الأنصار يتوافدون على محلات الذهب ببريتوريا وتخفيضات تصل 60 بالمائة كانت زيارة بلاد مانديلا بالنسبة لنا حلما بعيد المنال راودنا أيام تأهل المنتخب الوطني لمونديال جنوب إفريقيا سنة 2010، إلا أننا لم نتمكن من تحقيقه لاعتبارات كثيرة في مقدمتها التكاليف المالية الباهضة للإقامة والتنقل من الجزائر إلى جوهانزبورغ، إلا أن هذا لم يمنعنا من سماع الكثير عن بلاد البافانا بافانا التي تعتبر الدولة الوحيدة المتطورة في القارة السمراء ”المتخلفة”، في مقدمتها أن جنوب إفريقيا عانت كثيرا في السابق من العنصرية، كما أنها دولة متطورة وبلاد التكنولوجيا في إفريقيا وموطن المحميات الطبيعية ومنشأ الماس والذهب والأحجار الكريمة، وهو ما خلق لدينا فضولا أكبر لزيارتها ورغبة واسعة للتسوق بمتاجرها. كانت كأس إفريقيا للأمم 2013 فرصة هامة لأزيد من 1000 مناصر جزائري تنقلوا إلى جوهانزبورغ لمتابعة الفريق الوطني لكرة القدم وتشجيعه في بلاد مانديلا، إلاّ أن آخرين اعتبروها أيضا فرصة لا تعوض لاقتناء الذهب والحلي ودخول أكبر المراكز التجارية لبيع الماس والذهب في العالم وشرائها بثمن ”بخس” مقارنة مع الأسعار الخيالية التي يطرحها ”الصياغون” في الجزائر، والتي يرجعونها دائما إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية الدينار، وبما أننا كنا أحد الأنصار ال250 الذين اختارتهم شركة الهاتف النقال ”موبيليس” لمرافقة الفريق الوطني إلى جنوب إفريقيا، لم نشأ تضييع فرصة زيارة جوهانزبورغ دون التنقل إلى محلات الذهب في موطن الماس. الذهب والألماس ”صولد” لمن يرغب في الشراء بجنوب إفريقيا كان أول ما قررنا زيارته عند وصولنا إلى العاصمة الجنوب إفريقية، بريتوريا، هي محلات المجوهرات والمراكز التجارية، بعدما سمعنا عن الأسعار المغرية التي تقترحها هذه المنطقة، لاسيما أن عددا كبيرا من مواطنيها كانوا قد أخبرونا بمجرد نزولنا في المطار أننا محظوظون لحضورنا في هذه الفترة بالذات بحكم أنها تتزامن مع مرحلة التخفيضات الترويجية أو ما يعرف لدينا ب”الصولد”، وكنا نتوقع أن نجد تخفيضات في كل شيء إلا في أسعار الذهب والماس، التي لم نسمع يوما عن عروض ترويجية تخصها في الجزائر. وكم كانت دهشتنا كبيرة عند دخولنا مركزا تجاريا محاذيا للفندق الذي كنا نقيم فيه ببريتوريا، لنفاجأ بلافتات إشهارية على واجهات محلات الذهب مكتوب فيها تخفيضات تصل 60 بالمائة في أسعار الذهب والألماس، كما فوجئنا بطوابير طويلة من الجزائريين كانوا يتوافدون على محلات الصياغة للتعرف على الحلي التي تطرحها هذه الأخيرة، خاصة الذهب الأبيض والماس، بحكم ندرة هذا الأخير في الجزائر وسعره المرتفع جدا. وبعد حديثنا لعدد من أصحاب محلات بيع الصيغة، أخبرنا هؤلاء أن الذهب في جنوب إفريقيا لا يباع بالغرام مثلما هو متعامل به في الجزائر، وإنما على أساس شكل هذه الصيغة ومدى مواكبتها للموضة وحسن صناعتها، على غرار القيراط والعيار اللذين تنتمي إليهما، وإذا كانت مطابقة لآخر صيحات الموضة لاسيما فيما يتعلق بطواقم الأساوير والخواتم والطوق والأقراط، وهناك فوجئنا أن خاتما من الذهب يباع بين 2000 رند و4000 رند، أي 200 و400 أورو، وما يعادل 20 ألف و40 ألف دج، في حين أن خاتم الماس يعادل 1000 و2000 رند، أي بين 100 و200 أورو وتحديدا ما بين 10 و20 مليون سنتيم في الجزائر، وهي أسعار تظهر من الوهلة الأولى أنها منخفضة جدا مقارنة مع الأسعار المطروحة في الجزائر، والتي مافتئت ترتفع في كل مرة بشكل أكبر، ما جعل عددا كبيرا من الأنصار الجزائريين المتوافدين على جنوب إفريقيا يستغلون فرصة زيارتهم لبلاد مانديلا المتزامنة مع نهائيات كأس إفريقيا، لاقتناء الذهب من هذه البلاد الكبيرة المشهورة بمعادنها الثمينة. كما فاجأنا ما صرح لنا به عدد من الجزائريين الذين التقيناهم هناك، والذين أخبرونا أنهم يريدون اقتناء ما يستطيعون حمله من الذهب والماس لإعادة بيعه في الجزائر وتحقيق الربحية بفارق السعر، وأنه بإمكانهم إعادة بيعه فيما يعرف بسوق الدلالات في ”السكوار” بالعاصمة أوأي سوق آخر للذهب، على غرار العناصر وشارع العربي بن مهيدي، وحتى بقسنطينة وعنابة ووهران، معتبرين أنهم لا شيء مربح في الجزائر أكثر من تجارة الذهب المنخفضة أسعارها ب50 بالمائة في جنوب إفريقيا مقارنة مع الجزائر. ذهب بريتوريا من عيار 9 وذهب الجزائر من عيار 18 وحول النوعية التي يتميز بها الذهب والماس اللذين يباعان بمحلات جنوب إفريقيا، أخبرنا الصياغون الذين التقتهم ”الفجر” بضواحي العاصمة بريتوريا، أن سبب انخفاض سعره هو أنه من عيار 9 قيراط وليس عيار 18 الذي يباع في الجزائر. كما أوضح هؤلاء أن الذهب في جنوب إفريقيا وحتى الماس لا يتم بيعهما بشكل عادي وإنما يتم مزجهما بكثير من الرصاص والحديد والمعادن الأخرى حتى يكون رخيص الثمن وفي متناول المواطنين. في حين أن الأغنياء والذين يرغبون في الحصول على جواهر تواكب مستوى الثراء الذي يتمتعون به، ما عليهم إلا دفع الملايين للحصول على قيراط 18 وحتى قيراط 24 لو أرادوا. وأوضح الصائغ الذي تحدثنا إليه أن بيع ذهب من معيار 9 ليس خدعة للزبائن لأنهم يعرفون ذلك مسبقا، وإنما هو على سبيل التضامن والمساعدة حتى لا تكون هذه الحلي والمجوهرات حكرا على الأغنياء وأصحاب الثروات دون غيرهم. كما أوضح أن الأجانب الذين يتوافدون عليه لشراء الحلي، بما فيهم الجزائريون، يعلمون ذلك جيدا ويتم إبلاغهم بكافة المعلومات والتفاصيل المتعلقة بالصيغة التي يرغبون في شرائهما، حيث يدركون معيارها ونوعها إلا أنّهم يصرون عليها، مشيرا إلى أن جنوب إفريقيا من بين البلدان القلائل التي تقترح عروض ترويجية على الحلي بما فيها الذهب والماس سنويا في موسم الصيف لإسعاد الفقراء والمعوزين. وعن وزن الخاتم أو الطوق، أو أي قطعة يرغب الزبون في شرائها، قال الصائغ إنه لا يلعب دورا كبيرا في تحديد سعرها الذي يرجع بالدرجة الأولى إلى طريقة تصنيعها، ومرجع هذا حسب محدثنا إلى أن ليس كل الذهب الذي يباع في إفريقيا الجنوبية من عيار 18 على غرار ما هو متعامل به في عدد كبير من البلدان، بما في ذلك الجزائر. زبائن حائرون وآخرون يصرون على شراء الماس بثمن بخس وعن رأي الزبائن الذين يتوافدون على شراء الذهب والماس من جنوب إفريقيا، تقربنا من عدد من الأنصار الجزائريين الذين قصدوا محلات الصياغة وبيع الذهب ببريتوريا، العاصمة الاقتصادية، حيث أخبرنا هؤلاء أنهم يسمعون كثيرا عن الماس والذهب بجنوب إفريقيا وكذا عن الأسعار التي تقترحها المحلات هناك، لاسيما أنها في مرحلة ”الصولد”، وهو ما يجعلهم يصرون على اقتناء ما يتسنى لهم من الحلي، حيث أخبرنا كمال، تاجر من العاصمة، أنه يرغب في شراء الذهب والماس من جنوب إفريقيا لزوجته وبناته اللواتي كلفنّه بذلك، وحتى إن كان هذا الذهب من عيار 9 فهو سيكون موجها للبس والاستعمال وليس للتجارة أو البيع. أما زهيدة، موظفة جاءت لحضور فعاليات كأس إفريقيا للأمم ببلاد مانديلا، قالت إن عائلتها وأخواتها في الجزائر كلهن أوصينها أن تشتري لهم ما استطاعت من الحلي هناك، وأنهم زودوها بالكمية اللازمة من الأورو والدولار حتى تتمكن من تلبية رغبات كل واحدة منهن، إلا أنها لما قصدت محلات جنوب إفريقيا واكتشفت أن الذهب الذي يتم بيعه هناك من عيار 9 رفضت ذلك وتفضل أن تعيد لهن أموالهن على أن تشتري ذهبا من نوعية رديئة. محمد هو الآخر أحد الأنصار الذين قدموا من الجزائر لحضور فعاليات كأس إفريقيا للأمم، حيث أخبرنا هذا الأخير أنه يرغب في شراء ما طاب وما استطاع من مجوهرات ليعيد بيعها في الجزائر، ولو كلفه ذلك إعادة بيعها بسوق ”السكوار” بالعاصمة أو للدلالات، معتبرا أن صفقة مثل هذه ستدر عليه أرباحا كبرى وأنها فرصة مناسبة له للحصول على مبلغ مالي معتبر مقابل عملية حسابية بسيطة. حيل وتضامن بين الأنصار لتمرير الذهب في مطاري جوهانزبورغ وهواري بومدين ولا يخفى على أي شخص أن عملية شراء الذهب سهلة ولا تكلف الكثير في جنوب إفريقيا، إلا أن إدخاله إلى المطار هو الأمر الصعب الذي لا يخطر على بال الكثير من الجزائريين الذين يتوافدون بشكل يومي على محلات الماس والذهب بجنوب إفريقيا، حيث أخبرنا عدد كبير منهم أنهم سيلجأون إلى حيل مختلفة لإدخالها إلى المطار، بحكم أن القانون لا يسمح لهم بتعدي نسبة محددة من الذهب أو وزن معين، وذلك في أمتعة المسافرين وإلا سيتم كشفه عبر جهاز السكانير، حيث يفكر الكثير من الأنصار في الاستعانة بالعدد الكبير من الجزائريين الذين يقيمون معهم في الفنادق حتى يمرر كل واحد منهم جزءا صغيرا من الذهب على أساس أنه متاع شخصي له، لتتم إعادة تسليمه لصاحبه عند النزول بمطار هواري بومدين بالعاصمة. كل شيء غالي الثمن في جنوب إفريقيا إلا الذهب والماس وخلال زيارتنا لمحلات بيع الذهب والمراكز التجارية في جنوب إفريقيا استغللنا الفرصة أيضا لمعرفة بعض الأسعار هناك، لاسيما المواد الاستهلاكية الغذائية والألبسة والنقل وحتى التجهيزات الكهرومنزلية والإعلام الآلي والهواتف، التي فوجئنا أنها مرتفعة جدا وأغلى بكثير مما كنا نتصور، حيث أن ثمنها باهض جدا عند تحويل العملة الوطنية هناك، الرند، إلى الأورو، ومقارنة بالدينار الجزائري. إلا أنه طبقا للمعلومات التي أفادنا بها سكان المنطقة فإن الدخل المرتفع للمواطنين والأجور التي يتقاضونها هي التي تقف وراء المستوى المعيشي الذين يتمتعون به، حيث تبدو مظاهر الرفاهية على سكان البافانا بافانا من خلال المنازل التي يقطنون بها والسيارات التي يركبونها والألبسة التي يرتدونها والنسبة العالية من المشتريات التي يقتنونها، وهذا وفق ما لاحظناه وما أخبرنا به أصحاب المحلات والباعة. كما تأكدنا من انعدام الأسواق الفوضوية ببلاد مانديلا، التي بلغت نسبة عالية من التطور تجعل جل التعاملات هناك عبر بطاقات الإئتمان وبطاقات الدفع الإلكتروني. كما أن معظم عمليات التسوق محصورة في المراكز التجارية التي تعرف انتشارا واسعا بالبلاد السمراء، وهو ما يجعل عمليات الغش والتقليد شبه مستحيلة على خلاف الجزائر، وفقا لما أدلى لنا به السكان والمواطنون الذين أكّدوا أنهم لا يجابهون أي مشاكل على هذا المستوى، كما يجدون كل ما يرغبون في اقتنائه عند التسوق وكل يقتني حسب رغبته وإمكانياته ومستواه المادي، سواء تعلق الأمر بالغذاء أواللباس أوحتى الذهب والماس، الذي هو في متناول الفقراء والمعوزين بجنوب إفريقيا. كما أن مواطني جنوب إفريقيا ملزمون بتسديد ثمن العديد من الخدمات التي هي شبه مجانية في الجزائر، بسبب الندرة التي تعرفها هناك، على غرار الماء المعدني وسعر الأنترنت والهاتف اللذين أكد لنا السكان أنهما غاليان جدا، وهذا ما لاحظناه نحن أيضا من خلال إقامتنا بالعاصمة بريتوريا منذ أيام، وهي الصعوبات التي واجهت الأنصار المتنقلين رفقة الفريق الوطني الجزائري لحضور فعاليات كأس إفريقيا للأمم. بيع ذهب من معيار 9 ليس خدعة للزبائن لأنهم يعرفون ذلك مسبقا، وإنما هو على سبيل التضامن والمساعدة حتى لا تكون هذه الحلي والمجوهرات حكرا على الأغنياء وأصحاب الثروات دون غيرهم يفكر الكثير من الأنصار في الاستعانة بالعدد الكبير من الجزائريين الذين يقيمون معهم في الفنادق حتى يمرر كل واحد منهم جزءا صغيرا من الذهب على أساس أنه متاع شخصي له
روبورتاج مبعوثة ”الفجر” إلى جنوب إفريقيا: إيمان كيموش