الأمم المتحدة: سلطات الاحتلال ترفض 37 محاولة لوصول المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة    لبنان: ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني إلى 3823 شهيدا و15859 مصابا    الإصلاح الشامل للعدالة يعد أبرز محاور برنامج رئيس الجمهورية    المسابقة الوطنية ستطلق غدا الخميس    لقد جعلت بلادنا من الأمن الغذائي رهانا استراتيجيا يتوجب علينا كسبه    ضرورة تصحيح الاختبارات داخل الأقسام    ورشة تكوينية للقضاة وضباط الشرطة من تنظيم وزارة العدل    عطاف يقوم بطرد وزيرة الخارجية السابقة للصهاينة تسيبي ليفني    إقامة صلاة الاستسقاء عبر الوطني السبت القادم    خنشلة : أمن دائرة بابار توقيف 3 أشخاص وحجز 4100 كبسولة مهلوسات    ترقب تساقط بعض الأمطار وعودة الاستقرار يوم الجمعة    مستغانم : قوافل الذاكرة في مستغانم تتواصل    كرة القدم/رابطة أبطال إفريقيا : شباب بلوزداد ينهزم أمام اولاندو بيراتس (1-2)    الفريق أول شنقريحة يزور معرض أحمد الجابر للنفط واللواء مبارك المدرع 15    بصمة الرئيس تبون بادية للرقي بالفلاحة والفلاحين    الاتحاد الدولي للسكك الحديدية يشيد بمشاريع الجزائر    دعوات للتصدي للتطبيع التربوي بالمغرب    رمز الريادة والابتكار    وزارة الصناعة : السيد غريب يشرف على تنصيب الأمين العام ورئيس الديوان    وزير الاتصال يعزّي عائلة الفقيد والأسرة الإعلامية    رحيل صوت القضيتين الفلسطينية والصحراوية في المحاكم الدولية    الجيش الصحراوي يستهدف قوات الاحتلال المغربي المتمركزة بقطاع امكالا    الفريق أول شنقريحة يواصل زيارته الرسمية إلى الكويت    محرز يحقق رقما مميزا في دوري أبطال آسيا    مازة لن يغادر هيرتا برلين قبل نهاية الموسم    مدرب مانشستر يونايتد يصر على ضم آيت نوري    تطبيق مبتكر يحقق الأمن السيبراني    لخضر رخروخ : إنشاء المجمع العمومي لبناء السكك الحديدية مكسب كبير    حريق يأتي على ورشة نجارة    اكتشاف عيادة سرية للإجهاض    طالب جامعي متورط في سرقة    الإطاحة بشبكة إجرامية من 5 أشخاص بوهران    الصيد البحري وتربية المائيات.. فرص استثمار "واعدة"    معرض لورشات الشباب الفنية    البحث في علاقة المسرح بالمقاومة    تسليط الضوء على أدب الطفل والتحديات الرقمية الراهنة    جائزة الشيخ عبد الكريم دالي : حفل تكريمي للفنان الراحل نور الدين سعودي    الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير بتبسة: فيلم "القناع" للمخرج فيصل قادة يفتك المرتبة الأولى    الملتقى الدولي للمهرجان الثقافي للفن المعاصر : منصة للتبادل والتحاور في مواضيع الفن المعاصر    فتح باب التسجيل ابتداء من يوم غد.. سوناطراك: 19 شعبة معنية بمسابقة التوظيف    أيام توعوية حول مضادات الميكروبات    الفترة المكية.. دروس وعبر    كابوس مرعب في موسم الشتاء    الكيان الإرهابي يعلن الحرب على أطفال غزّة    معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة بوهران: استقطاب أكثر من 15 ألف زائر    وزير الصحة يشرف على اختتام أشغال الملتقى الدولي الثامن للجمعية الجزائرية للصيدلة الاستشفائية وصيدلة الأورام    تسيير الأرشيف في قطاع الصحة محور ملتقى    الفروسية : كأس الاتحادية للمسابقة الوطنية للقفز على الحواجز من 28 إلى 30 نوفمبر بتيبازة    رقمنة القطاع التربوي: التأكيد على "الانجازات الملموسة" التي حققتها الجزائر    الدور الجهوي الغربي الأخير لكأس الجزائر لكرة القدم: جمعية وهران -اتحاد بلعباس في الواجهة    ندوة بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة    إعادة انتخاب دنيا حجّاب    بتوفير كافة الشروط لضمان عدالة مستقلة ونزيهة    الابتلاء المفاجئ اختبار للصبر    وفاق سطيف يرتقي إلى المركز الخامس        هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تنافس فرنسي - تركي على النفوذ، وإسبانيا وإنجلترا تكتفيان بالترويج اللغوي
الفجر تفتح ملف المراكز الثقافية الأجنبية في الجزائر
نشر في الفجر يوم 07 - 01 - 2013

وصفت المراكز الثقافية على أنها وسيلة من وسائل التقارب بين الشعوب، غرضها الأول تقوية العلاقات وقد يتجاوز القطائع الحضارية والأيدلوجية، لكن يمكن أن تكون أيضا وسيلة لتسويق سياسية أي دولة في محيطها الخارجي، وقفاً لمبدأ القوة الناعمة التي قد تحقق ما لا يمكن للجيوش أن تحققه، بعبارة أخرى كيف يمكن للمراكز الثقافية أن تكون وسيلة من وسائل السيطرة على أي دولة؟ مثلا عندما يقول فرانسوا هولند: ”إن كتاب الجزائر أضافوا للغة الفرنسية”. وعندما تقول يمينة بن قيقي: ”إن الجزائريين اليوم يتحدثون الفرنسية بدون حقد”. كذلك من جانبه يقول أردوغان: ”إن كل بلاد وطأتها خيول أجدادنا لنا فيها حق”، فهل يعني كل هذا أن الثقافة قد تكون الواجهة أكثر أناقة للحملة العسكرية.
بقيت الجزائر التي اعتبرتها الوزيرة خليدة تومي ”قارة ثقافية” عاجزة عن تسويق ثقافتها خارج البلاد، رغم الثقل الاستراتيجي بالنظر للإمكانيات المتاحة، لكن بقيت، من جهة أخرى، مجهولة لدى الأشقاء والأصدقاء. كما بقي جزء من الأصدقاء والأشقاء مجهولون عندنا باستثناء فرنسا التي ما زالت بعد خمسين تتحكم في مداخل ومخارج الجزائر ثقافيا واقتصاديا.
الفرنسية ليست لغة رسمية في الجزائر، لكنها أيضا ليست لغة أجنية تماما
على طول الخط اعتبرت فرنسا الجزائر حديقة خلفية لثقافيتها ولغتها التي صارت لغتنا، ولكن المفارقة أن ”غنيمة الحرب” التي حازت على امتيازات طيلة 130 سنة من الاستعمار تطورت بعد الاستقلال” كما قالت جريدة ”لبراسيون” الفرنسية التي خصصت مقالا مطولا للحديث عن ”غنيمة الحرب” التي تطورت في جزائر الاستقلال بعد خمسين سنة من الاستقلال.
في هذا السياق، خصّصت الجريدة الفرنسية صبيحة اليوم الثاني لزيارة هولاند إلى الجزائر، مقالا مطولا تشرح فيه واقع اللغة الفرنسية في بلادنا، حيث توضح أن اللغة التي اعتبرها كاتب ياسين غداة الاستقلال غنيمة حرب قد تمت المحافظة عليها وما زالت متواجدة في كل مكان في الجزائر، في الصحف، في اللوحات والملصقات الإشهارية والمعاملات التجارية، وصولا إلى التعليق على المقابلات الرياضية على الإذاعات أو المحادثات الإعلامية، الجزائريون يخلطون بطريقة تداخلية بين العربية المتحدثة وبين الفرنسية.
تواصل الجريدة الفرنسية تحليلها فتقول: الفرنسية ليست لغة رسمية في الجزائر، لكنها أيضا ليست لغة أجنية تماما. الفرنسية تتبع هنا كل ”تطورات المجتمع ونبضه” تقول لبيراسيون.
من غنيمة حرب إلى حرب الغنائم
تواجدت اللغة الفرنسية في الجزائر من خلال الإدارة والأعمال وتسيير قطاعات واسعة من الدولة، في حين ظل خطاب التعريب شعارا شعبيا مرفوعا طيلة نصف قرن من الاستقلال. غير أنه اليوم تمّ إخراج ما كان مخبأ في السر، وأصبحت الجزائر وفق الاتفاقيات التي عقدتها مع وزارة الخارجية الفرنسية بشأن استقدام أساتذة اللغة الفرنسية لإنعاش المنظومة التربوية ترعى بطريقة أو بأخرى هذه اللغة بشكل رسمي، حيث وضعت هذه الخطوة حدا للجدل الذي أثير داخل اللجنة التي أوكل لها بوتفليقة مهمة إصلاح برامج التعليم حول أولية الفرنسية والإنجليزية في المدارس الجزائرية.
رغم عدم انتماء الجزائر رسميا إلى مجموعة الدول الفرانكفونية، واكتفت عام 2008 في قمة بيروت التي مثلنا فيها الرئيس بوتفليقة بصفة عضو ملاحظ، لكنها تبقى أكبر دولة الفرانكفونية في العالم. وذلك حسب دراسة فرنسية نشرتها لبيراسيون تشير إلى أن ثلث سكان الجزائر ممن يعرفون القراءة والكتابة يستعملون الفرنسية. وقد جاء انضمام الجزائر عام 2008 إلى مبادرة الشراكة من أجل المتوسط بعد زيارة ساركوزي حدثا آخراً لتكرس وجود وتغلغل لغة موليير في الجزائر.
من المفارقات المسجلة في هذا المجال أن فرنسا هي التي تدفع للدول المنضوية تحت لواء منظمة الفرانكفونية من أجل تطوير وتكريس الفرنسية، لكن عندنا الجزائريون هم الذين يدفعون من أجل الفرنسية، حيث ذكر تحقيق ليبراسون أن الفرنسية لم تفقد مكانتها في الجزائر حتى إبان الصراع الأديولوجي اللغوي بين 1970 و1980 أو العشرية السوداء، والصراع مع الانجليزية لاستحواذ على السوق الجزائرية، لكن مقابلات العمل والوثائق الإدارية ما تزال تصدر بالفرنسية وما زال الجزائريون يتعاملون بلغة المستعمر القديم.
المعهد الثقافي الفرنسي 14 مليون يورو من اجل استعادة أمجاد لغة موليير
يعتبر المركز الثقافي الفرنسي بالجزائر من أنشط المؤسسات الثقافية في البلاد، ونشاطه ودقة تنظيمه تحسده عليه حتى وزارة الثقافية مثلما صرح أحد مسؤوليه للبراسيون الفرنسية. ورغم أن نشاط المركز توقف إبان العشرية السوداء إلا أنه عاد إلى العمل وبوتيرة أكثر نشاطا من ذي قبل، حيث تحول من مركز إلى معهد يجمع أربع مراكز جهوية في أكبر المدن الجزائرية وهران، عنابة وتلمسان في انتظار توسيعه إلى مناطق أخرى من الجنوب، وقد جاء إعادة ترتيب وهيكلة المعهد، حسب تصريحات المسؤولين، الفرنسيين، في إطار إعادة الاعتبار للغة والثقافة الفرنسية في الخارج خاصة في مستعمراتها القديمة، في هذا السياق، اعتبر السفير الفرنسي بالجزائر كزافييه دريانكور ”هذه المبادرة استجابة لخيار الحكومة الفرنسية لدعم المساعي الثقافية الفرنسية عبر العالم، ضمن ما يسمى بالدبلوماسية الثقافية”. الأمر الذي ساعد المركز الثقافي الفرنسي بالجزائر على العمل بنشاط كبير هو الاستقلالية التي يتمتع بها عن السفارة، وكذا الميزانية المخصصة له والمقدرة ب 14 مليون يورو 44 بالمائة منها مخصصة للتعاون الجامعي والعلمي، و17 بالمائة منها مرصودة لتدريس اللغة الفرنسية ودعم النشاطات الثقافية التي يقيمها المعهد.
في السياق ذاته، وتزامنا مع الزيارة التاريخية للرئيس هولاند إلى الجزائر، أعلن المعهد من جهته عن قرارات تاريخية في مبادرة هي الأولى من نوعها في الجزائر، فرغم الأزمة الاقتصادية التي تضرب فرنسا خصص المعهد ميزانية معتبرة لدعم المشاريع الثقافية والفنية للمؤسسات الثقافية والجمعيات الجزائرية في مختلف الميادين، من الفنون البصرية، السينما، المسرح، الفن التشكيلي وكذا الكتاب والترجمة، حدد المعهد المدة المخصصة لاستقبال المشاريع ما بين 7 فيفري و27 جوان 2013، كآخر أجل لاستقبال المشاريع التي أدرجها في إطار التعاون بين البلدين، واشترط المعهد عدم قبول المشاريع التي تطرح بشكل شخصي وفردي، لكن تكون مدرجة في إطار مؤسساتي أو شركات إنتاج أو جمعيات للمجتمع المدني ويصل حجم المساعدات المادية التي أعلن عنها المعهد الفرنسي بالجزائر ما بين 3000 و5000 آلاف يورو للتكفل بالمشاريع ومن 1000 إلى 3000 يورو للتكفل اللوجستي في التنظيم، وتذاكر الطائرات مع إبقاء الفاتورة مفتوحة من أجل رفع قيمة الدعم في حال كان المشروع المقدم يستحق ذلك شريطة تبريره.
خيار الحكومة الفرنسية الذي تحدث عنه سفيرها بالجزائر، والمتمثل في دعم الفرنسية داخل مستعمراتها القديمة، توجت بإعادة هيكلة مركزها الثقافي في شكل معهد ضم خمس مراكز في كبرى مدن الجزائر مثل وهران، عنابة، تلمسان وتيزي وزو في انتظار مركز في الجنوب الكبير. وفي إطار الخيار الفرنسي زار العام الماضي وزير الثقافة الفرنسية أروقة معرض الكتاب بالجزائر حيث شدد أمام الدور الفرنسية على ضرورة نشر الكتاب الفرنسي، وجعل أسعاره في متناول الجمهور. وقد تمت كل هذه المجهودات الفرنسية في العلن وأحيانا بمساعدة الجزائر نفسها، حيث أثار الإعلان عن فتح 2000 منصب لتدريس للغة الفرنسية موجة صراعات بين الكتل السياسية حتى أن الرئيس السابق جمعية العلماء المسلمين المرحوم الشيخ عبد الرحمن شيبان، اعتبر يومها الخطوة توجه نحو فرنسا الجزائر وقال في تصريح نقلته الشرق الأوسط ” وقد سعينا لترقية التدريس باللغة العربية في الجامعات والمعاهد لكن السلطة فاجأتنا بفتح الباب واسعا للثقافة التغريبية لتزحف على ثقافتنا العربية الإسلامية، والنخبة الحاكمة تنظر إلينا على أننا متخلفون ونريد أن نحرم الأجيال من وسائل التقدم، ويعتقدون أن اللغة الفرنسية هي أهم هذه الوسائل، ولكننا لن نسكت عن ذلك”.
استراتيجية فرنسية جديدة من أجل وقف المد التركي في الجزائر
انتبهت الإستراتيجية الفرنسية الجديدة خاصة بعد التقارير الدولية التي أشارت إلى تراجع اللغة والثقافة الفرنسية في السنوات الأخيرة عبر العالم لصالح لغات، لقوى صاعدة مثل الصينية والإنجليزية والإسبانية وحتى التركية بما في ذلك تلك الدول التي كانت تمثل إلى وقت قريب مجالا حيويا فرنسيا. حيث تشير الأرقام المستقاة من المعهد الثقافي الفرنسي بالجزائر، أن هناك 11065 مسجل في أقسام الدروس التدعيمية وتحسين المستوى في اللغة الفرنسية، أغلب المسجلين هم من الطلبة والعمال، ويدفع الطالب 1200دج أي ما يعادل 110 يورو من أجل خمسين ساعة.
العدد المعلن عنه تضاعف في السنوات الأخيرة حيث لم يكن عدد المسجلين في المعهد حتى عام 2008 يتجاوز 4571 مسجل. وقد أكد فابريس مدير قسم اللغات بالمعهد في تصريح نقلته لبراسيون الفرنسية، أنها تضاعفت بأكثر من النصف خلال أربع سنوات. وبعد عشر سنوات من استئناف الدروس في مدرسة ألكسندر دوما الثانوية الفرنسية بالجزائر فتحت فرنسا في عام 2012 مدرسة ابتدائية في دالي إبراهيم لتدعيم اللغة والثقافة الفرنسية.
فرنسا استفردت بالساحة الثقافية في الجزائر عندما وجدت الساحة مفتوحة بل فارغة، بعد أن تمت عرقلة أو تحييد المراكز العربية فالمركز المصري ما زال ينتظر موافقة وزارة الخارجية لإعادة فتحه بعد غلقه أثناء الأزمة الأمنية، والمركز السوري أيضا ما زال ملفا مطويا، والمراكز الأخرى الأجنبية الموجودة في الجزائر مثل المركز الاسباني والألماني والإيطالي انحصرت نشاطاتها في محاولة الترويج للغاتها وتقديم بعض الخدمات لطلاب خاصة، وهذا بعد ما عجزت عن منافستها لتغلغل نشاط المعهد الفرنسي.
وفي سياق المنافسة على افتكاك مكانة تحاول كل من السفارة البريطانية والأمركية فتح مراكز متخصصة في تعليم اللغة الإنجليزية، بعدما لاحظت إقبال الشارع الجزائري وخاصة شريحة الشبان على تعليم الإنجليزية. فقد سجلت تقارير دولية أن اللغة الفرنسية فقدت الكثير من مواقعها عبر العالم بما في ذلك مستعمراتها القديمة، حيث جاءت في الترتيب بعد كل من الإنجليزية والإسبانية والألمانية العربية والصينية، فالجزائريون الذين اكتشفوا الاستثمار الصيني في الجزائر يسعون أيضا لاكتشاف أيضا لغة الجنس الأصفر، وفي السياق نفسه، تسعى تركيا إلى الاستثمار الاقتصادي والثقافي في الجزائر، وقد قدمت للسلطات الجزائرية طلبا بفتح مركز ثقافي لها بالجزائر، لكن السلطات رفضت الطلب لأسباب تبقى مجهولة. ورغم أن قرار قبول أو رفض منح الرخص للمراكز الأجنبية للعمل بالجزائر هو بيد وزارة الخارجية التي تسير هذه المهمة وفق المرسوم رقم 81-293 المؤرخ في 24 أكتوبر سنة 1981 والمتضمن تنظيم نشاط المراكز الثقافية أو الإعلامية الأجنبية، لكن الوزارة المعنية لم تقدم في هذا الصدد أي تفسير لهذا الرفض، وعلى أي أساس تقبل أو ترفض الطلبات، بعض المصادر غير الرسمية وذات صلة بالملف، أشارت إلى الضغط الفرنسي في هذا الاتجاه لأن هناك منافسة فرنسية تركية لاستثمار في الجزائر، فرئيس الوزراء التركي أشار إلى ما يفيد هذا المعني أثناء تعليقه على مسلسل حريم السلطان قائلا: ”حيثما وصلت خيول أجدادنا يجب أن يكون لنا وجود” فتركيا لها نفوذ اقتصادي حتى على فرنسا في مجال المنسوجات وبينهما ثأر تاريخي، لأن فرنسا طردت الدولة العثمانية من الجزائر”. كما سبق وأن تحدث رئيس الوزراء التركي عن جرائم فرنسا في الجزائر أثناء سعي فرنسا لاستصدار قانون تجريم إبادة الأرمن، لكن فرنسا سحبت القانون تحت التهديد التركي ومخافة الضغط اقتصاديا من الدولة التي يرفضها الاتحاد الأوروبي لأن لها ماضي إسلامي على حد قول ساركوزي. وقد سعت فعلا تركيا عبر برلمانها لاستصدار قانون يجرم الإبادة الفرنسية للجزائريين إبان الحقبة الاستعمارية.
في هذا الإطار تتخوف فرنسا من أن تفقد مكانتها الثقافية في الجزائر أمام المنافسة التركية، خاصة وأن الشارع الجزائري لا يشعر بذات الحساسية الاستعمارية الموجودة مع فرنسا. فالجزائريون ينظرون للتواجد التركي بالجزائر، على أنه تواجد من أجل الحماية، فضلا على وجود العامل الديني الذي بإمكانه إيجاد الكثير من التوافق.
الاهتمام التركي بالجزائر ليس فقط اقتصاديا لكنه أيضا اهتمام ثقافي، حيث تسعى تركيا لتموقع في الجزائر من خلال صنع جسور تقارب فكري وثقافي تمكنها من التعزيز والترويج لنفسها، وهذا عبر تنظيم حلقات فكرية تحاول إيجاد نقاط التواصل بين المفكرين الأتراك ونظرائهم من الجزائر مثل حلقة ”عبد الله كولن والمفكر مالك بن نبي” التي نظمت مؤخرا بالعاصمة وحظيت بدعم ورعاية الجانب التركي.
هذا النوع من الحلقات الفكرية ينظم عبر جمعيات بالعاصمة وله أتباع ومشجعين خاصة من طلبة وأساتذة الجامعة الذي اكتشفوا أن في تركيا اتجاه ثقافي مميز. هذا ما يفسر الاتجاه الكبير في السنوات الأخيرة للطلبة الجزائريين نحو الجامعات التركية عن طريق البعثات العلمية وكذا المنح والتسهيلات التي تمنحها الجامعات التركية للطلبة الجزائريين. وقد وجد أغلب الطلبة والباحثين هناك المناخ المناسب في ظل تنامي ظاهرة معاداة الأجانب في أوروبا.
في اتجاه مماثل أيضا هناك محاولات في الجزائر من طرف بعض النخب الحزبية والمالية لتبني الخيار التركي، حيث تحاول بعض الأحزاب الإسلامية أمثال حمس والنهضة تبني الطرح التركي لتعويض خسارتها واسترجاع شرعيتها في الشارع الجزائري بعد أن فقدت مصداقيتها لدى الجزائريين على إثر اندماجها في السلطة. من جهة أخرى، هناك رجال أعمال من بعض الفئات الاجتماعية التي تحاول الترويج وتوسيع شبكة الأعمال التركية في الجزائر، موازاة مع ذلك يوما بعد آخر صار النفوذ الثقافي التركي يفرض نفسه على البلاد في منافسة الثقافة الفرنسية حتى أن مركز تعليم اللغات التابع للجامعة فتح العام الماضي تخصصا جديدا لتعليم التركية في الجزائر، بعد تسجيل الإقبال عليها من طرف الطلاب ورجال الأعمال وحتى تجار الشنطة.
المراكز الجزائرية في الخارج سبات شتوي ووكالة الإشعاع تتبنى الخيار الفرانكفوني
بعد الأزمة الأمنية التي عصفت بالبلاد، سعت الجزائر في محاولة لاستعادة واجهتها الخارجية إلى إعادة هيكلة مراكزها الثقافية في الخارج، حيث أقرت الجزائر مرسوما رئاسيا يهدف إلى إعادة هيكلتها بوضعها تحت وصاية وزارة الشؤون الخارجية، على أن تضبط نشاطها بما يتماشى والسياسة الثقافية للجزائر، وتكون وزارة الثقافة شريك في عملية التسيير لتجربتها في هذا الميدان. ونصّ المشروع على أن تقيد ميزانية المراكز الثقافية من قبل وزارة الشؤون الخارجية على أن يسير كل مركز من طرف مجلس إدارة يرأسه السفير، ورئيس البعثة الدبلوماسية إلى جانب ممثل عن وزارة الثقافة وعدد من ممثلي الوزارات التي لها علاقة سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على غرار وزارة المالية، السياحة، التربية الوطنية، وكذا وزارتي المؤسسات الصغيرة والصناعة التقليدية، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ونص المرسوم على أن مدير المركز يعين بمرسوم رئاسي. ورغم ذلك بقيت المراكز الثقافية الجزائرية في الخارج في حالة خمول، ولم تؤد دورها في التعريف بثقافة البلد وبقيت مجرد واجهة لبلد مجهول لدى الأشقاء والأصدقاء. وحتى المركز الثقافي المتواجد في باريس لا يعمل بنفس وتيرة نظيره الفرنسي بالجزائر في إطار سياسة المعاملة بالمثل، وحتى عندما تم تعيين الكاتب ياسمينة خضرا على رأسه بقي المركز خارج إطار السياسية الثقافية للبلاد إن كان للبلاد فعلا سياسية ثقافية.
أنشأت السلطات وكالة الإشعاع الثقافي من أجل الترويج للثقافة الجزائرية في الخارج عبر الأسابيع الثقافية الجزائرية في الخارج والتظاهرات العالمية الكبرى، حيث حدد المرسوم الذي انشأ الوكالة مهامها في: ”نشر أمثل للمنتوج الثقافي الجزائري خارج البلاد”، وستعزز هذه المؤسسة العمل الذي يقوم به القطاع في مجال تنظيم الأسابيع الثقافية ومشاركة الجزائر في مختلف التظاهرات الإقليمية والدولية، غير أن عمل الوكالة في الميدان يثبت أن العكس هو الحاصل، حيث تحوّلت الوكالة إلى وسيلة للترويج للثقافة الفرنسية في الجزائر فتسعين في المائة من نشاطاتها تتم باللغة الفرنسية، وأغلب ضيوفها في الجزائر من مستعملي الفرنسية. الوكالة التي فتح من دون كل عواصم العالم مكتب لها قار في باريس تدفع مبلغ إيجاره بالعملة الصعبة في أرقى أحياء العاصمة الفرنسية، حتي عندما تستضيف ضيوفا من العالم العربي أو من القارة الإفريقية فإنها تمنح الأولوية لمستعملي اللغة الفرنسية وهي الوكالة نفسها التي انتدبت لتدقيق حساباتها، وإعداد سياستها في الماركيتينغ والتسويق، سيدة فرنسية متعاونة مع مدرسة فرنسية للتسويق بالجزائر تقع في الشراڤة ”مدرسة امدي أي” ونصف أساتذتها من الفرنسيين. ويبقى معنى الدولية في عرف السلطات وحتى المؤسسات الجزائرية يعني ”فرنسا” أو لا يمكن أن يكون خارج فرنسا على الأقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.