكتوبة أو بالجرائد الإخبارية، وإن كان القانون يتحدث عن الصحفي فهو لا يختلف عن الصحفي في بقية الوسائل الإعلامية الأخرى والتي تشترك كلها في الكثير من أبواب القانون العضوي المتعلق بالإعلام، مثلما يتعلق الأمر بالأحكام العامة التي وردت في الباب الأول أو ما ورد في الباب السادس والذي كان بعنوان مهنة الصحفي وآداب وأخلاقيات المهنة، وكذلك الباب السابع الذي يقنن حق الرد وحق التصحيح ثم الباب الثامن الذي يحدد المسؤولية القانونية وفي الأخير الباب التاسع المتعلق بالمخالفات المرتكبة في إطار ممارسة النشاط الإعلامي، وحتى الباب العاشر الذي ينص على دعم الدولة للصحافة وترقيتها مثلما يلزم المؤسسات الإعلامية بتخصيص نسبة معينة من أرباحها السنوية لفائدة تكوين الصحفيين وترقية الأداء الإعلامي. أعتقد أن العمود الفقري للقانون العضوي المتعلق بالإعلام يتمثل في سلطة ضبط الصحافة المكتوبة حيث توازيها سلطة ضبط النشاط السمعي البصري والتي نص عليها هذا القانون الذي أحال على القانون المتعلق بالنشاط السمعي البصري كل ما يتصل بتحديد مهامها وصلاحياتها وتشكيلتها وسير عملها. وها قد مر عام من غير أن يعرض هذا النص التشريعي على البرلمان على الرغم من أن أهم التوصيات التي رفعتها لجنة الثقافة والاتصال بالمجلس الشعبي الوطني قد كانت تدعو إلى الإسراع في إعداد النصوص التنظيمية ذات الصلة بالقانون العضوي المتعلق بالإعلام بما يساهم في وضع خارطة طريق إعلامية جديدة تقضي على الفوضى والاحتكار والسيطرة التي أصبحت تميز القطاع الإعلامي. مثلما أوصت اللجنة بالإسراع في إعداد القانون الخاص بالسمعي البصري من أجل مواكبة التطور المتسارع للتكنولوجيات الحديثة في مجال الإعلام والاتصال والتواصل حيث أصبح المواطن شريكا أساسيا في الرسالة الإعلامية. وعليه، فإن فتح الحقل السمعي البصري للاستثمار الخاص لابد أن يكون على أساس دفتر شروط وبما يعزز الوحدة الوطنية والتنوع الثقافي وحماية الأمن الإعلامي الذي من شأنه أن يصد مختلف الهجمات الإعلامية الشرسة والحملات التضليلية المنظمة ضد كيانات الدول. لقد مرت سنة على نشر القانون العضوي المتعلق بالإعلام في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية من غير أن تنشأ سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والتي يفترض أن تكون سلطة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية المالية، وهي السلطة تتولى ضبط الممارسة الإعلامية في مجال الجرائد الورقية والجرائد الإلكترونية حيث نص القانون على تحديد مهامها وصلاحياتها وتشكيلتها وسير عملها. إبراهيم قارعلي يتبع