ظل الفاشي جان ماري لوبان مناضلا مخلصا لحزبه ”الجبهة الوطنية” وهو حزب يميني متطرف أسسه وترأسه لمدة قاربت النصف قرن من الزمن، كما ظل جان ماري لوبان طيلة كل تلك المدة مدافعا عن مبادئ حزبه التي يرى فيها البعض أنها أفكار ومبادئ عنصرية منافية لكل الأخلاق والقيم الإنسانية، وقد كانت لجان ماري لوبان عدة محاولات لاعتلاء كرسي الرئاسة أو دخول قصر الإليزي لا لشيء إلا لتجسيد أفكاره ومبادئ حزبه داخل المجتمع الفرنسي ومكوناته، وقد حصل على المرتبة الرابعة من الدور الأول في آخر ترشح له لرئاسيات فرنسا من سنة 2007، ولما تقدم به السن مسكت ابنته ”مارين لوبان” المشعل حيث نصبها خلفا له لرئاسة حزبه الذي أسسه ”الجبهة الوطنية” لتواصل المسيرة بنفس السيرة والوتيرة حيث دخلت مباشرة معترك الرئاسيات الفرنسية من سنة 2012، لنفس الغرض وهو تجسيد أفكار ومبادئ حزب والدها الراسخة إلى الآن، وابنته باقية أيضا على رأس الحزب بنفس الأفكار والمبادئ. ما أتيت على ذكر هذا كمثال فقط من سيرة جان ماري لوبان ومسيرته النضالية الطويلة على رأس حزبه، وإن كان حزبا عنصريا فقد عمدت للتعريف به فقط إلا لتذكير من لا يتذكر، فقد يرى البعض أنه لا يستحق ذلك فالرجل يعتبر من أكثر ساسة فرنسا عداء للمهاجرين والعرب ككل. لقد ظل جان ماري لوبان ومازال وفيا لحزبه، بينما يظل أشباه المناضلين عندنا يتناثرون من على أغصان أحزابهم كأوراق الخريف، وهذا ما يحدث ونشاهده بالجزائر هذه الأيام، تلك الظاهرة التي ظهرت فبلغت ضراوتها الذروة وظهرت كذروة على ظهر البعير، لا بل هذه المرة ربما هي ظاهرة نستطيع أن نقول عنها حالة خطيرة ل”تسوس” عميق ضرب في الجذور، وإلا كيف نفسر استقالة مناضل وزعيم حزب مثل حزب التجمع الوطني الديمقراطي في الجزائر، وأقصد به الشخصية السياسية الجزائرية السيد أحمد أويحيى فما فحوى رسالة هذه الاستقالة يا ترى؟ وهل هي رسالة حررها السيد أحمد أويحي بيده أو أنها وصلته عن طريق البريد الوارد؟. لا معطيات دقيقة ولا أدلة جنائية وجدت بمحيط هذه الاستقالة القاتلة يستطيع الباحث عن الحقيقة الاستناد إليها للوصول إلى الأسباب الحقيقية والدوافع الكامنة لهذه الاستقالة أو على الأقل من هو الفاعل الحقيقي الذي يقف وراءها؟ لذلك بقت وربما ستبقى لوقت طويل تجر وراءها الكثير من التساؤلات والتأويلات. يبدو أن مستقبل السيد أحمد أويحي في الحزب والتحزب قد تأكد، وربما يكون الرجل قد أخذ بنصيحة من قول القذافي عن التحزب التي تقول ”من تحزب خان” وأخرى تقول ”البيت لساكنه” لذلك يكون السيد أحمد أويحى قد رمى بالمنشفة بعد أن رأى في بقائه بين من يمقتوه خيانة لهذا الحزب الذي تركه لغيره، حزب لا يراه من طينته ولا تلتقي أفكار ومبادئ الحزب التي لا توجد أصلا ولم تكتب، مع أفكار ومبادئ الرجل، وإلا كيف نفسر هذه الاستقالة وبهذه الكيفية من على رأس حزب تقول كل المؤشرات أنه في طريقه إلى الزعامة أو على الأقل هو في نفس المستوى مع ربيبه العتيد. في مجموع هذا وذاك يبدو أن ساستنا من زعماء الأحزاب والمناضلون الآخرون أضف إليهم أصحاب القرار، أولئك الذين لا تهمهم مصالح الشعب أو البلد، ولا مبادئ أو أفكار أحزابهم التي تبنوها يوما، فهم ممن ”لا يبدلون تبديلا” على مصالحهم الشخصية، وما اقترانهم بتلك الأحزاب، أو اعتلائهم للمناصب المرموقة ما هو إلا حب المتعة العابرة على غرار ”زواج المتعة” الذي يكون السيد أويحي قد وقع فيه مع حزب التجمع الوطني الديمقراطي، ومنصبه الحكومي المرموق الذي قد انتهى أو انهيا، ويكون السيد أويحي كغيره من الزملاء في المسيرة قد دخل مرحلة التنقلات بموازاة ما يجري هذه الأيام في كواليس السلطة والتنقلات على شاكلة ”الميركاتو” الشتوي في قانون لعبة كرة القدم، وهي مرحلة تسمح فيها ”الفيفا” بتنقلات أو بيع أو إعارة أو شراء اللاعبين فيما بين الأندية، لذلك أعتقد أن السيد أحمد أويحي يريد استغلال هذه المرحلة للانتقال إلى وجهة أخرى، لكن وفي هذا الوقت من عمر الرجل ونظرا لمجريات الأحداث والمشاهد السياسية الجارية في العالم، اعتقد أن وجهة السيد أحمد أويحي وهذا تحليلي الخاص فأنا أعتقد أن الرجل سيذهب بعيدا وستكون وجهته دبلوماسية، حيث سيختار سفيرا للجزائر بالخارج وهي الوجهة المفضلة لأغلب رجال السياسة في المراحل الأخيرة من مسيرتهم، قبل إحالتهم على التقاعد وهذا المنصب في حد ذاته هو حالة تقاعد ورفاهية، ليس في الجزائر فقط بل في كثير من دول العالم، أما عن إمكانية تفكير السيد أويحيى في دخول رئاسيات 2014، فلا أعتقد ذلك وإن دخلها فلن يكون إلا منافسا للرئيس القادم، لأن المعروف والمتفق عليه في العقيدة السياسية لرجال الحكم في الجزائر الفاعلين في السلطة، فإن الرئيس القادم للجزائر وككل مرة، لن يكون إلا من رجال أرشيف ”الثورة التحريرية” أو من تحت قبعة الجيش أي ”العسكر”، وأعتقد هنا أن البقية الباقية من هؤلاء هو رئيس الحكومة الأسبق رجل الإصلاحات السيد مولود حمروش، المرشح الوحيد لخلافة السيد عبد العزيز بوتفليقة، هذا الأخير الذي تقول كل المؤشرات والمعطيات لا عهدة رابعة له، بالنظر إلى ما يجري حوله من تغييرات خارجية وتلميع داخل هرم السلطة لتفادي ما يشهده العالم العربي من تغيير قط يطول الجزائر، فالمتغيرات مهما كانت تتغير. بقلم: خليفة فهيم / صحفي جزائري