يؤكد الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين السعيد عبادو أنه لا سبيل لبناء علاقة حقيقة بين الجزائروفرنسا دون اعتذار هذه الأخيرة عن جرائمها وتعويضها لكل ما نهبته طيلة 130 سنة من تواجدها بالجزائر، ويرى عبادو في هذا الحوار الذي خص به »صوت الأحرار« أن الحركى »خونة باعوا وطنهم«، لكنه ترك الباب مفتوحا أمام أبنائهم إن اختاروا وطنهم، متسائلا عن سبب تغاضي الفرنسيين عن جرائمهم في الوقت الذي يجرّمون فيه النازية على الرغم من أن استعمارهم كان أقسى من النازية، ووصف عبادو موقف الجزائر فيما يتعلق بملف العلاقات الجزائرية الفرنسية ب»الايجابي«، مكذبا ما روّج له حول مطالب منظمته باسترجاع جبهة التحرير الوطني، ولمّح إلى انسحابه من رئاسة المنظمة لأسباب قال إنها صحية. * بعد يومين تعقد المنظمة الوطنية للمجاهدين مؤتمرها الحادي عشر في ظل ظرف وطني خاص تمر به الجزائر، هل يتماشى برنامج المؤتمر مع هذه المستجدات ؟ المؤتمر الذي سينطلق يوم 17 مارس الجاري هو مؤتمر عادي يعقد كل 5 سنوات، الهدف منه مبين في القانون الأساسي للمنظمة، وهو تقييم ما مدى تطبيق البرنامج المسطر باعتبار أن لوائح المؤتمر تضح برنامجا كل 5 سنوات، وهناك برنامج سنوي يضعه المجلس الوطني وهي المدة التي تعقد فيها دورة المجلس. وقد فضلنا عقد المؤتمر هذه السنة بالتزامن مع الذكرى الخمسين لعيد النصر المصادف ل 19 مارس من كل سنة، هذا اليوم يعتبر هو يوم استقلال الجزائر الحقيقي بعد تضحيات وبعد جهاد وبعد سقوط مئات الآلاف من الشهداء، ومن هذا المنطلق فضلنا أن تكون بداية أشغال المؤتمر يوم 17 على تختتم في 19 مارس. من جهة أخرى فإن هذا المؤتمر يعقد في ظروف خاصة تتميز بحراك سياسي تعرفه الجزائر، بعد الإصلاحات السياسية التي أقرها رئيس الجمهورية، والتي كانت منظمة المجاهدين من المساهمين في إثرائها من خلال مشاركتها في المشاورات، حيث قدمنا وثيقة تضمنت أهم الاقتراحات التي تتبناها المنظمة، والتي تنبع من إيماننا بمبادئ وقيم ثورة نوفمبر وضرورة تطبيق ما ورد في بيان أول نوفمبر في بناء الدولة الجزائرية. *هل تنوون الترشح لعهدة أخرى لرئاسة المنظمة؟ لم أفصل بعد في قرار ترشحي لتولي عهدة أخرى على رئاسة المنظمة، وما يمكنني قوله هو أن ظروفي الصحية وتقدمي في السن هما عاملان يمنعاني من مواصلة مهامي على أحسن وجه، وبإمكانهما منعي عن الترشح لعهدة أخرى. *هناك دعوات لضم المنظمة الوطنية للمجاهدين مع باقي منظمات الأسرة الثورية الأخرى تحت غطاء واحد، هل ترحبون بالفكرة؟ هذا الموضوع طرح في المؤتمر العاشر للمنظمة وهو اليوم مطروح بشكل أقوى في المؤتمر الحادي العشر، ولابد من فتح نقاش واسع مع كل المعنيين حول الموضوع، مع العلم أن منظمات الأسرة الثورية لها هياكل تنظيمية مستقلة وخاصة بها، وتختلف الآراء فهناك من يدعم هذا الخيار والبعض الآخر يعارض. وإذا تم طرح الموضوع يجب أن تلتف كل منظمات الأسرة الثورية تحت لواء واحد، وعليه يتم تغيير المنظمةّ، ولا يمكن أن أفصل في الموضوع لأن ذلك من اختصاصات المؤتمر، ولا أستطيع أن أسبق الأحداث. *هناك أوساط إعلامية تقول إن المنظمة التي تتولون أمانتها العامة طالبت باسترجاع جبهة التحرير الوطني كإرث تاريخي، هل تؤكدون ذلك ؟ هذا أمر غير وارد أبدا، ولم نتكلم عنه ولم نذكره بل هناك بعض وسائل الإعلام من تحدثت فيه، ولم ندع يوما لاسترجاع جبهة التحرير الوطني كإرث تاريخي. ونحن منظمة وطنية للمجاهدين ولا نتدخل في شؤون الأحزاب، ولا يمكن أن ندخل الساحة السياسية باسم المنظمة، وأؤكد لكم أن هذا الرأي غير مطروح تماما للنقاش في المؤتمر الحادي عشر. *تستعدون لعقد المؤتمر والجزائر تحتفل بالذكرى الخمسين لاسترجاع السيادة الوطنية، في ظل جدل وطني حول ما تحقق من المشروع النوفمبري. إلى أي حد تمكنت المنظمة من تجسيد رسالة الشهداء ؟ بذلنا مجهودات جبارة والرأي العام في الحقيقة هو من يملك حق التقييم، كما أن المنظمة لها برنامج عمل يتلخص في نقاط معينة، وفي الوقت الذي كانت فيه الجزائر تتعرض للعدوان الإرهابي نجد أن المجاهدين هم من حملوا السلاح كما حملوه في ثورة التحرير وضحوا بأنفسهم ودمائهم، وقد ساهمت تضحياتهم في الحفاظ على خط ومبادئ وقيم ثورة نوفمبر. كما كان للمنظمة موقف مبدئي وواضح، وهو السهر على تطبيق القوانين الخاصة بالتكفل بالمجاهدين وذوي الحقوق، وهناك مجهودات بذلت في هذا المجال، كما أننا نعترف بأنها غير كافية لأن مجهود المنظمة لم يصل إلى الأهداف المسطرة. ونعترف بأننا لم نصل إلى المستوى المطلوب وخاصة السهر على تبليغ رسالة نوفمبر إلى الأجيال القادمة، وذلك لتمكينها من التسلح بالروح الوطنية وبنفس الروح التي تسلح بها جيل نوفمبر لبناء دولة في مستوى تطلعات الشهداء والمجاهدين. *بالنسبة للقانون الذي سنه البرلمان الفرنسي حول معاقبة كل من يمس الحركى بسوء، في أي خانة تصنفون هذه الخطوة الفرنسية؟ وهل تحملون أبناء الحركى وزر آبائهم؟ نحن جيل نوفمبر لنا خبرة بالنوايا الاستعمارية ولهذا لا نستغرب مثل هذه الخرجات وهذه المواقف المراوغة، ولهذا فمثل هذه المواقف ليست غريبة عنا، وورقة الحركى يستخدمها اليوم الرئيس الفرنسي كورقة انتخابية في حملته للرئاسيات، وهو يوظفها توظيفا ليس له أهداف واضحة. الحركى وعملاء الاستعمار خونة حملوا السلاح ضد وطنهم، ونحن نأمل أن يتفهم الفرنسيون الواقع ويتعاملون مع الجزائر على أنها دولة انتزعت سيادتها بدماء الجزائريين، والاستقلال جاء بعد تضحيات ولم يأت هدية من أحد، ومن فائدتهم أن يتعاملوا مع الجزائر على هذا الأساس. تمجيد الاستعمار وتكريم الحركى والاساء لتاريخ الجزائر لن يخدم الفرنسيين في شيء، كما أن عدم الاعتذار والتعويض وإرجاع ما نهبوه من أرشيف ومن أموال لا يخدم فرسنا على المستوى البعيد، لان الصفحة ربما طويت في وقت معين لكن الفرنسيين هم من أعادوا نشرها بسن قوانين تمجد الاستعمار. ولا سبيل لإقامة علاقات حقيقة بين الجزائروفرنسا دون الاعتذار عن جرائمها في الجزائر وتعويضها لكل ما نهبته طيلة تواجدها في الجزائر من أموال وموارد طبيعية، وفق ما تنص عليه قوانين الأممالمتحدة. وأنا اطرح السؤال اليوم أين هم العملاء الذين تعاملوا مع النازية لماذا لم نسمع بهم، الاستعمار مجرم ولا يمكن أن يقبل في أي مكان، ونحن نريد محاكمة الساسة الفرنسيين وبالتالي تتخلص الإنسانية من السيطرة والكبرياء. أما فيما يتعلق بأبناء الحركى فلهم خطان الأول خط وطنهم والثاني إتباع ملة أبائهم فإذا اختاروا الجزائر فهم أولادها. *ساركوزي قالها صراحة وفي أكثر من مناسبة أن فرنسا لن تقدم الاعتذار للجزائر، كيف تقرؤون الموقف ؟ هو يقف في وجه إقامة علاقات حقيقة بين البلدين وبهذه المواقف هو ينسف مصالح بلده في الجزائر وهو يعمل ضد نفسه وضد فرنسا، وأؤكد هنا أن الجزائر موقفها واضح في هذا الخصوص حيث لا يمكن أن تكون علاقات حقيقة إذا لم تعتذر فرنسا ولم تعترف، نحن نريد علاقات قانونية وصداقة حتى تفتح المجال للأجيال الصاعدة. *تجري محاولات في فرنسا لتجريم جبهة التحرير الوطني التاريخية. كيف تقرؤون المساعي الفرنسية التي تريد المساواة بين الجلاد والضحية؟ موقف غير مستغرب، فالمستعمر الفرنسي يحاول أن يضع نفسه كأنه مظلوم، وبعد عمليات الإبادة يريد أن يقول للعالم إنه مظلوم، لكن التاريخ سجل فضاعة الجرائم الفرنسية في الجزائر، ومما لاشك فيه أن الاستعمار هو سلوك ظالم مهما كان مكانه في الجزائر أو خارجها. ولا أفهم لماذا الفرنسيون يجرمون النازية ولا يجرمون أنفسهم في حين استعمارهم أقسى من النازية ووصلت بهم الدناءة إلى اعتبار الجزائر قطعة من فرنسا في حين لم يفعلها الألمان ولم يعتبروا الأراضي الفرنسية ألمانية، وحاول الفرنسيون طمس الهوية الجزائرية وأنا أتذكر أنني كنت أحمل بطاقة تعريف صفتي فيها فرنسي مسلم. ومن هذا المنطلق لا يمكن تقبل الطروحات الفرنسية فكيف إذن نعتبر المجاهدين الذين ضحوا من أجل استقلالهم مجرمين وبالمقابل يصبح المستعمر الذي استباح الدماء وسلب الأموال والثروات هو الضحية وهذا ما لا يتقبله عقل إنسان. *أثارت التصريحات والتصريحات المضادة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي، ردود فعل بين الطبقة السياسية الجزائرية. بصفتكم معني كأمين عام منظمة المجاهدين هل تقفون في صف المؤيدين لأردوغان ؟ مطلبنا دائما هو تجريم الاستعمار والتعويض ومع الأسف هو مطلب وطني ولم نجد له دعم دعم دولي ولا حتى من الدول التي ذاقت مرارة الاستعمار، وللإشارة فإن الفرنسيين لما طالبوا بحقوقهم من الألمان بعد الحرب العالمية الثانية وجدوا دول المحور في سندهم، وهذا ما جعل ألمانيا تعوضها عن أضرارها. ومن هذا المنطلق فنحن نثمن عاليا موقف رئيس الحكومة التركي رجب طيب اردوغان ونتمنى أن هذا الموقف تتبعه مواقف أخرى خاصة الدول الإسلامية منها والعربية، ونحن محتاجون لهذا الدعم، وكنا نتمنى ألا يأتي الموقف التركي بمناسبة صدور قانون فرنسي يجرم إنكار إبادة الأرمن، وكنا نأمل أن يكون موقف نابع عن قناعة. وبالنسبة للدعم الدولي لمطلب الجزائر المنادي لتجريم الاستعمار تلكمنا في هذا الموضوع مع عدة منظمات عالمية المشابهة لمنظمتنا مثل الفدرالية العربية لقدماء المحاربين وطرحنا هذا التوجه لكن مع الأسف حتى وإن كانت هناك مواقف إلا أن العمل الميداني كان غائب تماما والتحرك الحقيقي كان منعدما واقتصر الدعم على استصدار اللوائح والبيانات، وما عكس رغبتنا في بناء موقف موحد حول الاستعمار. هناك من يصف موقف الدولة الجزائرية من تجريم الاستعمار ومن طبيعة التعامل مع مستعمر الأمس بصفة عامة بالسلبي، هل تؤيد ذلك ؟ الدولة الجزائرية لها موقف ايجابي والدليل أنه كان هناك نص معاهدة الصداقة طرح في فترة معينة إلا أن الجزائر رفضته تماما، وذلك بسبب الموقف الفرنسي الذي حاول تجاهل مطلب الاعتذار والتعويض عما ارتكبه الاستعمار طيلة 130 سنة، والموقف الجزائري كان دائمات موقفا حازما ونبيلا. وبالنسبة لقانون تجريم الاستعمار فنحن نعول على البرلمان القادم الذي نتمنى أن يكون أحسن، يدافع عن القيم وعن المبادئ وهذا الذي نتمناه قرأ بعض الجزائريين تشبيه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في خطابه يوم 23 فيفري بأرزيو الانتخابات التشريعية القادمة بأول نوفمبر 1954 بأنها نوع من المبالغة هل كان هذا موقفكم ؟ يجب فهم وتمعن خطاب رئيس الجمهورية جيدا واستقراء كل الرسائل التي أراد أن يوجهها فالمشروع النوفمبري سعا إلى نيل الاستقلال وخوض معركة البناء والتشييد، وهو ما تسعى إليه الجزائر من اجل بناء دولة اجتماعية جزائرية، فالجزائر لم تصل بعد إلى مستوى الدولة التي قضت على الفقر والمشاكل الاجتماعية. وما معنى التحرير إن لم يكن من اجل بناء دولة قوية تكون الند للند مع باقي الدول الأخرى، وعلى الجزائريين أن يكونوا يقضين ويستفيدوا من الدروس التي مرت بها الجزائر.. فمعركة البناء والتشييد لا تقل أهمية عن معركة التحرير، ومن خلال تجربتنا فمطامع الاستعمار مازالت قائمة إلى اليوم.