سؤال لطالما طرحناه نحن الجزائريين، وطرحه أيضا الأجانب والأشقاء لماذا تقبل الجزائر المنتصرة ضد فرنسا أن نتصرف مع هذه الأخيرة وكأنها مهزومة أو خجلة أو مذنبةلأنها تعتبر أقوى قوة استعمارية في القرن العشرين؟ في الواقع، نحن الجزائريين عندما نطرح مثل هذا السؤال، فإنه ليس من باب الاستفهام بل من باب التعجب لأننا نعرف أسباب هذا الموقف، لكن الأجانب والأشقاء لا يفهمون ذلك إطلاقا خاصة أولئك الذين جربوا الاستعمار والذين وبمجرد أنه استعادوا السيادة قاموا بمحو كل إشارة وأولها لغته، لذا فإنك لا تجد كوريا يتحدث اليابانية، ولا تجد فيتناميا يتحدث الإنجليزية، وحتى الفلسطيني وهو تحت أبشع استعمار لا يتحدث العبرية. صحيح أننا في العقود الأولى للاستقلال كنا نعيش في جو الحماس ونشوة الانتصار، وكنا نناضل ونحن طلبة في الجامعة ضد الفرنسة ومن أجل التعريب، وكانت هناك مقاومة سياسية وثقافية لحزب فرنسا في الجزائر. لكن ومع مرور الوقت أصبحنا نتساءل لماذا لم يكن دوغول محقا عندما قال لأحد الضباط الغاضبين من قرار فرنسا قبول استقلال الجزائر: ”لا تخش يا ولدي، سوف نستعيد الجزائر بعد خمسين سنة”!؟ طبعا لا أحد منا كان يولي هذا الكلام أية أهمية وكنا جميعا نعتبره مجرد ”تنفيس عن الشعور بالهزيمة والإحباط ولكن عندما نسمع هولاند وهو يكاد يأمر الجزائر بضرورة التورط أكثر في حرب مالي التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل، والتي يمكن أن تتحول إلى شرارة تلهب الجنوب الجزائري وقد تهدد الوحدة والسيادة الوطنية... فمن الذي أعطى هولاند حق مطالبة الجزائر باتخاذ مواقف لا تخدم مصلحتها؟ وكيف لم نسمع أي رد رسمي إلى غاية الآن حول هذه العجرفة السافرة وهذا التطاول على بلاد الشهداء والمجاهدين؟ لقد تصرف هولاند خلال زيارته للجزائر كأنه جاء ليؤدبنا أو كأنه يملك حقوقا علينا لدرجة أنه أعلن من تلمسان عن نية تعديل الدستور الجزائري حتى قبل أن يعلن عنه ذلك رئيسنا!؟ عندما نقول بأننا نحن الجزائريين نعرف الإجابة عن السؤال السابق طرحه، فإننا نقصد بذلك أن الذنب ليس ذنب فرنسا بل هو ذنبنا جميعا، فالمسؤول الذي يستعمل اللغة الفرنسية في كل مكان وزمان، دون أن يجد نائبا أو مفكرا أو سياسيا أو مناضلا أو مجاهدا أو إماما يندد بذلك ويعترض ويحاسب إن كان في موقع يسمح له بذلك ويقاطع ذلك المسؤول مهما كانت درجته، يساهم في هذا التطاول الفرنسي على الجزائر، وعندما يقول وزير خارجيتنا أمام البرلمان الجغرافي بأننا أكثر أوروبية من الأوروبيين وأن الطرف الخارجي وحده يملك مصيرنا دون أن يسائله البرلمان أو دون أن يقال إنه ارتكب إهانة خطيرة في حق دماء الرجال والأبطال الشرفاء الذين ضحوا بأرواحهم من أجل عزة الجزائر وكرامتها وهويتها، فإن من حق هولاند أن يأمر الجزائر كما يشاء ويملي عليها ما يشاء. وعندما يحارب الرجال الوطنيون المخلصون ويقصون ويهتمون لصالح أبناء الحركى وحتى اليهود والشواذ، فإنه من حق هولاند أن يستخف بالجزائر وشعبها لأنه يعلم عورات الكثيرين ويدرك بأنهم لن يجرؤوا على رفع رؤوسهم مهما بلغت الإهانة. وأخيرا عندما يسكت المجاهدون عن كل هذه الانحرافات، فإن من حق آخر فرنسي أن يغتصب حرائر الجزائر... وعندما يصبح هولاند ناطقا رسميا باسم الجزائر يتابع ويعلق ويفصح عن تطورات عملية عين أميناس لحظة بلحظة في غياب مطلق للمسؤولين الجزائريين، وكأنه وصي علينا، فمن حق دوغول أن يقول بأن فرنسا ستستعيد الجزائر بعد خمسين عاما!؟